هل تعمل الحكومة على تحويل المرسوم أمراً واقعاً قبل عودة المجلس الجديد وعرضه عليه؟
تعديلات «جديّة جداً» في «مرسوم الاستقرار»... بلمسات «المركزي»
1 يناير 1970
09:27 ص
| كتب عبادة أحمد |
يمكن القول ان المرسوم بقانون الذي أقرته الحكومة لتعزيز الاستقرار المالي، الذي نشرت «الراي» نصه كاملاً أول من أمس، قدم صيغة أكثر تكاملاً أخذت في الاعتبار بعض الاقتراحات الجدية لتعديلات كانت مطلوبة على مشروع القانون الذي أقرته الحكومة وأحالته الى مجلس الأمة قبل حله. ولا يخفى أن للبنك المركزي لمساته على التعديلات التي جاءت في الصيغة الجديدة.
في الجوهر، ما قيل عن مشروع القانون يقال عن المرسوم بقانون، لأن الجوهر لم يمس. فهو يوفر ضماناً من المال العام أكثر مما يوفره من تمويل لحل الأزمة الراهنة. وربما يكون التمويل الأكثر مباشرة هو ما نص عليه المرسوم لجهة مشاركة الهيئة العامة للاستثمار والجهات الحكومية والهيئات والمؤسسات العامة في توفير «الدعم المناسب» للشركات المستفيدة، «بقروض أو تمويل مساند، أو اصدار الشركة سندات ملزمة التحول الى أسهم أو قابلة للتحول الى أسهم أو اصدار أسهم ممتازة، أو اصدار أدوات مالية أخرى تتفق مع أحكام الشريعة الاسلامية».
والحديث عن «سندات ملزمة التحول الى أسهم» يخص الهيئة العامة للاستثمار دون غيرها، بحيث ما ورد في الباب التمهيدي الذي يحصر اصدارها بغرض «ادخال الهيئة كشريك استراتيجي لتعزيز أداء الشركة وتوفير أداة مالية تتمتع بدرجة أمان عالية».
هذه الصيغة «الوسيطة» توفر اسهاماً من الهيئة في دعم القواعد الرأسمالية للشركات التي تحتاج الى تدعيم كفاية رؤوس أموالها، من دون أن يكون ذلك عبر مساهمة مباشرة في زيادة رؤوس الأموال على الطريقة التي طبقت في بنك الخليج. وسيكون البنك المركزي الجهة الموثوقة التي لها أن تقدر مَنْ من الشركات تستحق مثل تلك المساندة، مع الملاحظة أن المال العام سيكون رابحاً في هذه المعادلة، اذ ان الهيئة العامة للاستثمار ستتقاضى عائداً على تلك السندات.
اذ يبقى العنوان ضماناً حكومياً عرضاً، وتمويلاً حكومياً غير مجاني بقدر أقل، والغرض من كل ذلك تنشيط سوق الائتمان. لكن يبقى التساؤل الأكبر: أي من الشركات ستستفيد؟ وبأي شروط؟ الاجابة مرهونة بالمعايير التي ستطبق لتحديد ما اذا كانت الشركة مليئة أم لا، كما ان عمليات التقييم ستكتسب أهمية كبيرة في تلك العملية. ولذلك سيكون لمعايير التقييم وموثوقية الجهات التي تقوم به أهمية مركزية في الفترة المقبلة. وبعيداً عن التفاصيل الفنية والاقتصادية، يبقى أمام المرسوم خطر أساسي، وهو احتمال أن يرفضه مجلس الأمة الجديد بعد انتخابه. وربما لذلك تستعجل الحكومة وضع لائحته التنفيذية لتحويله أمراً واقعاً. فلا شك أن الوقائع ستقول كلمتها في قرار مجلس الأمة، فاذا ما انتعش سوق المال وتحلحلت أمور الكثير من الشركات، سيكون من الصعب على ممثلي الشعب تحمل عبء عرقلته واعادة الأمور الى نقطة الصفر.
والى أن توضح اللائحة التنفيذية التي يفرض المرسوم صدورها خلال ثلاثة أسابيع، يجدر التوقف عند أبرز التعديلات والنقاط الجديدة التي حملها المرسوم، عند مقارنته بمشروع القانون الذي كان قد أحيل الى مجلس الأمة.
1- تقدير الملاءة قد يدخل فيه
نوعية الأصول وليس فقط قيمتها
أدرج المرسوم بقانون تعريفاً للملاءة لم يكن موجوداً في مشروع القانون الذي سبق أن أقرته الحكومة وأحالته الى مجلس الامة. وينص على ما يلي: «تقاس الملاءة بمدى كفاية أصول الشركة لمقابلة سداد التزاماتها قصيرة أو طويلة الأجل ويدخل في ذلك التدفقات النقدية المستقبلية».
ويترك هذا التعريف المجال أمام تحديد أكبر لطرق احتساب الملاءة في المذكرة الايضاحية. ومن نافل القول أن تحديد مدى ملاءة الشركة المستفيدة له أهمية محورية لتحديد ما اذا كانت ستستفيد من القانون أم لا، لكون المرسوم يشترط أن تتمع الشركة بالملاءة ليحق لها الاستفادة من أحكام القانون. اذ ينص في المادة العاشرة منه على أن «تصنف الشركات بناء على أوضاعها المالية، وذلك من أجل تحديد الشركات التي تتمتع بالملاءة ولديها القدرة على مواصلة نشاطها وتواجه مشاكل مالية وتحتاج الى معالجة أوضاعها بما يساعدها على الاستمرار والوفاء بالتزاماتها».
ومن الواضح هنا أن ما كانت بعض الشركات تأمله لم يؤخذ به، وهو أن تكون معنى الملاءة مجرد أن تكون حقوق
المساهمين ايجابية في قيمتها، بحيث تتفوق الموجودات على المطلوبات.
وعلى الرغم من أن التوقعات تذهب الى أن اللائحة التنفيذية ستتضمن تحديداً أكبر لمعايير الملاءة، الا أن خبراء مطلعين يرجحون ألا تكون هناك مسطرة جامدة تقاس على أساسها ملاءة جميع الشركات وفق معادلة واحدة، اذ ليس منطقياً احتسابها على أساس نسبة الموجودات السائلة الى المطلوبات السائلة، خصوصاً في ظل الأزمة الراهنة، التي قضت على ما في أيدي الشركات من سيولة.
ولهذا، قد يترك للبنك المركزي هامش تقديري للحكم على مدى ملاءة الشركات، أخذاً في الاعتبار نوعية الأصول، وليست فقط قيمتها، وموازين المخاطر في استثماراتها، ومقدار ما تدره من تدفقات نقدية الى الشركة، وهلم جرا.
2- تأسيس شركات ذات أغراض محددة
لخفض تكلفة التمويل وتشجيع البنوك
أدخل الى المرسوم مادة لم تكن واردة في مشروع القانون الذي أقرته الحكومة، ضمن باب الأحكام العامة والختامية، هي المادة 28، ونصها «غرض اصدار الصكوك المنصوص عليها في أحكام هذا المرسوم بالقانون، يتم انشاء شركات محددة الغرض، وتبين اللائحة التنفيذية الأحكام الخاصة بهذه الشركات». ومن شأن هذه المادة أن توفر أرضية قانونية لتأسيس الشركات ذات الأغراض الخاصة (Special Purpose Vehicle SPV)، التي من شأنها ان تشجع البنوك على الاقراض وتخفف تكلفة التمويل. وكان محافظ البنك المركزي قد أشار الى أهميتها مراراً، لكن النص عليها لم يكن وارداً في مشروع القانون.
وهذا التشريع يبدو ملحاً جداً في الظروف الحالية، في ظل تهاوي تصنيفات بعض الشركات التي تعاني من ارباكات مالية، أو تلك التي اضطرتها الظروف الى التخلف عن سداد بعض التزاماتها المالية. ومن شأن هذا التشريع أن يتيح لها تأسيس شركة ذات غرض محدد، لتحويل الأصول التي تريد الاقتراض بضمانها اليها، وبذلك تحقق للدائنين ضمانة أكبر، فاذا أفلست الشركة يظل الأصل الضمان للقرض مسجلاً باسم شركة أخرى. وهكذا يكون بامكان الشركة المقترضة خفض كلفة الاقتراض، لكون التمويل يأتي لشركة تابعة أفضل تصنيفاً.
3- اشتراط موافقة «المركزي»
على «الجهة المتخصصة» الاستشارية
يلاحظ في المرسوم بقانون أن المادة 11 تم تعديلها لتنص صراحة على اشتراط موافقة البنك المركزي
مسبقاً على تعيين أي شركة لجهة متخصصة «لدراسة وتقييم أوضاع الشركة (...) واعداد تقرير يتضمن التوصيات والمعالجة المقترحة». كما أضيف الى المادة نفسها «على أن تتحمل الشركات مصاريف تلك الشركات».
4- فروع البنوك غير الكويتية
مشمولة بضمان التمويلات الجديدة
أخذ المرسوم بقانون بتعديل اقترحه اتحاد مصارف الكويت، من ضمن المقترحات التفصيلية التي سبق لـ «الراي» أن انفردت بنشرها كاملة، بحيث يصبح الضمان الحكومي لـ50 في المئة من التمويلات الجديدة، سواء للقطاعات المنتجة أو لشركات الاستثمار، شاملاً للتمويلات المقدمة من فروع البنوك غير الكويتية العاملة في الكويت. وجاء ذلك من خلال تعريف جديد أضيف في الباب التمهيدي لـ«البنوك المحلية» باعتبارها «البنوك الكويتية وفروع البنوك الأجنبية المسجلة لدى بنك الكويت المركزي». ومن شأن ذلك أن يوفر موارد تمويل اضافية في سوق الائتمان.
5- الموافقة المسبقة على «الدمج»
... من حيث المبدأ فقط
أخذ المرسوم بقانون بتعديلات أخرى مهمة اقترحها اتحاد مصارف الكويت، من أبرزها أن موافقة الجمعيات العمومية للبنوك وشركات الاستثمار على الاندماج مع مؤسسات أخرى اذا اقتضت المعالجة ذلك، يفترض أن تكون موافقة مبدئية، لا موافقة نهائية من دون معرفة المساهمين للجهة التي قد يطلب البنك المركزي الاندماج معها. ولذلك أضيفت في المرسوم عبارة «من حيث المبدأ» الى البند «ج» من المادة السابعة، وكذلك الى البند «هـ» من المادة 14.
ومن اقتراحات «اتحاد المصارف» التي أخذ بها، المادة
6- تعديلات اقترحها «اتحاد المصارف»
على المواد المتعلقة بالعقوبات
حمل المرسوم تعديلات عدة على المواد المتعلقة بالعقوبات في القانون، معظمها أخذاً بملاحظات اتحاد مصارف الكويت وسواه، ومن تلك التعديلات اسقاط المادة 25 بأكملها، التي كانت واردة في مشروع القانون، والتي كانت تنص على أن «يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة وبغرامة لا تزيد على خمسة آلاف دينار او باحدى هاتين العقوبتين كل من علم بوجود جريمة او شروع في ارتكاب جريمة ما نص عليه في هذا القانون، وامتنع عن ابلاغ السلطات المختصة». وجاء اسقاط هذه المادة لئلا تتوسع دائرة العقوبات المغلظة لتشمل موظفين في البنوك والشركات لا ضلع لهم بالمخالفات، ومن شأن مادة كهذه أن تضعف تعاونهم مع أي تحقيق يمكن أن يجرى.
7- تعديلات على إجراءات التقاضي
لحماية الشركات من الدائنين
جاء المرسوم بتعديلات مهمة في الفصل الثاني المتعلق بالاجراءات القضائية، ومن أهم تلك التعديلات أن الدائرة المختصة بطلبات اعادة هيكلة الشركات (للحماية من الدائنين)، باتت أحكامها تكتسب درجة الاستئناف. اذ نصت المادة 15 على أن تنشأ هذه الدائرة في محكمة الاستئناف، بدلاً من أن تنشأ في المحكمة الكلية، وفق ما كان مشروع القانون ينص عليه.
أما التعديل الاهم، فيتثمل بأن وقف اجراءات التقاضي ضد الشركة المتقدمة بالطلب (بنفسها أو من خلال البنك المركزي)، بات يتوقف على تأشير رئيس الدائرة في المحكمة بقبولها، في حين أن مشروع القانون كان ينص على وقفها تلقائياً عند تقديم الطلب.
8- لا حديث
عن «أزمة نظامية»
الملاحظ أن المرسوم أسقط منه تعريف كان وارداً لـ«الأزمة النظامية»، بعد أن أسقط سابقاً التصنيف الذي كان البنك المركزي قد وضعه للشركات الاستثمارية يلحظ أن بعضها قد تكون ليست لديها ملاءة لكنها تشكل خطراً قد يسبب «أزمة نظامية».
وربما يعكس هذا توجهاً الى التعامل مع كل شركة بحسب وضعها لا بحسب تأثيرها على النظام المالي.
البعض يرى في الأمر ثغرة وآخرون يوافقون: أنها من مكونات رأس المال
السندات الملزمة بالتحول... للهيئة فقط!
نص المرسوم على جواز اصدار سندات قابلة أو ملزمة بالتحول الى أسهم للبنوك (المادة 6) ولشركات الاستثمار (مادة 12). واللافت أن المادة الاولى من القانون تعرف السندات الملزمة بالتحول الى أسهم على أنها حرفياً «سندات تصدرها البنوك وشركات الاستثمار بغرض الاقتراض، يتم دفع عائد عليها، وتلتزم الجهة المصدرة بتحويلها الى أسهم، اذا رغب حاملها في وقت محدد وبسعر معين، وذلك بهدف ادخال الهيئة كشريك استراتيجي لتعزيز أداء الشركة وتوفير أداة مالية تتمتع بدرجة أمان عالية».
وهذا التعريف يجعل الهيئة العامة للاستثمار الجهة الوحيدة التي يجوز اصدار السندات القابلة للتحول الى أسهم لصالحها، في حين لم ترد اشارة مماثلة الى «الهيئة» في التعريف المتعلق بالسندات «القابلة» للتحول الى أسهم. وأثار هذا الأمر لبساً لدى البعض، اذ يعتقد بعض الاقتصاديين أن في الأمر ثغرة قانونية، في حين لا يرى آخرون ذلك، بل يعتقدون أن المشرّع قصد حصر السندات الملزمة بالتحول الى أسهم بالهيئة العامة للاستثمار، لكون تلك السندات مكوناً من مكونات رأس المال، ما يجعل وضع الهيئة العامة للاستثمار في هذا الخصوص مختلفاً عن وضع غيرها، اذ ان ادخال مساهمين جدد الى هيكل ملكية أي شركة له خصوصيته واعتباراته وتأثيراته على ادارة الشركة.
العمالة الوطنية في صلب المعالجة
«التفنيش» أسهل من التوظيف؟
رغم الملاحظات التي سجلت في الأشهر الماضية على الشروط المتعلقة بنسب العمالة، لم تتغير في نص المرسوم الفقرة المتعلقة بسبة العمالة الوطنية المطلوبة في شركات الاستثمار المستفيدة من القانون، لكنه خلا من أي اشارة الى نسبة العمالة الوطنية في البنوك.
ويلاحظ أن شركات استثمار عدة لا تستوفي هذا الشرط حالياً. واذا كان من الصعب على شركات تواجه أوضاعها صعباً وتعمل على خفض مصروفاتها أن تتوسع في التوظيف لاستيفاء النسبة المطلوبة فان الخيار المنطقي البديل هو أن تعمد الى صرف موظفين وافدين، لخفض نسبة العاملين غير الكويتيين.
ولدى كثيرين اعتقاد بأن هذه الفقرة وضعت لحماية العمالة الوطنية في هذا الظرف، بحيث اذا كانت شركة ما بحاجة الى تخفيض عدد الموظفين، تجد من الأولى صرف غير الكويتي.
أما البديل الآخر الذي تلجأ اليه بعض الشركات فهو وضع تنقل ملفات عدد من موظفيها الوافدين الى سجلات شركات تابعة (خدمية في الغالب) لخفض نسبة الوافدين لديها.