كانت ولادته سنة 1900 ووفاته سنة 1983

عبدالوهاب عبدالرحمن الفارس حفظ القرآن عن ظهر قلب وهو ابن عشر سنين

1 يناير 1970 10:52 م
إعداد : سعود الديحاني

 نحن مع سيرة احد العلماء الذين كان لهم اثر في العلم والصلاح فهو ابن اسرة توارث العلم الشرعي وعلم افرادها في تدريسه وتبليغه للناس نتحدث عن بدايات طلبه للعلم ثم ننتقل بالحديث عن تدريسه في مدرسة السعادة والمعهد الديني ثم نتطرق إلى سفره إلى الازهر الشريف ومدينة القدس المباركة التي فيها المسجد الاقصى... احاديث ممتعة نقضيها مع سيرة الشيخ عبدالوهاب الفارس:
ولد في سنة (1316هـ/ 1900م) في بيت علم وفضل، هو بيت علامة الكويت الشيخ محمد بن عبدالله الفارس - رحمه الله -، وكان من الطبيعي أن يسير على درب العائلة، وعلى ميثاق الخير والشرف والإيمان الذي وضعه عميد العائلة العالم الفاضل الشيخ محمد بن عبدالله الفارس - رحمه الله تعالى -.
لقد تربى الشيخ الفاضل في بيت علم، والغرس الطيب لا يطرح إلا طيباً، وقد وضع الله سبحانه وتعالى في طريقه علماء أفاضل ينهل من علومهم، فتلقى مبادئ القراءة والكتابة في (كتاتيب) الكويت، وحفظ القرآن الكريم كاملاً عن ظهر قلب عند الملا أحمد بن عبدالله العمر - رحمه الله - وهو ابن عشر سنوات، ثم انتقل إلى المدرسة المباركية ودرس فيها الكتابة والحساب والتجويد على يد الشيخ السيد عمر الأزميري - رحمه الله -، والنحو والفقه على يد الشيخ يوسف بن عيسى القناعي - رحمه الله - حيث درس على يده كلا من المذهب المالكي والشافعي والحنبلي، ودرس اللغة العربية مع ابن عمه الشيخ عبدالوهاب بن عبدالله الفارس - رحمه الله-، عند العالم النحوي محمود بن شاكر الشطري - رحمه الله-، ثم رغب في مواصلة دراسته على يد الشيخ الجليل عبدالله الخلف الدحيان - رحمه الله - الذي شهد له الجميع بالفضل والعلم الغزير، وهذه الصلة بين الشيخ عبدالوهاب وأستاذه الشيخ عبدالله الخلف الدحيان دليل على صحة مقولة (من زرع حصد) فالشيخ الدحيان قد تربى ونهل من علم أستاذه الشيخ محمد بن عبدالله الفارس، وها هو ذا العلم الذي زرعه الشيخ محمد في تلامذته يعود الى نسله وذريته بفضل من الله سبحانه وتعالى.
ووفق الله عز وجل الشيخ عبدالوهاب في تعلمه أيضاً على يد الشيخ عبدالمحسن بن ابراهيم البابطين - رحمه الله - الذي كان بيده قضاء الزبير والذي تولى قضاء الكويت سنة (1357هـ/ 1938م)، واستمر الشيخ عبدالوهاب ملازماً للشيخين الجليلين مستمعاً لهما حتى استوى عوده، واتسعت مداركه، واشتاق الى المزيد من العلم والنور، فراح يخوض بحار العلوم والفقه معتمداً على نفسه، ودفعه شغفه بالإمام ابن تيمية الحراني الدمشقي - رحمه الله (الإمام الشهير الذي يعد واحداً من أعلام القرن السابع الهجري)، الى الخوض في مؤلفاته والتعمق في تراثه، وكان الشيخ عبدالوهاب شديد الاعجاب بالإمام ابن تيمية لما له من جهود في الانتصار لسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ومحاربة البدع والمحدثات التي أبعدت الناس عن طريق الإيمان الصحيح، ولم يضعف شغف الشيخ عبدالوهاب للعلم في يوم من الأيام، بل ظل حريصاً عليه حتى وهو في قمة نضجه العلمي، فقد لبى الشيخ الفاضل دعوة من علماء الأزهر الشريف، المؤسسة الدينية والعلمية التي استمرت في اداء رسالتها السامية للحفاظ على التراث والعلوم الاسلامية لقرون عديدة، وذهب الشيخ الفاضل وكان برفقته الشيخ عبدالعزيز بن قاسم حمادة - رحمه الله - والمربي الفاضل الأستاذ عبدالعزيز بن مسلم الزامل، وذلك ليطلعوا على أنظمة التدريس في الأزهر الشريف قبلة المهتمين بالتعليم الديني، وفي الأزهر الشريف لقي الشيخ ورفيقاه فائق الترحيب والحفاوة من علماء الأزهر ومشايخه الأفاضل، وسافر الشيخ الفاضل أيضاً الى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين المسجد الأقصى المبارك مع أهله، ومكث بجوار المسجد الأقصى لمدة ثلاثة أشهر تقريباً وكان ذلك في عام (1386هـ/ 1966م).
حياته
لابد للمصباح أن ينير للآخرين طريقهم، فقد كرس الشيخ عبدالوهاب وقته وجهده لخدمة الآخرين في شؤون دينهم ودنياهم مفضلاً مصالح الناس على مصلحته، حتى إن حضرة صاحب السمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح أمير البلاد - رحمه الله - قال عندما حضر للتعزية في الشيخ عبدالوهاب عقب وفاته: «إن الشيخ عبدالوهاب - رحمه الله - لم يأتني في يوم من الأيام ليطلب طلباً يخصه، بكل كان يسعى لأجل قضاء حاجات الناس ومصالحهم».
وقد تولى الشيخ عبدالوهاب - رحمه الله - إمامة المصلين بمسجد الفارس في المباركية منذ أن كان شاباً يافعاً، واستمرت إمامته بالمسجد أربعة وخمسين عاماً كاملة، وفي عهد وزير الأوقاف والشؤون الاسلامية عبدالله مشاري الروضان - رحمه الله - انتدبته الوزارة لما له من خبرة ودراية في أعمال الدعوة لاختبار من يتقدم لوظيفة الإمامة والخطابة والأذان في مساجد الكويت.
السعادة
وعندما انشأ شملان بن علي آل سيف - رحمه الله - (مدرسة السعادة) في سنة (1343هـ/ 1924م)، وذلك من ثلث أيتام سعد الناهض حيث كان قيما على هذا الثلث، فأنشأ هذه المدرسة لتعليم الأيتام والفقراء بناء على نصيحة الشيخ يوسف بن عيسى القناعي - رحمه الله - فكان من الطبيعي ان يكون للشيخ عبدالوهاب مشاركة في هذا الصرح الخيري فقام بتدريس علوم القرآن الكريم، ولما كان الشيخ الفاضل يتمتع بموهبة الخط الجميل فلم يبخل على تلامذته في مدرسة السعادة بتعليمهم فنون الخط والإملاء بالاضافة الى تعليم الفقه والتفسير، واستمر الشيخ الفاضل في تأدية رسالته فيها لمدة خمس سنوات تسبقها سنة واحدة يعلم الصبيان القرآن الكريم في كتاتيب السيد هاشم الحنيان - رحمه الله -.
وقام الشيخ عبدالوهاب - رحمه الله - بتدريس ابناء عائلة الخالد في مجلسهم اللغة العربية لمدة ثلاث سنوات.
وكان الشيخ الفاضل كثير الجلوس مع أخيه الشيخ محمد بن سليمان الجراح - رحمه الله - في مسجد السهول بضاحية عبدالله السالم كل ليلة من صلاة المغرب الى صلاة العشاء للبحث في المسائل الفقهية.
المعهد
عندما انتابت مشايخ الكويت شكوك ومخاوف من انقراض التعليم الديني في ظل عدم وجود مؤسسة ترعاه، رفعوا مخاوفهم الى مجلس المعارف، وطلبوا افتتاح معهد ديني لتدريس الفقه ولو ساعة من النهار، واستجاب مجلس المعارف لطلب المشايخ فاستأجر محلا مقابلا لسوق اللحم في شارع المباركية وتم تعيين ثلاثة فقهاء فيه، كما تطوع الشيخ عبدالعزيز بن قاسم حمادة - رحمه الله - لتدريس علوم الحديث النبوي، وقد طلب الشيخ عبدالله الجابر الصباح - رحمه الله - رئيس دائرة المعارف آنذاك من الشيخ عبدالوهاب الانضمام الى هيئة علماء المعهد الديني الذي انشئ في عام (1367هـ/1947م)، فقبل الشيخ الفاضل التدريس فيه واستمر في تأدية رسالته في المعهد لمدة عشرين عاما.
مجالسه
كان الشيخ عبدالوهاب يجلس في ديوان الفارس بالمباركية ما بين صلاتي المغرب والعشاء يوميا وذلك قبل ان ينتقل من المباركية سنة (1379هـ/1960م) ليسكن بالفيحاء إلى سنة (1390هـ/1971م)، ثم الى ضاحية عبدالله السالم التي توفي بأحد شوارعها (شارع صنعاء).
وكان الشيخ عبدالوهاب يدرّس في ديوانه الفقه الحنبلي والحديث النبوي الشريف والسيرة النبوية التي يدرسها من خلال كتاب (سيرة ابن هشام)، وقد حفل ديوان الشيخ عبدالوهاب بالعديد من الشخصيات البارزة التي كانت تستمتع بالجلوس اليه والإنصات الى حكمه ومآثره - رحمه الله -.
أسرته
وإلى جانب مجلسه اليومي كان له أيضا مجلس اسبوعي في الديوان نفسه، وذلك لمدة ساعة من بعد صلاة الجمعة حيث يجتمع مع اهله، وكان للشيخ الجليل شقيقان، (أحمد) - رحمه الله - وهو من مواليد سنة (1313هـ/1895م)، وشقيق آخر توفي في ريعان شبابه وكان اسمه (عبدالله)، وشقيقة واحدة تزوج منها الشيخ عبدالوهاب بن عبدالله الفارس، وقد رزق الله سبحانه تعالى الشيخ الفاضل أربعاً من الأناث وستة من الذكور من زوجته ابنة الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز الفارس وهم:
عبدالله، وإبراهيم، وحمد، والشيخ/عبدالرحمن، ويوسف (توفي صغيرا)، ومشاري.
وقد اختار لهم طريق العلم والنور فأرسل ابنه (ابراهيم) للدراسة في كلية اللغة العربية و(حمد) إلى كلية اصول الدين و(الشيخ عبدالرحمن) إلى كلية الشريعة والقانون وذلك في الازهر الشريف الذي سبق ان استضاف الشيخ الجليل، و(مشاري) إلى كلية التجارة في جامعة الكويت).
وإلى جانب الاهل كان للاصدقاء مكان كبير في مجلسه الذي كان يجيب فيه عن الاسئلة والاستفسارات الدينية، ومن اقرب الاصدقاء للشيخ الفاضل السيد/ مرزوق داود البدر - رحمه الله- وكانت السمة البارزة على ديوانه وصحبته هي تجمع اهل العلم والفضل لرفع راية الله عز وجل، فكان على صلة دائمة بابن عمه الشيخ عبدالوهاب بن عبدالله الفارس والشيخ محمد بن سليمان الجراح والشيخ محمد صالح العدساني والاديب الشيخ ابراهيم بن سليمان الجراح - رحمهم الله تعالى-، حيث حافظوا جميعا على كتاب الله عز وجل وسنة نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم وجعلوهما في الصدارة، وليس ادل على ذلك من انه عندما حضر أمير البلاد الراحل الشيخ صباح السالم الصباح - رحمه الله - إلى ديوان الفارس في احدى المناسبات، وكان في استقباله الشيخان عبدالوهاب بن عبدالرحمن الفارس وابن عمه عبدالوهاب بن الشيخ عبدالله الفارس، حيث قال لهما: «أنتم ايها العلماء الجناح الايمن والشعب هم الجناح الايسر»، فما كان من الشيخين الا ان اجاباه شاكرين له تفضله قائلين: «بأن هذا القول دليل اهتمام سموكم بالعلم والعلماء وتقديرهما ولكن جناحيك ياصاحب السمو هما كتاب الله سبحانه وتعالى وسنة رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم».
وكان للشيخ عبدالوهاب مجلس خاص خلال شهر رمضان المبارك بمسجد الفارس بالمباركية بعد صلاة العصر يوميا لالقاء الدروس والوعظ والارشاد في هذا الشهر المبارك، وكان يحضر الدرس الكثير من طلبة العلم.
ثمار
لم يكن يسعى الشيخ عبدالوهاب الا في الخير، ولم يقف قط الا في موقف يحيط به الخير والطهر والصلاح، فقد كان الشيخ الفاضل في مرة من المرات يسير مع صديقه الشيخ محمد بن سليمان الجراح - رحمهما الله -، فصدمتهما سيارة وسقطا في حفرة مما تسبب في جرحهما، وكان من الطبيعي مقاضاة سائق السيارة لكنهما تنازلا عن حقهما عندما علما انه كان في حالة سكر، فقد رأى الشيخان انه لا يليق بهما ان يقفا مع (سكران) في موقف واحد، فآثرا الصفح عنه وتركاه إلى حال سبيله.
التلاميذ
وقد جنى ثمار الشيخ الجليل الطيبة عدد من التلامذة النجباء الذين نالوا مكانة تليق بهم بالكويت، وتقلدوا مناصب مهمة، ومن أبرز تلامذته:
ابنه إبراهيم (وقد تقلد مناصب عدة في وزارتي الإعلام والتربية)، وابنه حمد (مدير المعاهد الدينية السابق)، وابنه الشيخ عبدالرحمن (وكيل وزارة الأوقاف المساعد لشؤون الحج والمساجد السابق)، والمستشار راشد عبدالمحسن الحماد (نائب رئيس محكمة التمييز بوزارة العدل)، والدكتور يعقوب يوسف الغنيم (وزير التربية السابق)، والدكتور خالد مذكور المذكور (رئيس اللجنة الاستشارية العليا للعمل على استكمال تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية بالديوان الأميري)، والدكتور عجيل جاسم النشمي (عميد كلية الشريعة والدراسات الإسلامية السابق بجامعة الكويت)، وغيرهم من الأساتذة الكرام الكثير.
وفاته
رحل الشيخ عبدالوهاب إلى جوار ربه بعد رحلة عطاء طويلة مباركة، وقد أراد الله إكراماً له أن يموت شهيدا، فمات إثر حادث سيارة أليم، حيث صدمته سيارة وهو عائد إلى منزله ماشياً بضاحية عبدالله السالم (شارع صنعاء)، فنقل إلى مستشفى الصباح حيث توفي في (الساعة السابعة من مساء يوم الأربعاء الثاني والعشرين من ربيع الأول لسنة 1403 هجرية/ الثاني عشر من يناير لسنة 1983 ميلادية).
قال الدكتور يعقوب يوسف الغنيم (وزير التربية السابق) أحد طلبة الشيخ الفاضل عقب وفاته: «فقدت الكويت عالما من علمائها الأجلاء، وإماما من أئمتها المخلصين، ورائدا من رواد نهضتها العلمية، بلغ ستة وثمانين عاما في مجال الدعوة إلى الله صابرا مخلصا، حتى أثمر بفضل الله عمله، وطاب ما غرست يداه، ذلك فضل الله».
واعترافا بفضله وجهوده لخدمة الإسلام والمسلمين، قامت جامعة الكويت بمنحه شهادة تقدير تكريما لجهوده الكريمة، وقامت وزارة التربية بإطلاق اسمه على إحدى مدارسها في ضاحية صباح السالم، وقامت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية باطلاق اسمه على مسجد بجوار جمعية كيفان التعاونية بناء على اقتراح مقدم من السيد الفاضل جاسم محمد العون عضو مجلس الأمة آنذاك تخليدا لذكراه التي يحفظها له تلامذته في وجدانهم، وقام المعهد الديني بمنحه شهادة تقدير بمناسبة مرور خمسين عاما على انشاء المعهد تحت رعاية سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح - طيب الله ثراه -.
وشيع جثمان الشيخ الفاضل - رحمه الله - إلى مثواه الأخير صباح اليوم التالي لوفاته وقد حضر جنازته جمع غفير من رجالات الكويت وطلبة العلم عنده ومحبيه، وقام بالصلاة على جنازته السيد الفاضل عبدالمحسن ابن الشيخ عبدالله الفارس.
 

النوخذة فهد بن علي الدويلة 1921 - 2009

ولد النوخذة فهد بن علي بفريج المسيل وسط مدينة الكويت القديمة، ووجهه والده إلى الكُتاب في سن مبكرة من طفولته، وكان أول معلم له هو الملا محمد المطر الذي لازمه النوخذة فهد ثلاث سنوات، استطاع خلالها أن يختم القرآن الكريم، ثم انتقل إلى الدراسة عند الملا عبدالله العثمان، فتلقى في مدرسته مبادئ الحساب، وتعلم القراءة والكتابة، ولم يفارق الملا عبدالله العثمان إلا بعد أربع سنوات، هي المدة التي قضاها عنده في الدراسة.
والنوخذة فهد بن علي الدويلة سليل أسرة بحرية، لها مع البحر والغوص شأن كبير؛ إذ خرج من أسرته العديد من النواخذة ورجالات البحر وربانه الذين كانوا يسوسون الناس فيه ويأمرونهم؛ لذا كان من البديهي أن يتجه النوخذة فهد بن علي إلى الغوص بعد أن أكمل دراسته في الكتّاب، وكانت البداية مع والده عام 1929م، حيث عمل معه تباباً صغيراً لمدة ثلاثة مواسم متتالية، ثم عمل رضيفا مدة ثلاثة مواسم أخرى، وكلها مع والده النوخذة علي الدويلة، ثم ركب سيبا مع النوخذة محمد بن دريميح الذي قضى معه موسمين، ثم قضى موسمين آخرين سيباً أيضاً مع النوخذة راشد بن علبان.
عشر سنوات هي تلك المدة التي قضاها النوخذة فهد بن علي الدويلة في مدرسة الغوص، وهي مدرسة مساحتها طول الخليج العربي وعرضه وعمقه، ومكنته هذه السنوات العشر من الإلمام بكل شؤون الغوص وأعماله ومستلزماته، فكان طبيعيا بعد ذلك أن يتنوخذ بنفسه على خشب من نوع الشوعي أخذه بالخمس، وبعده بموسم تنوخذ بخشب هو شريك فيه بالنصف، ثم استقر نوخذة على خشب والده الذي اشتراه بـ 600 روبية من محمد العرادي، الذي كان يرسيه في جزيرة فيلكا، وظل يستخدم هذا الخشب في الغوص حتى لفظ الغوص أنفاسه وهجره أهله، وتوقفت عجلة الغوص عن الدوران.
إلا أن عجلة الحياة لا بد أن تسير، فأخذ الناس يزاولون نشاطات اقتصادية أخرى، يسترزقون منها، ويكسبون قوت عيالهم وأهلهم. وعمل النوخذة فهد بن علي الدويلة في مجال التجارة، فافتتح دكاناً لبيع المواد الغذائية في فريج العليوة لمدة سنتين، بعدها راق له العمل الحكومي، فالتحق بالعمل في إدارة الإسكان (وزارة الإسكان حالياً) بتاريخ 19-3-1954م وظل بها حتى تقاعد سنة 1977م.
وفاء
العم النوخذة فهد بن علي الدويلة الذي وافته المنية في الأسبوع الماضي نسأل الله أن يتغمده بواسع رحمته ويجعل الجنة مثواه، كنت قد التقيت معه وأنا أريد أن أترجم لاعلام أسرته «الدويلة» من أهل البحر فكان هو مصدري الأول لهذه المعلومات التي دونتها وجمعتها عنهم وقد امتد لقائي معه لأسابيع عدة فوجدته رحب الصدر حباه الله بوقار حلته التواضع والسماحة والبشاشة فكانت لا تخرج منه المعلومة والكلمة إلا وعنده بها خبر وعلم، كنت أسأله وأذكر له بعض المعلومات والحوادث فما يزيد على ما أقول، لم أسمع ما سمعته ما عندي خبر عنها هكذا كان جوابه يتحرى الدقة والصدق في الخبر، رغم انه قليل الكلام كثير الصمت وهذا من هدي سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ونحن كنا معه نسترسل بالأسئلة وجمع المادة فنجد من حلمه وطيبة مجلسه ودماثة خلقه متسعا لنا، وعندما انتهينا من عملنا التوثيقي لم يتكلم عن نفسه وعن حياته البحرية إلا عند نهاية اللقاء ولو انني لم أسأله لم يتكلم عنها، كل ذلك كان تواضعاً منه.
نسأل الله له الرحمة والمغفرة.