تحقيق / بعد اتساع الفجوة بين فروق عملة مطلوباتها وموجوداتها وانخفاض قيم الأصول
كيف ستصلح الشركات ما أفسده الدولار في ميزانياتها؟
1 يناير 1970
08:42 ص
|كتب رضا السناري |
بعد كل الجهود التي قامت وتقوم بها شركات الاستثمار المتعثرة، وغيرها من القطاعات الاخرى كالعقار والصناعة التي تعاني نقصا في السيولة، تجد الشركات، خصوصا الاستثمارية، نفسها تواجه مشكلة اضافية من نوع آخر اذا لم تكن قد حسبت بشكل جيد المعادلة التالية: بأي عملة استدانت وبأي عملة استثمرت؟
ورغم التقلب المستمر في اسعار العملات، ورغم ان هذا التقلب سيف ذو حدين، قد يربح وقد يخسر من دخل في نطاقه، الا ان هناك قاعدة تنطبق على غالبية الشركات: هي ان نسبة كبيرة من الديون كانت بالدولار، والسبب ان البنوك الاجنبية كانت شهيتها اكبر على الاقراض، بينما نسبة كبيرة من الاستثمارات والموجودات بالدينار وبعملات اخرى. والفارق الكبير في اسعار الصرف بين وقت الاستدانة والوقت الحالي لمصلحة الدولار سينعكس بشكل كبير على ميزانيات هذه الشركات.
ولن يظهر الحجم الحقيقي لهذه المشكلة بالنسبة للشركات، التي لم يتنبه لها الكثير من مديري المخاطر فيها، الا عند التسوية، اي عند محاولتها التخارج من اصول لسداد ديوان.
وبالنسبة لهذه الشركات التي تعاني اصلا من مشكلتي انقطاع خطوط الائتمان الخارجية، وتوقف عجلة الاستثمار في الفترة المقبلة، قد يرقى اثر اسعار الصرف الى حد ارتباط مصير بعض الشركات المتعثرة، بحركة سعر صرف الدولار، الذي سيكون من اهم محركي بند خسائرها وارباحها في الفترة المقبلة، خصوصا تلك الشركات التي تتضمن ميزانياتها نوعين للعملة، واحدة للائتمان والمطلوبات وثانية مختلفة للموجودات.
لم يعد سرا ان بعض الشركات قامت في السنوات الاخيرة، ابان «عهد الرواج» بالاقتراض من مؤسسات خارجية بعملات اجنبية، كان اكثرها حظا الدولار والجنيه الاسترليني، بسبب انخفاض كلفة هذه العملات على عملياتها الائتمانية مقابل تلك التي يمكن ان تكون للدينار، او بسبب كبر عمليات الشركات المحلية بالنسبة لحجم السوق المحلي، اضافة الى رحابة صدر البنوك الاجنبية في توسيع محافظها الائتمانية امام الشركات الكويتية، في موازاة تحفظ البنوك الكويتية في هذا الخصوص.
نعمة ونقمة
وفي الواقع سرعان ما تحولت هذه النعمة، كما كان يظن البعض وقتها، الى نقمة عند بعض الشركات، بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الدينار، واتساع هامش الصرف بينهما، وتحديدا بالنسبة للشركات التي زادت عمليات اقتراضها بعملة الدولار او غيرها من العملات الاجنبية، وضخت هذه الاموال في استثمارات محلية او خليجية او حتى في الشرق الاوسط، وغيرها من الاسواق الاوروبية غير المرتبطة عملتها بعلاقة طردية مع الدولار. فالكلفة الرخيصة التي حققتها الشركات، خصوصا التي استثمرت في غير انشطة عملة قرضها من عمليات تمويلها بالعملة الاجنبية، ستدفع ثمنها غاليا مع ارتفاع سعر صرف الدولار، مقابل انخفاض عملة استثمارها.
ولعل هذا الواقع الجديد هو ما دفع بنك الكويت المركزي اخيرا الى التاكيد في تعميم على البنوك ان يكون القرض الممنوح في نشاط الجهة المقترضة نفسه، وفي الوقت نفسه ان تكون عملة القرض هي عملة الغرض من التمويل نفسه، وذلك في محاولة منه للحد من الفوضى التمويلية. والتي كان من نتائجها الشربكة وتداخل الاستثمارات بين الشركات، اذ انه كان من الواضح ان الجميع كان يعمل في جميع الاتجاهات من دون بوصلة.
ماذا يعني ذلك؟
خلال فترة الفورة الاستثمارية التي مرت بها الاسواق المالية العالمية، باتت كلمة المخاطر نسبية عند ادارات بعض الشركات، فالتحوط ليس له مكان في قاموس غالبية الشركات، لا سيما وان الجميع يحقق مكاسب، ومن ثم لا يوجد ما يدعو الى الربط بين عملة الائتمان، وعملة الاستثمار، وهو ما احدث علاقة مضطربة، في ادارة السيولة بين اسعار الاصول والمطلوبات، وهى العلاقة التي بدت تثير بعض المخاوف في ميزانيات الشركات، بسبب فروق العملة التي تم تسجيلها مع الحركة النشطة لسعر صرف الدولار منذ بداية العام، اضافة الى ان بعض الشركات لديها في الوقت الحالي رصيد كبير فيما يعرف في الميزانيات بالشورت دولار، بمعنى ان هذه الجهات باعت الدولار مقابل عملات اخرى، اثناء عملياتها الاستثمارية، وعند ارتفاع سعر صرف الدولار، ستحقق خسائر في ميزانياتها.
وتقول مصادر مالية ان تداعيات حركة الدولار السلبية لا تتوقف عند بعض الشركات، على تسجيل خسارة فروق العملة من تناقض عملة القرض عن عملة الاستثمار فحسب، فمع رواج اسواق الاسهم اصبحت القنوات الاستثمارية لاموال القرض غير متفقة بالمرة مع نشاط الشركة، فليس سرا ان الكثير من الشركات اتجهت الى المساهمة في محافظ استثمارية في سوق الاسهم، وسعت الى تمويلها من خلال قروض اجنبية، ومع التطورات المالية التي تمر بها الاسواق، طالت حمى التراجعات جميع الاسهم المدرجة، بدرجات متباينة، الا ان جميع هذه التراجعات تميزت بالحدة، ما وضع ادارة سيولة هذه الشركات في وضع لا تحسد عليه، وبات السؤال الذي يشغل الادارات التي لم تترك للمخاطر مكانا في حساباتها، كيف ستصلح ما افسده سعر الصرف الدولار على ميزانياتها، من فجوة بين مطلوباتها وموجوداتها، خصوصا مع ارتفاع سعر صرف الدولار، وانخفاض قيم الاسهم.
ولفتت المصادر الى ان استمرار ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل انخفاض عملة استثمارات شركة ما، سيجعل من لغة ادارة تخارجات الاخيرة، في حال لجأت الى هذا الخيار صعبة بعض الشيء، حتى اذا اتيحت فرصة التخارج من قبل السوق، كما ان قرار بيع الاصول المسجلة بالعملة الاجنبية يحتاج الى التفكير مليا، فاي توجه في هذا الخصوص يتعين ان يراعي فارق العملة، فكلما ارتفع الهامش ارتفع في المقابل حجم الخسارة.
وبينت المصادر ان بعض الشركات التي تمتلك ادارة مخاطر واعية تجنبت مخاطر فروق العملة في تنفيذ عملياتها من خلال اتمام صفقات مع البنك غير المقرض ببيع استحقاق الدولار بسعر معين، بالطبع سيكون اقل من سعر الشراء، لكن على الاقل هذا الخيار يتيح معطيين، الاول: عدم تسجيل الخسارة التي يمكن تحقيقها من وراء هذا الاجراء، واقتطاعها مقدما من بند الربحية بالميزانية، وتغطية ذلك من هامش العائد الذي يمكن ان تحققه الشركة ذات الصلة من استثمارها الذي سحبت من اجله القرض، والثاني ان الشركة التي ستبيع استحقاقها ستحقق سقفا معقولا من الحماية في مواجهة تحركات العملات وما يمكن ان تحدثه من فروقات في الميزانية.
انعكاسات إيجابية
إلا ان مصادر مالية اخرى تنظر الى الوجه الآخر من اشكالية ارتفاع سعر صرف العملة الخضراء، حيث نشاط الدولار سينعكس بالايجاب على فريق آخر من الشركات، التي التزمت بالنص، واستثمرت قروضها الاجنبية في انشطة مقيمة بالدولار، وفي هذه الحال، يكون صعود اسعار اصولها في خط مواز مع ارتفاع اسعار صرف الدولار، بسبب العلاقة الطردية التي تحكمهما، فكلما زاد الارتفاع التصاعدي للدولار في الاتساع، كلما تجمل الوجه القبيح الذي خلفته الأزمة المالية العالمية على سوق الاصول في ميزانيات الشركات التي استثمرت في عملة القرض نفسها رويدا رويدا.
وتشير المصادر الى ان بعض الشركات المتعثرة ستستفيد من ارتفاع سعر صرف الدولار من خلال ما يعرف في الميزانيات باللونج دولار، او ما يعني شراء الدولار وبيع عملات اخرى، ضمن عمليات استثمارية اتمتها الشركة ذات الصلة قبل نشاط الدولار الصعودي، وهو ما سيعكس مزيدا من المكاسب، في صالح موجودات هذه الشركة مقابل اجمالي مديونيتها.
اما عن تأثير اعادة هيكلة الاموال للجهات الاجنبية بالعملة نفسها على ميزانيات الشركات المتعثرة، وتحديدا في حال عدلت الاسواق من حالها، وعادت اسعار صرف الدولار الى مستوياتها السابقة، تقلل المصادر من اي تأثير يمكن ان يحدث، فإعادة الهيكلة قائمة على جدولة الاموال نفسها المستحقة على الشركة ذات الصلة الى فترات جديدة، من دون تغيير شيء. وفي حال تغير اسعار الصرف في المستقبل، وانخفاض سعر صرف الدولار مقابل العملة المحلية، لا يمثل ذلك اي عبء على الميزانية، فالمبالغ التي ستدفعها الشركة في المستقبل هي المبالغ نفسها المستحقة عليها في الوقت الحالي، ومن ثم اصل الدين لن يتغير بتغير اسعار صرف العملة، وسيظل اجمالي الدين من دون تأثر في الميزانيات، فالمؤثر الحقيقي على كلفة اعادة جدولة المديونيات، حركة اسعار الخصم، وليس سعر الصرف.
استثماراتها في «اللونج دولار» تبلغ 200 مليون
«جلوبل» تحقق 5 ملايين دينار
مكاسب من ارتفاع الدولار
كتب رضا السناري
افادت مصادر مقربة ان شركة بيت الاستثمار العالمي «جلوبل» استفادت بشكل كبير من حركة سعر صرف الدولار التصاعدية، مقابل صرف الدينار منذ بداية العام الحالي، مبينة ان الفوارق التي احدثتها تقلبات سوق الصرف عكست مكاسب وصفتها تبلغ نحو 5 ملايين دينار.
وكشفت المصادر ان «جلوبل» تستثمر نحو 200 مليون دولار فيما يعرف بـ «اللونج دولار» (Long dollar)، او ما يعني شراء الدولار مقابل بيع عملات اخرى، ضمن عمليات استثمارية اتمتها الشركة قبل نشاط الدولار الصعودي، وانها حققت في هذا البند بسبب فروق اسعار العملة مكاسب تتجاوز الـ 15 مليون دولار، علما ان الشركة كانت قد حققت وفقا لبياناتها المالية في 31 سبتمبر الماضي تراجعا في ميزانيتها بسبب فروق العملة، تقارب قيمتها 4.5 مليون دينار، وبذلك تكون «جلوبل» بفضل ارتفاع سعر صرف الدولار غطت قيمة الخسائر التي اعلنت عنها في 31 سبتمبر بسبب فروق العملة.
واشارت المصادر إلى ان استمرار حركة الصعود الدولارية مقابل انخفاض سعر صرف العملة المحلية من شأنه اضافة مزيد من المكاسب ضمن ميزانية «جلوبل» في العام الحالي، بما يساهم في تخفيف حدة تراجعات قيم الاصول التي خلفتها الأزمة المالية العالمية في جميع الاسواق، مضيفة إلى ان استثمار الشركة واستفادتها من استثماراتها بـ«اللونج دولار» من الاشارات التي تؤكد حس إدارة المخاطر الشركة في انتقاء استثماراتها والعملات التي يجب ان تستثمر بها.