منذ أعوام وكوريا الشمالية على خريطة الأحداث، ودائماً محل اهتمام عالمي سياسي وإعلامي بسبب إصرارها على مشروعها النووي وتحديها للولايات المتحدة الأميركية، وقد وضعها الرئيس الأميركي السابق بوش في محور الشر المعادي للولايات المتحدة.
ورغم أن المشروع النووي الكوري الشمالي حقيقي، إلا أن الإدارة الأميركية كانت دائماً تفضل الحل السياسي والديبلوماسية الهادئة، في الوقت الذي سارعت فيه إلى حرب العراق لمجرد فكرة مشروع أسلحة دمار وهمية اعترف بخرافتها، بل وتلفيقها القادة الأميركيون جميعاً.
الحقيقة أن المتأمل لإرادة كوريا الشمالية لا يملك إلا التعجب من تلك الدولة الفقيرة التي تسخر جميع إمكانياتها الفقيرة من أجل طموحها ومشروعاتها في التحدي وإثبات القدرة والإرادة.
ويقول يورس كمنجز في كتابه «كوريا الشمالية»: «إنه يقتطع من كل دولار من الدخل القومي 30 سنتاً لحماية البلاد، أي ثلث الدخل القومي للتسليح الذي يبلغ نحو 26 مليار دولار فقط... ويوجد مليون و200 ألف في الخدمة العسكرية الملزمة على كل من بلغ 18 عاماً ولمدة 6 سنوات متصلة من دون إجازات لا يرى فيها المجند أهله وعائلته، في الوقت الذي يوجد 6 ملايين في الاحتياط، ويُقال إنه رابع جيش في العالم».
ويضيف: «إنه يوجد 15 ألف مخبأ سري، لذلك ليس غريباً أن تطور كوريا الشمالية أسلحتها حتى تصل إلى مفاجأة العالم ولا تبالي برد فعله في الخامس من أبريل 2009 وتطلق صاروخها تايبود دونغ البالستي العابر للقارات».
وفي الخامس عشر من أبريل أدان مجلس الأمن كوريا، وقرر تشديد العقوبات المفروضة عليها. ولكن هل تبالي كوريا الشمالية التي لم تبالِ من قبل بالعقوبات ولم تخضع للتهديدات ولم تجرِ وراء الإغراءات؟
ويزداد الإنسان العربي المسلم تحسراً عندما يقارن بين الأمة العربية البالغ عدد سكانها نحو 340 مليوناً، وكوريا البالغ عدد سكانها 23 مليوناً، وبين متوسط دخل الفرد الكوري الذي يبلغ 94 دولاراً في العام، ومتوسط دخل الفرد العربي الذي يصل - بخلاف منطقة الخليج - إلى 1500 دولار، وذلك بخلاف مجموع الدخل القومي العربي، الذي يصل إلى تريليونات، وبين دخل كوريا الشمالية. ومع ذلك يفشل العرب البالغ عددهم 22 دولة في إقامة مشروع نووي وصواريخ طويلة المدى، وبالقرب من أراضيهم العدو الصهيوني يملك ترسانة سلاح نووي تقدر بآلاف الرؤوس النووية القادرة على محـــــو مــــدن عربية كاملة من الخريطة.
وإذا كان يقال إن كوريا تتحدى الولايات المتحدة ثأراً لما حدث معها في الحرب الكورية من العام 1950 إلى 1953، تلك الحرب التي قامت فيها الولايات المتحدة بحرق قرى كاملة بقنابل النابالم في ما سمي عملية قتل الفئران، وألقى فيها سلاح الجو الأميركي آلاف الأطنان من قنابل النابالم، وقد أطلق على تلك الحرب - الحرب المنسية - إلا أن الكوريين في الشمال لم ينسوا وتحدوا رغم فقر إمكانياتهم، فما بال العرب لا يثأرون لقتلاهم وأرضهم ومسجدهم المقدس في فلسطين؟ هل نسوا أم تناسوا أن أرضهم العربية فلسطين محتلة؟ لماذا لا يملك العرب الإرادة للتحدي رغم امتلاكهم لجميع الإمكانيات؟
صحيح أن النظام الكوري الشمالي نظام شمولي شيوعي وأنظمتنا العربية كثير منها يدعي الديموقراطية، والبعض لا يستحي من الشمولية، لكن ماذا فعلوا؟
ويبقى أن الطبق المفضل في كوريا هو الأرز، وهو الوجبة الوحيدة عليها يعيشون ويتقوون، ونحن في بلاد العرب نلقي الطعام ببواقي اللحم قبل الأرز في سلة المهملات. في بلادنا العربية يبحثون عن «الدايت» والحمية والتخسيس، وفي كوريا لا يسمعون عن ذلك.
تكاد الدموع تتساقط حزناً وألماً على أهل التوحيد والإسلام لتخلفهم وتأخرهم وضعفهم أمام التحديات من قوى الظلم في العالم، بينما الذين يعبدون صنم بوذا وكونفشيوس يصمدون أمام التحديات ويتعجب الإنسان.
حقاً إن في كوريا الشمالية فقراً وإرادة وفي بلاد العرب فقراً في الإرادة، ولاحول ولا قوة إلا بالله.
ممدوح إسماعيل
محامٍ وكاتب مصري
[email protected]