«لم يبتغ الكيد أو الضرر والتعنّت ولم ينحرف عن السلوك المألوف»

«الاستئناف» تؤيّد رفض دعوى الهجرس ضد باقر

1 يناير 1970 09:47 م
| كتب أحمد لازم |
أيدت محكمة الاستئناف حكم المحكمة الكلية (دائرة تجاري ومدني) الصادر في 14 ديسمبر الماضي برئاسة رئيس الدائرة عبدالهادي النويف وعضوية القاضيين اسامة دسوقي وأحمد رضوان، برفض الدعوى المرفوعة من المواطن محمد هجرس ضد كل من احمد باقر (بصفته نائباً سابقاً في مجلس الأمة) ووكيل وزارة الداخلية بصفته، والتي طالب فيها بالزام باقر دفع مبلغ 10 الاف دينار تعويضاً عن الأضرار المادية والأدبية التي لحقته بسبب اساءته (باقر) استعمال حق التقاضي، والزامه دفع المصروفات والأتعاب.
واستندت المحكمة في حكمها على ما استقرت عليه محكمة التمييز من ان مفاد نص المادة (30) من القانون المدني ان معيار التعسف في استعمال الحق هو انحراف صاحب الحق عن السلوك المألوف للشخص العادي، وان الأصل هو ان صاحب الحق لا يسأل عما يحدثه استعمال حقه من الضرر للغير لأن استعمال الحق عمل مباح.
وأكدت المحكمة في قرارها ان البلاغ المقدم ضد المدعي للجهات المسؤولة عن حقيقة الواقعة المنسوبة له لم تحمل اي كذب وهذا ثابت من الشهادة الصادرة عن الأمانة العامة لمجلس الأمة والتي تأخذ بها المحكمة والتي تؤكد أن المدعي قاطع المدعى عليه اثناء حديثه وبما يحمل الاستهجان وان ما نسب للمدعى عليه لا يعد اخلالاً بالتزام قانوني او اتى بسلوكه ابتغاء مضارة للمدعي او كيداً او عنتاً وانما كان يبتغي ابلاغا بواقعة معينة للجهات المختصة.
وانتهت المحكمة إلى ان الأصل في المسؤولية التقصيرية ان تناط بخطأ يقام الدليل عليه وهو ما لم يتوافر في الدعوى، مؤكدة ان البلاغ ضد المدعي لا يحمل قصد الاساءة والإضرار، وترى ان مسلكه في التبليغ كان بمنأى عن الكيد والرعونة المشترطة كسبب لطلب التعويض الأمر الذي ينفي من جانبه ثمة خطأ تقصيري يستوجب مساءلته بالتعويض المطالب به.
وتعود وقائع الدعوى إلى جلسة 4 ديسمبر 2007 اثناء مناقشة مجلس الأمة مشروع قانون شراء قروض المواطنين، عندما قاطع هجرس باقر قائلاً له «اتق الله» فأمر رئيس المجلس الحرس باخراجه من الجلسة، فأقام هجرس دعواه ضد كل من 1 - أحمد باقر (بصفته) 2 - وكيل وزارة الداخلية (بصفته)، مطالباً بما يلي:
أولاً: إلزام المدعى عليه الأول بأن يؤدي للمدعي مبلغ 10000 د.ك (عشرة آلاف دينار كويتي) تعويضاً عن الأضرار المادية والأدبية التي لحقت به من حسراء إساءة استعمال حق التقاضي. ثانياً: إلزام المدعى عليه الأول بالمصروفات والأتعاب بحكم مشمول بالنفاذ المعجل بلا كفالة.
وقال في بيان ذلك انه وبمناسبة متابعته لاعمال مجلس الأمة ونوابه بصفته مواطناً كويتياً وبتاريخ 4 ديسمبر 2007 واثناء مناقشة المجلس لمشروع شراء قروض المواطنين ومن بنيهم المدعي لكونه مدينا لاحد البنوك، واثناء حديث المدعى عليه الاول معلقا على مشروع القانون، قاطعه المدعي لما عهده عنه انتهاج العمل الاسلامي كتائب يمثل في البرلمان قائلا له بصوت مرتفع (اتق الله يا أحمد باقر يصوتون على إسقاط ديون العراق فأنت أول من يصوت على إسقاطها). فما كان من المدعى عليه الاول إلا بالامر لحرس المجلس باقتياده وتحويله إلى المحاكمة بعد تقييد حريته دون وجه حق في احدى غرف المجلس لمدة ثلاث ساعات تقريبا ثم إحالته كمجرم باحدى الدوريات التابعة للمدعى عليه الثاني بصفته إلى مخفر الصالحية.
ولما كان ادعاء المدعى عليه الاول في شكواه هو تعدي الجزائية ضده شكوى من المجني عليه فقد قام المدعى عليه الثاني بصفته باخلاء سبيل المدعي في ذات اليوم لعدم التقدم بشكوى من المجني عليه، وبتاريخ 5 ديسمبر 2007 تقدم المدعى عليه الاول بشكوى ضد المدعي عن هذه الواقعة واسند الادعاء العام للمدعي تهمة السب وفيها قضت المحكمة الجزائية بجلسة 1/4/2008 ببراءة المدعي من الاهتمام المسند له، ثم تأييد هذا الحكم استئنافيا.
ولما كان ما اتاه المدعى عليه الاول يعد اساءة لاستعمال حق التقاضي وبما تتوافر معه اركان المسؤولية التقصيرية لالحاقه بضرر مادي تمثل فيما انفقه من مصروفات الدعاوى واتعاب المحاماة، وضرر ادبي تمثل في التشهير به في الصحف وذلك بنشر صوره وكتابة اسمه في الصحف اليومية امام الجميع... الامر الذي حدا به لاقامته هذه الدعوى بغية القضاء له بما سلف من طلبات.
وحيث تداول نظر الدعوى بالجلسات على النحو الثابت بمحاضرها وبها مثل المدعي والمدعى عليه الاول كل بوكيل ينوب عنه قانونا (محاميا) وحضر محامي الحكومة عن المدعى عليه الثاني بصفته، وقدم الحاضر عن المدعي تأييدا لدعواه حافظة مستندات طويت على صور ضوئية للمستندات الآتية:
- الحكم الصادر في الجنحة رقم 1254/2008 ضد المدعي والمقضي فيها بجلسة 1/4/2008 بالبراءة على دعامة حاصلها اطمئنان المحكمة لدفاع المتهم «المدعي» من ان ما وجهه للشاكي (المدعى عليه الاول) من قبيل النصح وكون هذه العبارات لا تتضمن اي سب.
- الحكم الصادر في الاستئناف الرقم 3269/2008 والمقام طعنا على الحكم السابق والقاضي بتأييد الحكم المستأنف.
- الشكوى المقدمة من المدعى عليه الاول لرئيس مخفر الصالحية والمتضمنة العبارة سالفة البيان والتي ادت إلى تعطيل جلسة مجلس الامة وما تمثله من خدش لاعتبار من نسبت اليدين اهله واقرانه ووطنه وبطلب اتخاذ اجراءات التحقيق وتحريك الدعوى الجنائية.
- كتاب مدير ادارة شؤون الفتوى بمجلس الامة لرئيس مخفر الصالحية والمؤرخ 4/12/2007، ومقالان منشوران في الجرائد بشأن الواقعة. واصل عقدي اتفاق اتعاب محاماة.
وحيث قدم المحاضر عن المدعى عليه الاول حافظة مستندات طويت على شهادة صادرة من الامانة العامة بمجلس الامة بتاريخ 25/9/2008 بالافادة بمقاطعة المدعى للمدعي عليه الاول على نحو يحمل معنى الاستهجان والتهجم على ما قاله، وامر السيد رئيس المجلس باخراج الزائر من قاعة المجلس عملا باحكام المادة (29) من اللائحة الداخلية للمجلس والتي تحظر على الزائر ان يبدي احسانا او استهجانا.
- صورة من الشكوى المقدمة من المدعى عليه الاول سالفة البيان.
كما قدم سالف الذكر مذكرة دفع فيها بعدم اختصاص المحكمة بنظر هذه الدعوى اعمالا لنص المادة (122) من قانون المرافعات وانعقاده للمحكمة التي نظرت الجنحة وطلب القضاء برفض الدعوى لانتفاء الخطأ.
وحيث انه بجلسة المرافعة الختامية المنعقدة بتاريخ 16/11/2008 حضر طرفا التداعي على النحو السالف بيانه، وقررت الحكمة النطق بالحكم وصرحت بتقديم مذكرات بالايداع في خلال أجل حددته قدم ابناه مذكرة من الحاضر عن المدعي ضمنها الرد على دفوع المدعى عليه الاول مصلحا على ما سلف من طلبات، وارفق بها حافظة مستندات تلتفت عنها المحكمة لعدم التصريح بتقديم مستندات خلال هذه الفترة، كما قدم محامي الحكومة مذكرة دفع فيها بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة بالنسبة للمدعى عليه الثاني بصفته لعدم توجيه طلبات له وطلب احتياطيا القضاء برفض الدعوى لانتفاء الخطأ.
وحيث ان المحكمة اذ تمهد في بدء قضائها إلى ان المحاكم الجزائية تتولى محاكمة المتهمين بارتكاب الجنايات والجنح وطبقا للحدود المنصوص عليها في قانون الاجراءات الجنائية وطبقا للاجراءات المنصوص بنظرها وتحديد القواعد والاجراءات التي تتبع في المحاكمة ومنها ما اجازه (على سبيل الاستثناء) للمضرور من الجريمة ان يرفع دعواه بحقه المدني امام المحاكم التي تنظر الدعوى الجزائية، وهو طريق استثنائي لا يجوز القياس عليه او التوسع في تفسيره عملا بالقواعد العامة في هذا الشأن، وبدلالة ما اجازه ذلك القانون للمحكمة الجزائية من الفصل في الدعوى الجزائية وحدها واحالتها للدعوى المدنية التبعية للمحكمة المدنية المختصة او تأجيل النظر فيها إلى جلسة اخرى ومفاد ما تقدم ان القواعد المقررة في قانون المرافعات المدنية والتجارية لا تسري امام المحاكم الجنائية الاستثناء او بالاحالة الصريحة اليه، واذ خلا قانون الاجراءات الجزائية من أيهما في شأن احكام المادة (122) مرافعات فمن ثم لا تسري امام تلك المحاكم في هذا الشأن والتي ينظماه قانونها الخاص (قانون الاجراءات الجزائية) ومن ثم يتعين رفض الدفع المبدي بعدم اختصاص هذه المحكمة بنظر الدعوى وانعقاده للمحكمة الجزائية وباختصاص من هذه المحكمة.
وحيث انه وعن الدفع المبدى من محامي الحكومة بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة بالنسبة للمدعي الثاني بصفته، فهو في محله، ذلك انه من المقرر بنص المادة (2) من قانون المرافعات اي (لا يقبل اي طلب او دفع لايكون لصاحبه فيه مصلحة قائمة يقرها القانون...) يدل على ان المدعى عليه يتعين ان يكون هو صاحب المركز القانوني للمعتدي على الحق المدعى به فيجب التطابق بين المعتدي على هذا الحق وبين المدعى عليه، ومتى كان ذلك وكان النزاع الدائر بين المدعي والمدعى عليه الاول ولم توجه ثمة طلبات للمدعى عليه الثاني بصفته ولم يدع المدعي استحقاقه لثمة حماية قبل المدعى عليه الثاني بصفته او احتجاجه عليه بها فمن ثم تنتفي الصفة الموضوعية اللازم توافرها للمدعى عليه وبما يضحى معه الدفع على سند صحيح من الواقع والقانون وتقضي به المحكمة.
وحيث ان موضوع الدعوى مناطها القضاء بالتعويض عن اساءة حق التقاضي فمن المقرر بنص المادة (30) من القانون المدني انه (يكون استعمال الحق غير مشروع اذا انحرف به صاحبه عن الغرض منه او عن وظيفته الاجتماعية وبوجه خاص:
- اذا كانت المصلحة التي تترتب عنه غير مشروعة.
- اذا لم يقصد به سوى الاضرار بالغير.
- اذا كانت المصلحة التي تترتب عنه لا تتناسب اليه مع الضرر الذي يلحق بالغير.
- اذا كان من شأنه ان يلحق بالغير ضررا فاحشا غير مألوف).
وجرى قضاء محكمة التمييز في هذا الشأن على ان «مفاد نص المادة (30) من القانون المدني ان معيار التعسف في استعمال الحق هو انحراف صاحب الحق عن السلوك المألوف للشخص العادي ولا يعتد بهذا الانحراف إلا اذا انحرف به صاحبه عن الغرض منه او عن وظيفته الاجتماعية، وبوجه خاص اذا كانت المصلحة التي تترتب عليه غير مشروعة او اذا لم يقصد به سوى الاضرار بالغير او اذا كانت المصلحة التي تترتب عنه لا تتناسب اليه مع الضرر الذي يلحق بالغير ضررا فاحشا غير مألوف).وان الاصل هو ان صاحب الحق لا يسأل عما يحدثه استعمال حقه من الضرر للغير لان استعمال الحق عمل مباح جائز ولان الضرر الذي ينشأ فيه ليس إلا تضحية يستلزمها احترام الحق نزولا على حكم القانون الذي يقرر الحق ويحميه، وبالتالي فإن استعمال الحق لا يمكن ان يدعو الى مؤاخذة اوان يرتب مسؤولية إلا اذا قصد به كيدا او عنتا أو لابسه نوع من انواع التقصير او الخطأ).
ومتى كان ما تقدم وكان استخلاص الخطأ الموجب للمسؤولية واثبات توافر سوء القصد او نفيه هو مسائل الواقع التي تستقل بها محكمة الموضوع والتي لها السلطة التامة في تقدير ما يقدم اليها من الادلة وفي فهم مايقدم في الدعوى من قرائن وترجيح ما تطمئن اليه وطرح ما عداه، واذ كان الثابت من الحكم الجنائي الصادر في الجنحة رقم 1254/2008 واستئنافها رقم 3269/2008 موضوعي الدعوى ان قضى فيها ببراءة المدعى على اساس ان العبارات لا تتضمن سبا وبما يعني ان الفعل لا يعاقب عليه القانون فمن ثم لا يكون لهذا الحكم قوة الشيء المحكوم به امام هذه المحكمة ولا يمنعها من البحث فيها اذا كان هذا الفعل مع تجرد من صفة الجريمة قد شكل خطأ نشأ عنه ضرر يصح ان يكون اساسا للتعويض ام لا.
واذا كان الثابت من أوراق الدعوى إبلاغ المدعى عليه الجهات المسؤولة عما حدث حقيقة من وقائع نسبت للمدعي، ولم يدع الاخير ثمة كذب فيما أبلغ عنه، وانما ناعيا بافتراض اقتصار الامر على اخراجه من قاعة المجلس وعلى نحو ما ذهب بمذكرته الختامية ودون قيد لحريته او حبسه باحدى الغرف لفترة من الزمن، واذا كان الثابت من الشهادة الصادرة من الامانة العامة لمجلس الامة والتي تأخذ بها المحكمة لاطمئنانها اليها ان المدعي قاطع المدعى عليه اثناء حديثه وبما يحمل الاستهجان ما استدعى اخراجه من القاعة وابلاغ وزارة الداخلية بالواقعة، فإن ما نسب للمدعى عليه لا يعد اخلالا بالتزام قانوني يعد انحرافا عن السلوك الواجب او السلوك المألوف للشخص العادي، او انه اتى بسلوكه ابتغاء مضارة المدعي او كيد او عنت له، وانما كان يبتغي ابلاغا بواقعة معينة للجهات المختصة وهي وشأنها قبلها، ولما كان الاصل في المسؤولية التقصيرية بوجه عام ان تناط بخطأ يقام الدليل عليه وهو ما لم يتوافر في الدعوى الامر الذين يتعين معه القضاء برفض الدعوى.
وحيث انه عن المصروفات شاملة اتعاب المحاماة فالمحكمة تلزم بها المدعي لخسرانه التداعي عملا بنص المادة 119/1 مرافعات.
لهذه الاسباب حكمت المحكمة: اولا: برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر الدعوى.
ثانيا: بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة بالنسبة للمدعى عليه الثاني بصفته.
ثالثا: برفض الدعوى وألزمت المدعي بالمصروفات وبمبلغ عشرة دنانير مقابل اتعاب المحاماة.