| حمد الحمد |
في فترة الحكم العثماني للعالم العربي، ظهرت تلك الفجوة الحضارية بين العالم العربي والعالم الاخر، سواء في الشرق او الغرب لهذا يعود تخلفنا لتلك الفترة التي امتدت الى قرون عدة.
وكما ذكر ان العلماء في تلك الحقبة العثمانية حرموا الطباعة، لكونها بدعة لهذا تأخرت حركة الطباعة لسنوات عديدة.
وحتى ندلل على حديثنا فلقد استمتعت بكتاب رحلة الامير فخر الدين المعني الثاني الى ايطاليا الفترة 1613-1618، الصادر عن دار السويدي للنشر والتوزيع طبعة 2007، والامير فخر الدين المعني الثاني حكم امارة الشوف في لبنان وهو دون العشرين من عمره، ولقب بسلطان البر ودخل في صراع مع الحكم العثماني، وأصل اسرة المعني من نجد ثم انتقلت الى الجزيرة الفراتية ثم الى لبنان.
وعندما اراد فخر الدين المعني الثاني ان يتصل بالغرب، وبخاصة ايطاليا غضب عليه العثمانيون، ما اضطره الى ترك البلاد والهروب بالبحر الى المدن الايطالية في عام 1613 بعد ان سلم ولده امانة الحكم.
عاش في ايطاليا ما يقارب خمس سنوات، واستقبل هناك من قبل الملوك استقبالا مهيبا، الا انه كان يحن للعودة وهنا لا يهمنا تفاصيل رحلته وجولاته، ولكن ما يهمنا هو المخطوطة التي كتبها بلهجة محلية حيث شاهد عالماً اخر يختلف عن عالمه، الذي يرزح تحت حكم السلاطين مشاهداته كثيرة، وتدل بلا شك على تلك الفجوة الحضارية التي نعاني منها، حتى اليوم طبعا يتحدث عن عام 1613 اي قبل 396 سنة، ومن مشاهداته في المدن الايطالية، وقد كتبها بلهجة لبنانية وقد لا يفهمها اهل لبنان اليوم ومنها الآتي:
حديقة حيوان وبها انابيب مياه تحت الارض ونوافير.
كل يوم تكنس الشوارع، وتأتي عربات وتنقل القمامة خارج المدينة.
لديهم مستشفيات وفقراء يعالجون مجانا من الوقف.
اديرة لخدمة الاولاد غير الشرعيين بالمجان.
لديهم شيء اسمه بنك الناس، الذين لديهم دراهم يودعونها فيه، وهناك حرس وموظفون عليه وتوضع ودائع ورهن وفائدة على الاموال، حسب الفترة ويسلف البنك الدراهم، لمن يرغب وللمرة الاولى يرى بنكاً في حياته.
لديهم مطابع تطبع بلسانهم، وبالسان العربي ووصف كيفية صف الكتب.
توجد انظمة التجنيد لسنتين يتعلم المواطن فنون الحرب، وبعد ذلك يذهب الى اهله ويأتي مواطن اخر.
ووصف بيتاً كبيراً تقام به العاب، لايهام المشاهد بانه امام حياة حقيقية وهذا هو المسرح.
هذه بعض من مشاهدات الامير فخر الدين المعني، وذكرها قبل ان يذكرها رفاعة الطهطاوي باكثر من قرنين، ونشعر هنا بتلك الفجوة الحضارية بين الشرق والغرب، رغم ان الذي يفصلهما بحر.
والآن نرى أن تلك الفجوة بدأت تنكمش، فانت في منزلك تستطيع ان ترى وتسمع ما يحدث في اخر العالم.
ولكن ما نود قوله ان فخر الدين المعني عاد لبلاده بعد خمس سنوات، ورفض البقاء عندما طلب منه ان يغير ديانته الى المسيحية.
[email protected]