بعض الرحلات تكشف لك العالم... وبعضها يكشف لك عن نفسك والبعض الآخر يحيطك بالذكريات.
اما الرحلة إلى سريلانكا فتقدم لك اكثر من مجرد تقديم برنامج عطلة ومحطات سفر، فهي تقدم لك الجمال والاثارة في محطة وصول، وتجعلك تحتفظ بتلك الذكريات ثم تأخذها معك على شكل لحظات من السحر والعجب.
تعد سريلانكا احد افضل الاماكن التي يمكن من خلالها رؤية العالم، فهي كوكب وحيد يجعل من الجزيرة عالما بحد ذاته... فإذا اردت التأمل في هذه الجزيرة التي يشبه شكلها دمعة العين والواقعة في المحيط الهندي، تجعلك منوم مغناطيسيا، حيث تمنحك شواطئ ذهبية ورمالا بيضاء ناعمة وغابات فيروزية اللون واسطح صخور فضية، وشلالات تبدو كأنها فضة سائلة مع انعكاس الضوء واقواس قزح تنساب فوق المرتفعات، وصحراء بلون العنبر وافضل مزارع الشاي في العالم... وكلها مجاورة لبعضها البعض، أليس صحيحا ان اماكن قليلة على سطح الأرض تقدم لك مناظر كثيرة ومتنوعة وامزجة مختلفة ونكهات وألوانا في مثل هذه المساحة الصغيرة.
ورغم ان تاريخ سريلانكا البالغ 2500 عام مؤرخ في شكل جيد، الا ان هناك بعض الغموض والسحر يلف العواصم القديمة وهي انورا دابورا وبولوناروا وسيجيريا. وعندما تغوص في اعماق التاريخ، تجد اسرة حكمت اكثر من 2000 عام، تخللتها غزوات وصراع للقوى وبعثات دينية وعندما تزور كهوفها ومعابدها ومرافق الري والقصور ستأخذك روعة البناء القديم وعمق العبادة الدينية وصعود وهبوط ملوكها وممالكها، كما ستجعلك تتساءل: كيف استطاعت هذه الحضارة ان تبني الخزانات والآثار الشاهقة عندما كانت اوروبا مازالت تكتشف العجلة؟ وكيف استطاع الملك باراكر مباهو ان يحول ابناء امة صغيرة إلى عمالقة الشرق؟ ولمن آثار الاقدام التي تركت آثارها فوق سطح هضبة سريبادا، والتي يطلق عليها ايضا تسمية قمة آدم، حيث يشهد شهر ديسمبر بداية موسم الحج إلى الهضبة حتى شهر ابريل، اذ يقوم البوذيون والهندوس والمسيحيون والمسلمون بصعود الجبل البالغ ارتفاعه 2234 مترا، اذ يعتقد البوذيون ان آثار الاقدام هي للإله بوذا، بينما يعتقد الهندوس انها آثار الإله شيفان.
اما المسلمون والمسيحيون فيعتقدون انها آثار قدم النبي آدم عليه السلام. كما يتوافر في سريلانكا، عدد كبير من اماكن الاقامة او الترفيه المتميزة باضفاء متعتها وسحرها في نفس الزائر، كما المغامرات والنشاطات الاخرى بحد ذاتها، وتشمل المنازل الجميلة التي كانت تستخدم في الحقبة الاستعمارية والمنازل الريفية في مزارع الشاي والمطاط والفنادق الصغيرة الساحرة واكواخ الغابات والبيوت المصممة على الاشجار ونزل الهنود الحمر المقلدة، اضافة إلى امكانية التخييم في الخيام منشورة الشراع. في سريلانكا، ترى قطيعا من امهات الفيلة تقود صغارها نحو النهر، او اعين الثيران تترقبك، او قد ترى فهدا ينقض على غزال، او التماسيح تشارك طيور الفلامينغو المياه، لتذكرك بأن تلك الادغال لها. واضافة إلى الطبيعة الساحرة وشواطئ الاحلام والشعب المبتسم والفنادق التي تناسب كل الموازنات العائلية والعطلات على كل قياس والذكريات المجنونة وعشق اللحظات التي تعيشها في «رحلة الأحلام» ومشاهدة اقدم شجرة في العالم وتذوق ألذ شاي، فإن اول امرأة تولت منصب رئيس الوزراء على مستوى العالم كانت في سريلانكا.
تقابل بالترحاب الحار، عندما تصل إلى مطار كولومبو انطلاقا من مطار الكويت والرحلة تمتد لنحو 5 ساعات، او لنحو 7 ساعات عبر مطار دبي على متن الخطوط الجوية السريلانكية التي نظمت رحلة سياحية لوفد من الصحافيين، ليكتشفوا بأنفسهم تنوع جمال هذه الجزيرة التي كانت حلقة وصل بين تجارة شبه الجزيرة الهندية وبقية دول العالم.
من مطار كولومبو ننطلق في رحلة طويلة تمتد لأكثر من ثلاث ساعات في الباص إلى مرتفعات مدينة كاندي التاريخية إلى فندق «امايا هيلز» والذي يستوحي هندسته المعمارية من روح حضارة مملكة كاندي القديمة.
يمكنك تناول فطورك على الشرفة حيث تستطيع ان ترى مناظر تلهم مخيلتك اذ تمتد الغابات والادغال التي يغطيها الضباب صباحا على مد النظر، تنتشر في ارجائها القرى والبلدان المتفرقة، وبوسعك ان تتناول الغداء في «امايا» والاستمتاع بمذاق المأكولات السريلانكية والعالمية وبعد ذلك استمتع بجلسة تدليك بالزيوت العشبية في «ايور فيديك». كاندي
«امايا هيلز» منتجع جذاب، يطل على مدينة اشتهرت بأنها الاجمل في سريلانكا... مدينة كاندي، التي تعد ثاني اكبر مدن الجزيرة، وهي مدينة تاريخية جميلة تقع في قلعة الجزيرة وتعد عاصمة المرتفعات الجبلية .
وهي ليست معروفة فقط بسبب ملوكها العظام الذين حكموا المدينة لنحو 225 عاما مستقلين عن غيرهم حتى قدوم الاحتلال البريطاني العام 1815 لكنها معروفة ايضا بأنها المكان الذي يوجد فيه المعبد الذي يحوي بعض رفات بوذا المقدس، اضافة إلى مزارع الشاي واماكن تصنيعه والحدائق النباتية الملكية في برادينيا التي تأسست العام 1821.
وهناك ايضا مناسبة بيراهيرا الفريدة التي تتخلص في مسيرة تضم اكثر من 100 فيل تقام في اغسطس من كل عام، وعروض ضخمة مساء، تعتمد على قرع الطبول، والسير على الجمر والنار. العاصمة السنهالية
كانت المملكة الكاندية محل صراع عنيف لثلاث قوى استعمارية اوروبية (البرتغال وهولندا وانكلترا) على مدى قرنين من الزمن، وكان اهل الجزيرة ينظرون إلى حاكم كاندي على انه ملكهم .
كما كانت كاندي اخر معقل البوذي المستقل، الامر الذي اعطاها ثقلا روحانيا، واعطى شعبها تميزا، وقد برهنت الحروب التي اعقبت الاندماج على قوة الكانديين وتصميمهم من خلال التكتيك الحربي والبسالة في القتال وكانت انتفاضة شعب كاندي ناجحة إلى حد كبير في دحر الاحتلال البريطاني من الجزيرة.
وتعتبر كاندي من الاماكن المثالية التي يمكن استكشافها مشيا على الاقدام، وبارتفاعها النسبي - 500 متر- يكون جوها لطيفا ويجعل قضاء الوقت للتنزه امرا ممتعا، فالمدينة غنية بشوارعها الضيقة التي تصطف على جوانبها المباني القديمة، وتزدحم بالمارة، والسوق البلدي تنتشر فيه واجهات ومحال بيع الفواكه والآسيوية والخضراوات والملابس والاقمشة والتذكارات والمشغولات السريلانكية اليدوية.
اما بحيرتها فهي قلب المدينة الجذاب، كما يوجد في وسط المدينة التاريخية فندق الملكة ذو البناء القديم. البحيرة
ولا شك ان بحيرة كاندي تعتبر من أفضل اماكن الاسترخاء والتنزه حيث الممشى المظلل بالاشجار، وبإمكان الزائر امتاع نظره برؤية وسط المدينة ومرتفعاتها من هذا المكان.
انشئت البحيرة العام 1807 بوساطة اخر الملوك السنهاليين الذي تعرض للنقد لبناء هذه البحيرة بالسخرة كما ظهرت في ذلك الوقت تهديدات محدقة بمملكة كاندي وبالفعل كانت هذه البحيرة غنيمة للغزاة التي حولوها لاحقا إلى بحيرة للقوارب كما يقع في وسطها منزل ملكي صيفي.
الحدائق الملكية
ومن البحيرة الملكية رحلة قصيرة بالباص الي اشهر الحدائق النباتية التي تتميز بها سريلانكا في منطقة بيرادينيا قرب مقاطعة كاندي والتي تغطي مساحة 57 هكتارا وتلتف مع منحنيات نهر ماهوالي اطول انهار الجزيرة.
وكان الغرض الاساسي من بناء هذه الحديقة فحص ودراسة النباتات التي تستخدم للغرض التجاري في سريلانكا، اما اليوم فتضم اكبر مجموعة من النباتات الزهرية التي تزرع اسفل خط الاستواء في العالم كله.
لحظة دخولك الحدائق الملكية تبهرك الانواع المتعددة من الزهور والاشجار ومن كل الالوان كما يبهرك حجم بعض الاشجار ومنها شجرة قدم الفيل، اضافة إلى اشجار يبلغ عمرها مئات السنين يستطيع ان يقف في محيطها نحو 2500 شخص وتحتها نحو 1250 شخصا.
اشجار ملكية مهداة من الاردن وامبراطور اليابان ومن ملك وملكة بريطانيا السابقين جورج وماري تحتها لافتة كتب عليها تاريخ اهدائها وهو 14 ابريل العام 1901، اضافة إلى صف طويل من اشجار جوز الهند مهداة من الزعيم الكوبي فيدل كاسترو، وغيرهم من زعماء العالم الذين زاروا سريلانكا.
كما تضم الحديقة اشجار المامبو (الانثى والذكر) واسر لنا مرافقنا السريلانكي ان موت احداهما يعني نهاية الآخر.
كما تشتهر الحدائق النباتية الملكية بزهور الاوركيد الفاتنة والبهارات والهيل والاعشاب الطبية واشجار النخيل.
واضافة إلى حدائق بيرادينيا، يمكن للسائح زيارة بعض الحدائق النباتية الاخرى في منطقة هاكغالا قرب مقاطعة نوارا ايليا، حيث يوجد ايضا منتزه فيكتوريا القومي الشهير بحدائق الجميلة، اضافة إلى الحدائق الموجودة في منطقة غامباها قرب كولومبو.
كما تزدهر زراعة البهارات الشهيرة في سريلانكا مثل القرفة وعود القرنفل وجوزة الطيب والفلفل الاسود والهيل في الاراضي الخصبة في حدائق البهارات التجارية الواقعة شمال مدينة كاندي قرب بلدة ماتالي. وتتفرغ هذه البلدة من سلسلة جبال ناكلز التي يصل ارتفاعها إلى 1500 متر، وتعد مقرا للغابات ذات الاشجار العالية الفريدة المحاطة بمحمية شجرية. وخلال رحلتك في كاندي التاريخية، لا يمكنك تجنب زيارة معبد «ضرس بوذا» او «دالادا ماليغاوا» الذي يضم واحدا من اكثر الآثار تقديسا في العقيدة البوذية وواحد من اثمن رموز الحضارة السنهالية. وقد تم قبل اعوام قليلة تشييد غطاء من الذهب فوق سطح المعبد الذي يحوي ضرسا من اضراس بوذا ... وهذا الضرس تناقله الملوك القدامى ومر بظروف وتقلبات صعبة. فقد كان المعبد هدفا لتفجيرات «نمور التاميل» العام 1997 قبل احتفالات عيد الاستقلال في كاندي، وهناك حاليا حراسة مشددة على مداخل المنتزه الذي يقودك إلى المعبد، حيث يمنع التدخين حتى في المنتزه، كما يجب على الزائر ايا كان ان يكون لباسه محتشما، وبإمكان السائح دخول المعبد، لكن عاري القدمين فيما تشاهد صفوف طويلة من السريلانكيين تحمل الزهور الملونة لوضعها امام المكان الذي يوجد فيه الضرس المغطى بـ 7 اثواب مذهبة داخل غرفة مذهبة ومغلقة، حيث يرفع كل عام ثوب، وفي السنة السابعة يمكن مشاهدة الضرس الذي حاول الصينيون دخول حرب طمعا في الحصول عليه، لكن محاولاتهم باءت بالفشل.
ويعد افضل وقت لزيارة المعبد، وقت تأدية طقوس المساء، حيث تقرع الطبول في شكل يوحي بتوقع شيء هائل وغامض في الوقت نفسه. عروض مسرحية
كما يمكنك مساء مشاهدة عروض مسرحية، مستوحاة من تاريخ سريلانكا عموما وتاريخ كاندي خصوصا، تقدم فيها اروع الرقصات السريلانكية على وقع قرع الطبول التي لا تتوقف حتى انتهاء العرض الراقص والغنائي، بمشاهد نارية وساحرة، من بينها المشي على الجمر والنار. العرب أطلقوا عليها اسم سرنديب من تامبا باني... إلى لانكا الجميلة والمقدسة
سريلانكا... هو الاسم الذي تحمله حاليا الجزيرة الواقعة في المحيط الهندي... لكنه يحمل في طياته هويات وأسماء اخرى ذات دلالة. فقد اطلق عليها الامير فيجايا والمؤسسون الاوائل تامبا باني، بلغتهم السنسكريتية، دلالة على الشاطئ ذي اللون النحاسي الذي هبطوا عليه.
وعندما رست سفن الرومان ايام حكم الامبراطور كلاوديوس اطلقوا عليها اسم تابروبان تسهيلا لاسمها الاول ثم عدل الجغرافي بتولمي الاسم إلى تابرو بانام، في القرن الثاني عشر.
التجار العرب، اعتمدوا على الريح لدفع قواربهم التجارية في البحر، فوصلوا إلى الجزيرة، واطلقوا عليها اسم سرنديب، فيما عدل جغرافي بيزنطي الاسم العربي في كتابه الطبوغرافيا المسيحية ليصبح سنغالادفيا. لكن الروائي الانكليزي هوراس والبول، اعاد اليها اسمها العربي في رواية له بعنوان «امراء سرنديب الثلاثة» بل وجعل معنى لكلمة سرنديب، الا وهو الاكتشاف السعيد بالمصادفة، في حين كان الصينيون يسمونها سي - لان، والرحالة ماركو بولو سيلان.
وكان للهولنديين نصيب في تعديل الاسم ليصبح زيلان، فيما اطلق عليها الانكليز تسمية سايلون.
ورغم كل هذه التسميات، فقد قرروا قديما ان اسمها لانكا، وعدل الاسم رسميا إلى سريلانكا في العام 1972 (سري تعني مقدس او جميل)... وبهذا فإن سريلانكا تعني حرفيا لانكا الجميلة او لانكا المقدسة.
جزيرة ذات وجوه متنوعة تنوع الشعوب التي شكلت سريلانكا ادى لتنوع واسع في الثقافات رغم اعتياد السائح على رؤية الوجوه المبتسمة اينما حل وكأنه ختم ثابت. الا ان الامر في سريلانكا يختلف فالابتسامة على الوجوه تتنوع تنوعا متباينا فهي مريحة لدرجة لا توصف وتكون عابرة لا تفرق بين سائح وآخر. فالغريب هناك تغمره النظرات المبتسمة ويتطور تأثير هذه الابتسامات بمرور الوقت هناك لدرجة انها تصبح من أفضل اسباب تكرار زيارة هذه الجزيرة.
وتزدحم هذه الجزيرة بالغطاء النباتي الاخضر الذي يتخلله حيوانات غريبة الشكل، لكن الاغرب من ذلك كله هو التنوع البشري فيها، وكونها جزيرة استوائية فإن التنوع يدخل في كل شيء يفعلونه تقريبا حتى السياسة فيها تنوع من الجانب الحريف جدا حتى الهادئ. ولعبة الكريكت التي تستمر مباراتها طوال اليوم بهمة ونشاط جعلتهم يتقنونها حتى الفوز ببطولة العالم فيها.
تربة سريلانكا الخصبة لا تدعم شعبا محددا بعينه بل الكثير منها، ورغم ان التنوع العرقي كان سببا في كثير من الصراعات، الا ان هذا التنوع يعوض ذلك بالتنوع في الثقافة والمهارات ورغم الحرب الاهلية التي اندلعت واجتاحت البلاد لفترة طويلة، الا ان هناك احتراما متبادلا بين العرقيات المختلفة ويبدو ان الجميع يتشارك روح التفاؤل المستمر بسبب هذه المعاملة.
وبعيدا عن مناطق الصراع العرقي فإن المنافسة تتمحور حول لعبة من جاء هنا اولا... ويتصارع السنهاليون مع التاميل حول من قدم الجزيرة اولا وكل طرف يحاول تدعيم حجته، بينما هناك عرقيات اخرى فازت في هذا الصراع من دون الدخول فيه مثل «الفيداس» التي سبقت كلا العرقين بآلاف السنين و«البرغر» وهم سلالة البرتغاليين والهولنديين وهؤلاء يخجلون من اصولهم وتجدهم اشد تمسكا بالتقاليد السيلانية، سواء في الملبس او اللغة. شاي سيلاني... إدهاش العالم مصطلح «سيرينديبيتي» يعني فن وموهبة اكتشاف الاشياء السارة مصادفة واصله يأتي من الاسم القديم الذي اطلقه العرب على سريلانكا (سرينديب). وبالنسبة إلى الشاي فإن هذا الوصف الاكثر ملاءمة للبلد الذي ينتج حاليا اجود انواع الشاي في العالم، حيث تم اكتشاف هذه الزراعة عن طريق الصدفة البحتة.
ادخلت زراعة الشاي (اي زهرة الكاميليا وموطنها الأصلي الصين) إلى سيلان بوساطة البريطانيين في العام 1824 فيما كانت زراعة القهوة آنذاك المصدر الرئيسي لكسب المال لكن في العام 1870 وعندما بدأ محصول القهوة بالازدهار، اصابت آفة مزارعه واتلفتها وفي حال من اليأس قام المزارعون بإعادة زراعة اراضيهم بالشاي، حيث نمت وازدهرت هذه النبتة لتصبح سريلانكا اليوم مصدرها الرئيسي في العالم.
في المزارع الجبلية في منطقة كاندي يرحب عادة بالزوار لاطلاعهم على عملية قطف وانتاج الشاي الشهير وتذوقه، حيث توجهنا إلى المرتفعات على علو نحو 3 آلاف قدم لمشاهدة النساء المرتديات لباس الساري التقليدي ذا الألوان الزاهية، ينتقلن كالفراشات بين شجيرات صغيرة، يقطفن الاطراف النامية لنباتات الشاي التي تلقى في سلال كبيرة من القش او اكياس بلاستيكية تحمل على ظهورهن، ومن ثم تنقل لاحقا إلى المصانع لتبدأ عملية فرزها وتصنيعها.
ويعتمد لون ورائحة ونكهة الشاي على مستوى الارتفاع الذي يبلغه اضافة إلى عملية التصنيع ومراحلها. ويستطيع زائر سريلانكا اكتشاف جودة الشاي عند تجربة كل ما يشتهيه من انواع الشاي في المزارع المنتشرة في المرتفعات والهضاب، ولا يمكن ان ترى زائرا يغادر سريلانكا من دون ان يحضر معه بعض انواع الشاي الفاخر او اطقم الشاي واكسسواراتها.
نسناس كاندي
وسط تلال مليئة بالاشباح في تتمايل الارواح خارجة من مهاجعها في الجبال، وعبق اوراق النباتات البرية تمنحك عطرا ثمينا حيث يمكنك ان ترى العالم كما يجب ان يكون بلا تعقيد وخلاب، وبعد رحلة مضنية لأكثر من 3 ساعات من مطار الكويت إلى مطار كولومبو، ومنه بالباص لأكثر من 3 ساعات وسط طرق طويلة ومتعرجة إلى فندق «امايا هيلز» بين ادغال منطقة كاندي حيث تقابلك ابتسامات ودودة اينما نظرت، تحاول ان تأخذ قيلولة ولو لدقائق معدودة قبيل محاولة اكتشاف جزيرة سريلانكا السرمدية.
تفتح باب غرفتك ليدخل الهواء النقي مثل افكارك، وتستلقي على سريرك، وفي وقت تبدو وكأنك منوم مغناطيسيا وتصمت الاصوات داخل رأسك تسمع جلبة ... لم يكن صوت قرع الباب، ولا اصوات سيارات ولا صرخة رجل امن «يتسلل» حتى إلى افكارك كما يحدث في محيطنا العربي.
قفزت من سريري مذعورا لأجد زوجين من النسانيس (انواع من القردة) وفي يد احدهما علبة سجائري... لم تكن تائهة بل بدوت انا كالتائه، كانا مبتسمين، ربما كانا صديقين من ازمان غابرة وانتظرا وصولي إلى سريلانكا، لمشاركتي سجائري فقط، اذ لم يلمسا محفظتي ولا مـــــوبايلي (هنا تأكدت انهما ليسا من رجال الامن او جاسوسين)، ولا حتى نظارتي، ربما ادركا انني سائح جئت لأستمتع بمناظر الجزيرة الفردوسية، ولا يريدان ان يحرمانني من هذه المتعة او ان اصبح كالاعمى.
بــــدوت مـــذهـــولا لثـــوان، بينـــمــا احـــد النـســــانـــيس يــــمـــــضــــغ عــــلبة ســــجائري بـــاســـتمـــتاع، وعـــنــدمـــا افقت من الصدمة صرخت بصوت عال، ما دفع بالغريبين المتطفلين للقفز إلى الشرفة، والنظر الي مع ابتسامة ساخرة تركا بعدها سجائري، ربما لأنها لم تناسب ذوقهما الراقي وقفزا إلى شرفة اخرى علهما يجدا افضل مما وجدا لدى وعندما هممت بإغلاق باب الشرفة قرأت ملصقا عليه يحذر من فتح الابواب... لكن عندما لا تكون موجودا... هل يمكن القول ان غلطة... بمليون غلطة.
|