دراسة عن «مشروع الأولويات القومية» الأميركي
لا أسباب لغزو العراق... إلا النفط
1 يناير 1970
06:10 ص
| عمرو عبد العاطي * |
منذ أزمة الحظر النفطي العربي عام 1973، والولايات المتحدة الأميركية تدرك أهمية مصادر الطاقة ومدى تأثيرها على أمنها القومي، ولذا أضحت قضية أمن الطاقة على الأجندة الأميركية رغبة منها في تأمين احتياجاتها من مصادر الطاقة واشباع متطلبات مجتمعها الصناعي الكبير من مشتقاتها المختلفة. ولهذا هدفت واشنطن الى زيادة الكميات المعروضة من الطاقة لأنه من دون ذلك قد تواجه الولايات المتحدة تهديدا جديا لأمنها القومي.
وفي اطار المساعي الأميركية لتأمين امدادات الطاقة وسيطرتها على مناطق الوفرة اعتمدت الادارات الأميركية على القوة العسكرية لتأمينها، وهذا النهج عبر عنه الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر في خطابه الثالث لحالة الاتحاد، فقد قال: «ان أي محاولة لقوى خارجية للسيطرة على منطقة الخليج العربي ستعد اعتداء على مصالح حيوية أميركية، ومثل هذا الاعتداء سترد عليه واشنطن بالوسائل كافة بما فيها القوة العسكرية». كما ان الحرب الأميركية في العراق تهدف في الأساس، وان لم تعلن ادارة بوش السابقة، الى السيطرة على العراق صاحب الاحتياط نفطي في منطقة غنية بالنفط، فضلا عن الانتشار العسكري والقواعد الأميركية في بلاد الوفرة النفطية والغاز الطبيعي في اقليم بحر قزوين والدول الافريقية، على سبيل المثال، ناهيك عن الانتشار العسكري الأميركي في منطقة الخليج العربي.
وللوقوف على الانفاق العسكري الأميركي، من قواعد، وعمليات عسكرية، لتأمين مصادر الطاقة وامداداتها أعدت أنيتا دانكس المدرس المساعد بكلية ويسترن نيو انجلند مع ماري أوريسيش الباحث المساعد في «مشروع الأولويات القومية» والمديرة البحثية للمشروع ذاته سوزان سميس دراسة تحت عنوان «التكلفة العسكرية لتأمين الطاقة»، نشرت ضمن اصدارات «مشروع الأولويات القومية» نهاية العام الماضي. وتجدر الاشارة الى ان المشروع مؤسسة بحثية مستقلة تهدف الى تبسيط البيانات الفيدرالية للمواطنين ليعرفوا كيف تنفق الضرائب التي يدفعونها.
مشاكل إضافية
تنطلق الدراسة من ان التدخل الخارجي الأميركي لتأمين منشآت الطاقة لا ينعكس على أسعارها في السوق، ولكن من يتحمل تكلفة هذا التدخل لتأمين تلك المنشآت دافعو الضرائب الأميركية. بعبارة أخرى من يتحمل تكلفة التدخل الخارجي لتأمين الطاقة دافع الضرائب وليس المستهلك، حيث لا تضاف تكلفة هذا التدخل والحماية الى أسعار النفط، والغاز، ومصادر الطاقة الأخرى عند طرحها في السوق.
وتضيف الدراسة أنه رغم ارتفاع أسعار الطاقة في السوق الأميركية الا أنها لا تعكس السعر، أو التكلفة الحقيقية لمصادر الطاقة. فتكلفة أسعار الطاقة لا تتضمن تكلفة ما يترتب على استخدامها من تكلفة أخرى أو المنافع الأخرى. فعلي سبيل المثال استخدام جالون من الجازولين يسبب تلوث الهواء والذي يكون له تأثير على صحة المواطن، فضلا عما يحدثه هذا التلوث من مشكلة الاحتباس الحراري عالميا، وتكلفة تنقية الهواء من التلوث والانفاق على الرعاية الصحية لا تتضمنه أسعار الطاقة في السوق.
خلل في أسواق الطاقة
وتركز الدراسة على الانفاق العسكري لتأمين الطاقة انطلاقا من ثلاثة أسباب رئيسة: أولها كثرة حالات استهداف الجنود الأميركيين المدربين جيدا وبتكلفة عالية في مناطق الطاقة، فأخيرا بدأت المنظمات الارهابية وعلى رأسها تنظيم «القاعدة» تولي أهمية في اطار استراتيجياتها التكتيكية والعملياتية لاستهداف المنشآت النفطية مما لها من تأثير على الدول الصناعية الكبرى يفوق في كثير من الأحيان الأنواع الأخرى من الهجمات الارهابية.
وثانيها: ان أموال الضرائب التي تنفق على تدعيم وتعزيز القوات الأميركية لتأمين المنشآت النووية يحمل الولايات المتحدة تكلفة الفرصة، بمعنى آخر يضيع على واشنطن فرصة انفاق تلك الأموال على الرعاية الصحية والتعليم، واحتياجات الأمن القومي الأخرى.
والسبب الأخير للاهتمام بدراسة الانفاق العسكري لتأمين مصادر الطاقة عدم تضمين أسعار الطاقة (النفط والغاز) في السوق تكلفة العمليات العسكرية للحصول على الطاقة أو تأمينها، وهو أمر، حسب الدراسة، يؤدي الى خلل في أسواق الطاقة وزيادة استهلاكها. وترى أنه لو تضمن سعر الطاقة في السوق تكلفة العمليات العسكرية فان ذلك سيؤدي الى تقليل الاعتماد على مصادر الطاقة الخارجية، فضلا عن تقليل آثار استخدام الطاقة على البيئة بتقليل الطلب على الطاقة.
حرب النفط
ولتقدير الانفاق العسكري الأميركي على مصادر الطاقة وامتداداتها اعتمدت الدراسة على طريقتين مختلفتين لتقدير النفقات العسكرية المحتملة لتأمين امدادات الطاقة للسنة المالية 2009. فاعتمدت على مصادر أولية شملت ميزانية وزارة الدفاع «البنتاجون»، وعدد من وثائق الاستراتيجيات العسكرية، وعدد من التصريحات وشهادات مسؤولين في وزارة الدفاع الأميركية. وقد قدرت الدراسة الانفاق العسكري الأميركي على الطاقة من دون اضافة تكلفة الحرب الأميركية في العراق.
ولتقدير تكلفة الانفاق العسكري لحماية الطاقة طورت الدراسة أسلوبين لتقدير تلك التكلفة، ويتضمن كل أسلوب فرضيات مختلفة. الطريقة الأولى تحدد الانفاق العسكري على أساس خطط انشاء القوات لـ «استراتيجية حرب التهديدين الكبيرين»، والتي تعني تحديد المخططين الاستراتيجيين لحجم القوات للمحاربة في حربين في منطقتين مختلفتين حول العالم.
والطريقة الثانية تقوم على عدد من الخطوات المحددة أولها تقسيم الميزانية العسكرية على حسب مناطق العالم وبعد ذلك يتم تحديد نسبة العمليات، أو الأنشطة في كل منطقة والتي تسهم في تأمين الوصول الى الطاقة.
وقد توصلت الدراسة الى ان 97 بليون دولار الى 103.5 بليون دولار من انفاق وزارة الدفاع خلال العام المالي 2009 ستنفق على تأمين الوصول الأميركي لمصادر الطاقة خارجيا وذلك بصرف النظر عن الانفاق العسكري الأميركي في العراق وأفغانستان. ولو تمت اضافة تكلفة الحرب الأميركية في العراق فان الرقم سيرتفع الى ما بين 209 بلايين دولار الى 215 بليون دولار.
وترفض الدراسة ان تكون الولايات المتحدة الأميركية غزت العراق لشيء غير الرغبة في السيطرة على العراق، الدولة الغنية باحتياطات نفطية في منطقة غنية بهذا المورد الحيوي للاقتصاد الأميركي. ولم تضف الدراسة كل التكلفة العسكرية الأميركية في العراق، ولا التكلفة المستقبلية لهذه الحرب والتي يتوقع ان تزيد كثيرا عما تردده كثير من التحليلات الأميركية، والغربية، بل والعربية. كما أضافت الدراسة أيضا نصف التكلفة للقواعد العسكرية والأنشطة العسكرية المحيطة بمنطقة الخليج العربي، والمناطق المحيطة بالقيادة المركزية الأميركية، والتي تغيب فيها المصالح الأميركية الا مصلحة احتوائها على الوقود الحفري.
وتخلص الدراسة الى أنه لو خفضت الولايات المتحدة من الانتشار العسكري العالمي، وعملت على تقليل الصراعات المستقبلية المحتملة، ستستطيع تقليل الاعتماد على مصادر الطاقة غير المتجددة. وتدعو الدراسة الى ان يكون هذا بالتوازي مع حملة لتشجيع الاستثمار، والانفاق في تطوير مصادر الطاقة النظيفة والمتجددة، وألا تعمل الولايات المتحدة على تخفيض ميزانية العمليات العسكرية فقط، ولكن عليها أيضا المشاركة في جهود مواجهة التغيرات المناخية.
* عن «تقرير واشنطن»