مستقبل جامعة الدول العربية صار مطروحاً

1 يناير 1970 01:57 ص
|   بقلم: خيرالله خيرالله *   |
كانت «قمة الدوحة» مناسبة للبحث في ما هو أبعد من الخلافات العربية. كان في الإمكان البحث في مستقبل جامعة الدول العربية، كمؤسسة جامعة بين العرب، في إطار تطوير العمل العربي المشترك، بما يتلاءم والتغييرات التي يشهدها الشرق الأوسط والعالم. المؤسف أن «القمة» تفادت مثل هذا النوع من النقاشات، رغم أن هناك من بادر إلى طرح الموضوع. بادر إلى ذلك الرئيس علي عبدالله صالح الذي قدم إلى العرب الموجودين في «القمة»، «رؤية الجمهورية اليمنية لتطوير العمل العربي المشترك». تصلح «الرؤية اليمنية» منطلقاً للنقاش. من لديه مشروع أفضل يستطيع أن يطرحه بدوره، المهم أن يدرك العرب أن لا مفر من تطوير العمل المشترك في إطار جديد يمكن تسميته «اتحاد الدول العربية» من دون المس بسيادة أي دولة من الدول الأعضاء، أو بحدودها، أو نظامها السياسي.
لا مفر من الاعتراف أن جامعة الدول العربية التي مضى ما يزيد من ستين عاماً على تأسيسها لم تتطور. أكثر من ذلك، لم تستطع الجامعة مواكبة الأحداث التي تشهدها المنطقة. بات دورها أقرب إلى دور الشاهد على الأحداث، الشاهد الذي يتفرج على ما يدور أمامه من دون أن يكون له رأي. صحيج أن ليس للجامعة أن تدلي برأيها ولكن الصحيح أيضاً أنه يفترض أن يكون لديها دور تلعبه، أقله في مجال المساهمة في وضع أستراتيجيات تتناول الأمن العربي والتحديات والأخطار التي تهدد حاضر العرب ومستقبلهم.
كانت الجهود التي بذلها أمير دولة قطر الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني في «قمة الدوحة» من أجل احتواء الخلافات العربية، وابقائها تحت السيطرة جهوداً مشكورة. مجرد انعقاد القمة العربية الدورية في موعدها يعتبر انجازاً في أيامنا البائسة هذه. لكن لا شيء كان يحول دون الذهاب إلى البحث في التوصل إلى نتائج عملية على صعيد العمل المشترك، عن طريق الاستفادة من تجارب الأعوام التي تزيد على الستين من عمر جامعة الدول العربية. مثلما أن العرب يتذكرون في كل عام أن عليهم عقد قمة، عليهم أن يتذكروا أيضاً القرار الصادر عن «قمة عمان» في العام 2001، التي كانت أولى القمم الدورية، و«قمة شرم الشيخ» في العام 2003. دعا القرار الصادر عن القمتين إلى «قيام الدول العربية بتقديم اقتراحاتها وتصوراتها لتطوير منظومة العربي المشترك وتحديثها».
مضت ستة أعوام ولا أحد يريد أن يطور ويحدث. وجاءت أحداث إقليم دارفور السوداني، وما تلاها من تطورات، بلغت ذروتها بصدور مذكرة توقيف في حق الرئيس عمر حسن البشير، لتؤكد عجز المؤسسات العربية القائمة، وعدم قدرتها على التفاعل مع ما يدور في العالم العربي وحوله. ورغم تأكيد الأمين العام لجامعة الدول العربية السيد عمرو موسى غير مرة أن الجامعة أرسلت باكراً بعثة لتقصي الحقائق في دارفور، ليس هناك مواطن عربي واحد يعرف حقيقة ما يدور في دارفور. هل الرئيس السوداني على حق، أم أن المنظات الدولية والحكومات الغربية على حق في تسمية ما جرى في تلك المنطقة السودانية «جريمة»؟ يصعب على المواطن العادي الإجابة عن أي سؤال في هذا الشأن في غياب المعطيات الحقيقية التي تسمح له بأن يكون قادراً على التعاطي مع قضية دارفور بشكل موضوعي.
امتلك علي عبدالله صالح ما يكفي من الشجاعة وبعد النظر كي يقدم في «قمة الدوحة» «رؤية الجمهورية اليمنية لتطوير العمل العربي المشترك». الهدف كان البناء على تجربة جامعة الدول العربية بحسناتها وسيئاتها، بإيجابياتها وسلبياتها، وذلك كي يصبح في الإمكان إيجاد مكان للعرب على الخريطة العالمية في ضوء ما يمتلكونه من ثروات وإمكانات بشرية ومواقع استراتيجية. هل كثير على العرب التفكير في المستقبل بدل البقاء في أسر الماضي، أليس معيباً أن يبقى الهم المهيمن على أي قمة عربية ضبط إيقاع هذا الرئيس أو الملك أو ذاك تفادياً لانفراط القمة، هل كثير على العرب أن يتخذوا مبادرة ما في اتجاه تطوير العمل المشترك؟
كشفت «قمة الدوحة» العرب على حقيقتهم مثلما كشفتهم قبل ذلك الحملة العسكرية الأميركية في العراق في العام 2003، ومثلما كشفتهم أيضاً الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة، التي كان في استطاعتهم اتخاذ موقف واضح منها لو امتلكوا ما يكفي من الجرأة لتسمية الأشياء بأسمائها، بما في ذلك أن الصواريخ التي تطلق من القطاع ليست «مقاومة»، ولا علاقة لها بالمقاومة لا من قريب ولا من بعيد. الآن، يستطيع العرب رفض مذكرة التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية في حق البشير. ولكن ما الذي سيفعلونه عندما يصدر قرار عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في سبتمبر، أو أكتوبر المقبل يؤكد ما ورد في مذكرة التوقيف؟
أو ليس العجز العربي سبباً كافياً للتفكير في تطوير العمل المشترك؟ كان لابدّ لـ «قمة الدوحة» أن تقدم على خطوة أولى في اتجاه ذلك عن طريق الاستفادة من «الرؤية» اليمنية، التي تصب في اتجاه صيغة جديدة تشكل منطلقاً للعمل المشترك.
مرة أخرى فوت العرب على أنفسهم فرصة للتواصل مع المستقبل كي يكونوا رقماً فاعلاً في المعادلة العالمية، خصوصاً أن ما طرحه الرئيس اليمني لم يكن على حساب أي دولة عربية، إذ أكدت «الرؤية» التي قدمها بلده بين ما أكدته «احترام سيادة كل دولة عربية، واحترام حدودها الإقليمية، ووحدة ترابها الوطني وحق كل دولة في اختيار نظام حكمها». إضافة إلى ذلك، شددت على «حق كل دولة في اختيار نظام حكمها، وعلى عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء».
جاءت «الرؤية اليمنية» متكاملة إلى حد كبير، وهي دراسة صغيرة حواها كتيب وزع في أثناء القمة. لم يكن الموضوع موضوع فرض وجهة نظر معينة مصدرها بلد فقير، لكنه يمتلك حضارة عريقة وتجربة ديموقراطية فريدة من نوعها في المنطقة، بمقدار ما أنه كان مفيداً الإقدام على خطوة أولى في الاتجاه الصحيح. كان كافياً أن تؤكد «قمة الدوحة» في «الإعلان» الصادر عنها وجود مثل هذه «الرؤية» كي تفتح نافذة على التغيير الذي لابدّ منه في يوم من الأيام. أنه التغيير الذي يضمن للعرب مكاناً تحت الشمس، في حال كانوا يسعون إلى مثل هذا المكان بالفعل. كان على العرب أن يتذكروا في «قمة الدوحة» أن الدعوة إلى انعقاد القمة العربية دورياً صدرت أول ما صدرت عن اليمن، التي تمتلك مصلحة في الاستقرار الإقليمي، وفي تفادي أي تأزم في العلاقات العربية - العربية. المهم أن «الرؤية» صارت على الطاولة، وأن موضوع إيجاد بديل من جامعة الدول العربية صار مطروحاً. العالم تغيّر. على العرب أن يتغيّروا. من كان يصدق أن الاتحاد الأوروبي سيرى النور يوماً انطلاقاً من خطوة صغيرة هي اتفاق بين عدد صغير من الدول بينها فرنسا، وألمانيا، وأيطاليا في شأن الفحم الحجري وقع في العام 1956 في روما! من يسافر في أوروبا حالياً ويجتاز الحدود بين الدول يفهم معنى الخطوة الهادفة إلى تطوير العمل العربي المشترك، ومعنى الخطوة اليمنية في هذا الاتجاه.
* كاتب وصحافي لبناني مقيم في لندن