لا يعرف عنها سوى أن هناك من ألقاها في الطريق

أم جراح... مسنة أدخلت مستشفى الجهراء منذ 6 أشهر ولا أحد يسأل عنها

1 يناير 1970 04:59 م
| كتب عزيز العنزي وفوز الظاهر |
يعجبك حديثها الطفولي تارة... ويؤلمك سبابها اللاذع تارة اخرى.
تحن اليها حين تراها تبكي طالبة من يمد إليها يد المساعدة، وتشفق عليها حين تجدها كما مهملا لا أحد يسأل عنها.
هي امرأة لا تحمل هوية ولا يعرف لها سميا سوى كنية تتمتم بها.
هي ام جراح التي تخلى عنها من تخلى، ولفظها من ضج بها آخر ايام عمرها، فلم تجد سوى رجال احدى الدوريات، فكانوا بها رحماء واصطحبوها إلى مستشفى الجهراء حيث تقبع هناك منذ ستة اشهر.
«الراي» التي كانت في زيارة مهنية لمستشفى الجهراء، سمعت بأمر ام جراح من القاصي والداني في المستشفى، فاقتربت منها بعدستها تلتقط صورها، قبل ان تقترب من جسدها النحيل المترامي على احد الاسرة.
راحت «الراي» تتسمع ضحكاتها الطفولية، التي ترتسم على وجه امتلأ بتجاعيد الزمن، ضحكات لا تنقطع الا عندما نسألها عن اولادها فتتحول إلى عبوس وحزن يخلفهما فيض من انهار ودموع تتساقط من وجنتيها، يتبعها شتائم وسباب لمن ذكرها بكلمة ابناء، وكأنها لا تريد ان تتذكر من يحتمل انهم هم من ألقوا بها على قارعة احد الطرق تواجه مصيرها.
«الراي» التي لم تستطع استنطاق ام جراح، فلجأت إلى من يشاركونها غرفتها من المرضى الذين هم احسن حالا منها، فسمعت روايات بل مآسي اجتمعت على انه منذ ستة اشهر عثر رجال الدوريات اثناء تجوالهم على ام جراح تعاني آلام البرد، ويكاد جسدها النحيل يتجمد، ويتوقف الدم في عروقه، فحملوها شبه فاقدة للوعي إلى المستشفى حيث قدمت لها الرعاية.
مرت الساعات تخلفها الايام والشهور ولا احد يسأل عن ام جراح، وكأن من ألقى بها ظن انها غادرت الحياة فاطمأن قلبه ولم يعد تراوده ذكراها.
ام جراح التي تحتاج لرعاية خاصة بدءا بمن يأخذ بيديها فيدخلها دورة المياة، ومرورا بمن وضع الله في قلبه نفسا طيبة جعلته يزيل عنها «غائطها»، ويمحو اوساخها وانتهاء بادارة المستشفى التي تحملت ما لا يتحمله بشر من هياج شيخوختها عندما تنتابها حالة الخرف، وصراخ الشباب عندما تعود وكأنها طفلة في مهدها، وسباب وشتائم تملأ جنبات اروقة المستشفى واجنحته عندما تتذكر او يسألها سائل عن اسمها او اسم اولادها.
«الراي» من جانبها ارتأت ان تنشر ما عرفته ممن جاورها محبسها في المستشفى، مع صورة لها، علها تجد من قرائها من يعرفها او يعرف احدا من ذويها الذين ربما رموا بها على قارعة الطريق... او ربما خرجت من دون علمهم فضلّت طريقها ولم تعد.
فعلى من يعرف ام جراح ويريد ان يكفكف دموعها، او يرحم شيخوختها، او حتى يرسم بسمة على خديها فهي طريحة فراش في غرفة داخل جناح في مستشفى الجهراء.