د. مبارك الذروة / اللهم فك قيد أسرانا

1 يناير 1970 11:23 م
«الجميع يفكر في تغيير العالم، ولكن لا أحد يفكر في تغيير نفسه»، ليو تولستوي.
يحتاج الإنسان المعاصر في كثير من الأحيان إلى التعرف على ذاته والسفر داخلها، ذلك أن ما يحيط بنا من ماديات الحضارة ومنتجاتها تشوه صورة الذات الإنسانية وتعكر صفوها. وفي كثير من الأحيان نقع أسرى لمفاهيم المدنية الحديثة وأنماط الاستهلاك، ومنها حب التملك أو امتلاك الأشياء.
لقد أصبح مفهوم التملك سائداً في تعاملاتنا. تملك كل شيء وأي شيء. كيف لا وهو يجلب السعادة والمرح ولذائذ الحس المزخرفة. أما السعي وراء امتلاك عدد من السيارات أو الخدم أو نوعية مبالغ فيها من البيوت أو غير ذلك فقد لا يكون له تفسير سوى حب التملك. إنه خروج من فضاء الإنسان الرحب وطبيعته إلى قيود المادة والأشياء.
إنه استعباد تقوم به الأشياء من حولنا فتسيطر على مشاعرنا وأفكارنا. ومن هنا، فبانتهاء صلاحية تلك الأشياء تنتهي المتعة وتزول اللذة.
إن المتأمل على ما يستهلكه الناس يجد الحجم الهائل من الكماليات المبالغ فيها، وكأننا نعيش لنجمع ونمتلك. وما أريد أن أصل إليه هنا هو أننا أحرار بطبيعتنا الفطرية التي خلقنا الله بها. فحريتنا تنطلق وتسمو بتفردها وعدم خضوعها إلى بريق الماديات وجواذبها. وعندما تصطدم تلك الحرية بجدار المادة فإن حرياتنا عندئذ تهرم لتتحول إلى عبودية وذل وانكسار.
كثيرون هم الذين يملؤون حياتهم باللعب والمسليات بحثاً عن المتعة والسعادة. لكنهم يغفلون أن موطن السعادة هو في أعماق الإنسان. واليوم نجد كثيراً من الباحثين الأميركيين، خصوصاً، يشيرون صراحة إلى أن المتعة الحقيقية هي في دوام الأنس بالله والرضا والعمل الصالح. وذكر ذلك مجموعة منهم مثل ميللر في قوانين الحياة ومارتن سليغمان في كتابه السعادة الحقيقية، والذي أكد أن علم النفس ضل طريقه ووجد هو الطريق إليه ويقصد الإيجابية في التعامل مع النفس والحياة، أو ما أسماه بعلم النفس الإيجابي، كما أن كثيراً من مؤلفات ستيفن كوفي تشير إلى ذلك، ناهيك عما كتبه الراحل دايل كارنيغي منذ عقود.
لدينا العديد من مفاهيم التراث الفكري الإسلامي التي تدفع باتجاه تحفيز الذات وتقديرها والسعي إلى استكمال فضائلها. واليوم هناك سحب من الفضائيات تعلو سماءنا وفوق رؤوسنا، وبالتأكيد أنها لوّثت أفكار الجيل الجديد وأفقدته هويته وأبعدته عن حياض الفطرة ونبعها الصافي. كما أن افتقاد وسائل الإعلام إلى طرح القضايا والملفات التي تغذي هذا الجانب بأسلوب عصري يتماشى مع ساعة العصر ودقاتها السريعة أيضاً من المشكلات التي تحتاج منا إلى مزيد من البحث.
يتساءل أحد الزملاء عن أبنائنا، وهم في سن المراهقة، كيف تتشكل هويتهم الثقافية في خضم التعددية الهائلة من أفكار البشر ونظرياتهم وما اتجاهاتهم نحو الأشياء من حولهم؟ وما دور المؤسسات التربوية والإعلامية في خلق جيل محب لوطنه وأمته... جيل يسعى إلى بناء الوطن وتنميته؟
إن اكتشاف الذات والوعي بها واليقظة بالحال والأحوال تخلق جيلاً مؤمناً قادراً على العمل والإنتاج، جيلاً يحب التحليق ويكره الإسفاف، جيلاً يجمع شمل الأمة ولا يفرقها، جيلاً لا يعطي للأشياء أي قدسية تخرجها عن مكانها الصحيح.
لنعد إلى طبيعتنا التي فطرنا الله عليها، ولا نغالي في تملك الأشياء ونهمش كينونة الإنسان وتفرده فإنها سر الوجود وسحر الحياة، ورحم الله من قال: عندما تغيّر تفكيرك يتغيّر عالمك بأكمله.


د. مبارك الذروة
أكاديمي وكاتب كويتي
[email protected]