«الأصلع»... هكذا ينادونه في أميركا عندما يحتاجون إلى «مخ». يثقون في مخه كثيرا، وهو أيضا. لذا استأجر مكتبا في وسط البلدة، يستقبل فيه اتصالات الزبائن الباحثين عن حل لمشكلاتهم، بالطبع ليست المشاكل العاطفية ولا الاجتماعية، وإنما مشاكل الحياة، العمل، الدراسة، التجارة... يعرف جيدا ماذا يريد. وقد أعلن بأنه لا يقبض أتعابه إلا بعد القضاء على المشكلة، ولهذا صدّقه الناس واطمأنوا إليه.
ذاع صيته، وكبرت شركته... وذات ليلة حظ في بداية ثمانينات القرن الماضي، تلقى اتصالا: ألو، نحن شركة جنرال موتورز، نعاني من ضعف مبيعات سياراتنا في نيجيريا رغم إعلاناتنا المكثفة في وسائل الإعلام هناك، ورغم صرفنا المبالغ الطائلة على مشاهير هوليوود الذين تعاقدنا معهم للترويج لسياراتنا، ورغم ورغم ورغم، لذلك ندعوك لزيارتنا للتباحث حول الموضوع... وفي مكتب مدير التسويق تم الاتفاق على مبلغ أربعة ملايين دولار أتعابا «للأصلع»، بخلاف مصاريف إقامته في نيجيريا لمدة ستة أشهر، هو وسكرتيره الشاب، الذي قال له مديره (الأصلع) يوما: أشعر دائما بأنني الأذكى في العالم كله، إلى أن أراك، فيغادرني هذا الشعور على أول طائرة.
هناك، في نيجيريا، وفرت لهما الشركة سيارة فخمة بسائقها، وأسكنتهما فندقا فخما، فرفض الأصلع وطلب منهم البحث عن شقة في مدينة تعيش فيها الطبقة الوسطى من السكان، ليدرس طباعهم الاستهلاكية عن قرب... ولماذا الطبقة الوسطى تحديدا، عزيزنا الأصلع؟ أجاب: لأنها هي الشعب، هي المحرك الرئيسي للاقتصاد... وبعد قضاء أكثر من أربعة أشهر من المدة المتفق عليها في التنقل بين الأماكن المختلفة، والتحدث مع الناس عن مستواهم المعيشي، ومجالسة الباحثين الاجتماعيين، وغيرها، قال السكرتير لمديره الأصلع: سيدي، لقد وجدت الحل، هل تعدني بنصف المبلغ؟ فصرخ المدير في وجهه: نعم، وأعدك أيضا بالانتحار إن لم تخبرني الآن.
وكانت المفاجأة: «الحل على الشاطئ، لا داعي للبحث في قاع المحيط... الزحام هو السبب، سيدي الأصلع، ولهذا يحرص الناس على اقتناء السيارات الصغيرة. وعليه، أقترح بأن تشتري الشركة مساحات في المناطق المزدحمة وتخصصها لبناء مواقف لسياراتها هي فقط»... وبالفعل، ارتفعت لافتات «موقف خاص لسيارات جنرال موتورز»، وارتفعت معها المبيعات بشكل هائل.
وبعد سنوات، وأثناء جلوس الشاب (السكرتير سابقا) في مكتب شركته الخاصة، وإذا بزبون يطلب لقاءه... تفضل، ما هي مشكلتك؟ «مشكلتي أنني كنت الأذكى والأشهر، وكان لدي سكرتير شاب لم يكمل دراسته الجامعية، جاءني يستجديني توظيفه قائلا: «استثمر ذكائي»، فاستثمرته خير استثمار وحصل بسببي على مبالغ طائلة، فاستقال واستقل بنفسه، والآن بات هو الأشهر، ومكتبه يعج بكبار رجال الأعمال، بينما أقضي وقتي في مكتبي بالعراك مع زوجتي هاتفيا، فهل أجد عندك حلا لمشكلتي؟». نعم، لنتفق أولا على مئة ألف دولار، توقيعك هنا من فضلك... الحل أن تنتقل إلى دولة أخرى وتترك أميركا فهي تحت سيطرتي، سيدي «الأصلع».
هل القصة حقيقية؟ لا أعلم، هكذا رواها لي أحد النصابين الأفاضل، لكن الذي أعلمه وأبصم عليه هو أن كبار مستشاري الكويت الذين يعتقدون بأن إشغال الطبقة الوسطى بالتفكير في أكلها وشربها وديونها سيصرفها عن السياسة، هو دليل على أن ليس من بينهم (المستشارين) الأصلع ولا سكرتيره، إذ غاب عن مستشارينا أن «الجوع، هو أقصر الطرق إلى السياسة السوداء».
محمد الوشيحي
[email protected]