تسجيل 15 ألف جريمة تتعلق بصناعة النقود المزيفة

الأزمة المالية تنعش الأسواق السوداء لتزوير وترويج الأوراق النقدية في روسيا

1 يناير 1970 12:56 ص
 |موسكو - «الراي»|
ازدهرت في روسيا هذه الأيام وفي ظروف الأزمة المالية الراهنة تزييف وترويج النقود المزيفة. وحقق «الروبل الروسي» نجاحا باهرا وإقبالا شديدا من المزورين، أكبر من الدولار الأميركي، ذلك لأن مزيفي النقود يفضلون تزييف العملة الوطنية على الدولار.
واستنادا إلى معطيات الشرطة فقد تحول القيام بمثل هذه الأعمال من أشخاص (أعمال فردية) كليا إلى أيدي التنظيمات الإجرامية. الأمر الذي دعا وزارة الداخلية أن تكرس لهذا الموضوع مؤتمرا صحفيا، ذلك من أجل توعية المواطنين لذلك، والتصدي لهؤلاء المزورين وقطع قنواتهم وحيلهم في صنع وطرح النقود المزيفة.
وأوضحت المعطيات الشرطة أن الأزمة المالية دفعت بهؤلاء المواطنين في روسيا إلى الإقبال على شراء العملات الأجنبية، وأن في مثل هذه الظروف ينشط مزيفو النقود الذين يقومون بطرح أوراق نقدية في التداول بأحجام هائلة. كما أن المطابع السرية بدأت العمل بكامل طاقتها.
وعلى حد قول آمر قسم في دائرة الأمن الاقتصادي لوزارة الداخلية الروسية دينيس سوغروبوف فإن العملية الخاصة بمتابعة نشاط المجرمين بدأت منذ العام الماضي. فقد ثبت لرجال الشرطة أن اثر النقود المزيفة يمتد إلى داغستان وأنغوشيتيا والشيشان ومقاطعة روستوف. وأن الجزء الأكبر من النقود المزيفة يطبع هناك بالضبط بالدرجة الأولى في داغستان وانغوشيتيا. وأن أحد أسباب ذلك يعود إلى واقع أن المسلحين القابعين هناك بحاجة إلى موارد بالأخص لشراء الأسلحة والمتفجرات والتجهيزات. ومنذ يوليو العام الماضي وحتى أبريل الجاري أجرت الأجهزة الأمنية داخل داغستان وأنغوشيتيا والشيشان سلسلة من العمليات التي أسفرت عن اعتقال سبعة ممن يفترض أنهم نظموا عصابات إجرامية ومصادرة زهاء 15 مليون روبل وما يزيد على 100 ألف دولار والمعدات اللازمة لطبعها.
وعموما فقد تسنى منذ بداية العام الكشف عن ما يزيد على 15 ألف جريمة تتعلق بصناعة النقود المزيفة. وان هذا العدد يزيد بنسبة 7 في المئة على ما كان في نفس هذه الفترة من العام الماضي. وأكثر ما بات يزيف هو الروبل والسندات المالية. وعلى هذا النحو فقد أقيمت لقاء تزوير الأوراق النقدية التي يصدرها البنك المركزي الروسي ما يزيد على 93 في المئة من الدعاوى التي تخص هذا النوع من الجرائم. ولم يتم العثور على 130 مليون روبل مزيف في مكان ما من الأسواق الشعبية، وإنما في البنوك. أما في عداد العملات الأجنبية فإن الدولار يبقى أكثر العملات شعبية من وجهة النظر هذه وأن تخلف جدا عن الروبل في ذلك. وعلى هذا النحو فقد أقيم لقاء تزييف الدولار الأميركي 6 في المئة فقط الدعاوى العامة في هذا المجال ولقاء اليورو زهاء واحد في المئة. وعلى حد معطيات البنك المركزي فقد تم في الربع الأول من العام الحالي الكشف عن 1193 ورقة نقدية أجنبية فقط. وأشار البنك المركزي إلى أن هذا يقل بنسبة 26.3 في المئة عما كان في الفترة ذاتها من العام الماضي.
وأشار المسؤول العلمي لمعهد شؤون العولمة ميخائيل ديلياغين في تصريح لصحيفة «نوفيه ازفيستيا» الروسية إلى أن ما يثير اهتمام مزيفي النقود نحو الروبل الروسي يعود إلى أن المعدات اللازمة لصناعته قد انتجت قبل بداية الأزمة. وقال إن تلك الأوراق النقدية التي يتم مصادرتها الآن قد طبعت بواسطة معدات صنعت قبل بداية الأزمة. وقد كانت طباعة الروبل آنذاك اربح بكثير من الدولار واليورو لأن سعر صرف الروبل كان يتعزز آنذاك مقابل تراجع سعر صرف العملتين الأميركية والأوروبية.
ومن المعروف أن النقود زيفت على الدوام ولكن ما يغدو تقليعة جديدة على حد معطيات وزارة الداخلية هو نمو عدد الجرائم المرتكبة في مجال تزييف السندات المالية. فقد تمكن موظفو الأجهزة الأمنية خلال النصف الأول من العام الماضي من مصادرة زهاء 5 آلاف سند مالي رسمي بحجم إجمالي يزيد على 112 مليون روبل وما يزيد على 500 سند مالي مغاير بقيمة 424 مليون روبل.
ونشير من باب المقارنة إلى أنه لم يصادر قبل ثلاث سنوات إلا 375 سندا ماليا بقيمة إجمالية تعادل 258 مليون روبل. ويحذر خبراء وزارة الداخلية من أن تزييف السندات المالية يمكن أن يشكل خطرا كبيرا على اقتصاد البلد لأنه يلحق الضرر بالسيولة النقدية لدى البنوك والمنظمات التجارية الصغيرة.
ويقر موظفو الأجهزة الأمنية بأن جودة الأوراق النقدية المزورة قد تحسنت في الآونة الأخيرة. ويبدو أن مزوري النقود لا يبخلون بالإنفاق ويقدمون على استثمارات إضافية في هذا المجال. وعلى أية حال فإن كلفة الأوراق النقدية المزورة من فئة ألف روبل المصادرة في جنوب روسيا والتي أعدت بمستوى تكنولوجي رفيع، بلغت نحو 180 روبلا لكل ورقة نقدية مزورة.
وأكد الخبير الأقدم في مركز التحليل التابع لوزارة الداخلية ايغور ميلورادوف على المستوى الاحترافي الأرفع لمزوري النقود. وتورد صحيفة «غازيتا» الروسية قوله وحتى أن معظم موظفي القاصات في المخازن الذين يستخدمون أجهزة خاصة لتحديد أصالة الأوراق النقدية لا يلاحظون التزوير. إذ انها كبيرة الشبه للغاية بالأوراق النقدية التي يصدرها المصرف الروسي.
وحسب قول ممثلي وزارة الداخلية فإن موظفي الشرطة والمؤسسات المالية غالبا ما يرون أوراقا مالية مزورة رفيعة المستوى. وغالبا ما تبقى الأوراق المزورة غير ملحوظة وتستمر في «التداول» في التجارة الشرعية حسب رأي ممثلي الوزارة. وأن معلومات البنك المركزي الروسي تؤكد هذه النزعة.
واصطدم الخبراء في علم الإجرام في الآونة الأخيرة بنوعين من الأوراق المالية المزورة الرفيعة الجودة. وفي كلتا الحالتين تعد المزورات على الأوراق النقدية الحقيقية مع استخدام معدات الطباعة الحديثة وهي تتميز فقط بأسلوب الإنتاج. ولغرض تجنب رمي كميات هائلة من المزورات في التداول النقدي الروسي فإن من اللازم حسب رأي ممثلي وزارة الداخلية فرض رقابة رسمية مشددة على التجارة بمعدات الطباعة. واتخاذ الإجراءات إزاء المصانع التي تنتج الأوراق الخاصة لطبع النقود رغم سريتها وطابعها المغلق. ومن اللازم تجهيز المصارف بالمعدات والأجهزة القادرة على تحديد وحتى أرقى أنواع الأوراق النقدية المزورة.
ويتركز الإنتاج الصناعي للروبلات المزورة في أراضي روسيا في مناطق شمال القوقاز أي داغستان وانغوشيتيا. وكان في الشيشان في التسعينات. وتفيد معطيات صحيفة «ترود» أن المراكز العالمية لإنتاج الدولارات واليورو المزورة هي كل من كولومبيا وايطاليا وكوريا الشمالية والمكسيك وفيتنام وبولونيا. وانضمت إليها في الآونة الأخيرة بلدان حوض البلطيق. ولا يعرف حتى الكمية التقريبية من التداول العالمي للأوراق النقدية المزورة. غير أن لخبراء الشرطة الدولية (الأنتربول) يعتقدون أن هذه الكمية لا تقل عن مئات المليارات من الدولار.