راجح سعد البوص / حكمة اليوم / الشيخ فلان رحمه الله
1 يناير 1970
07:31 ص
حدثني أحد وجهاء البلد في زيارة شخصية له فقال لي: زارني الشيخ (فلان) رحمه الله في منزلي في العام 1991، بعد التحرير، فتجاذبت معه أطراف الحديث، فأشار لي الشيخ فلان (رحمه الله) أنه كان في زيارة رسمية إلى إحدى الدول العربية لمقابلة رئيسها، يقول: دخلت مكتبه أنتظره فلفت نظري، وأنا في مكتبه، دفتر «شيكات» على طاولة الرئيس وفوق الدفتر مسدس من عيار 9 ملمترات، فلما دخل الرئيس سأله الشيخ (فلان) رحمه الله عن المسدس و«الشيكات» كيف يجتمعان؟ فرد ذلك الرئيس: يابا العرب يقولون الحكم يريد سيف ومنسف. ثم حمل المسدس وقال: هسا ماكو سيف هاي السيف وأشار إلى (المسدس) وهاي المنسف، مشراً إلى «الشيكات». انتهت القصة.
إن الديموقراطية التي ارتضيناها في هذا البلد المبارك وتبديل شرع الله بأحكام الدساتير الوضعية هي التي أضاعت (السيف) في هذا البلد فضاعت هيبة القانون وأصبح الكتاب والنواب والعالم كله يتطاول على سمو رئيس الوزراء، بحجة أن القانون كفل لهم ذلك فأصبحت الأسرة «علكاً» في أفواه النواب والدوواين ومراهقي الجامعات، حتى أصبحنا مادة إعلامية خصبة للجرايد وللقنوات الفضائية، فصرنا «ملطشة القنوات العربية»، فتعطلت بذلك التنمية في الكويت بعد أن كنا عروس الخليج، ولا عزاء لنا، ولا يعني كلامي أن نعطل الدور الرقابي للمجلس، أو أن نتحايل على القانون ونعطل أدواته لمصالح خاصة مقدمة على المصلحة العامة.
وضيعنا «المنسف» الذي هو السبب الرئيسي لديمومة ولاء الشعب للأسرة الحاكمة، فهدمنا 48 ألف ديوانية من دون أن نفكر بحل ناجع لهذه القضية، ودمرنا حدائق المواطنين بحجة القانون الذي أصبح أداة مساومة تستخدمها الحكومة متى ما شاءت على مواطنيها لتعيد هيبتها حسب زعمها، بل أن الأمر طال حتى المساجد. ولو أن الدولة وضعت آلية لكسب ولاء الشعب لأصبح النواب جميعهم كمن يغرد خارج السرب ليس لديه هموم مواطنين يساوم بها الحكومة، لكن الواقع غير ذلك فالنائب يغني على جراح الناخب، والحكومة، برأيها، مسمومة، والتنمية بذلك تنشل، ولا حل لهم إلا في الحل، وهكذا دواليك.
إن «السيف» وهيبة القانون لن تعود لهذه الدولة المباركة إلا بعد أن تحرص الحكومة على إيجاد مناخ الاستقرار في السلطة الذي هو صمام أمان الكويت وترتيب الأولويات، والحرص على نزع الفتيل بين السلطتين والعمل على الرقي بلغة الحوار بينهما لما في ذلك من انعكاسات وإفرازات على المجتمع، والحرص على «المنسف» فهو السبب الرئيسي في ولاء الشعب للدولة وعدم الإضرار بالمواطنين الذين هم عزها وعتادها، والتي تجلت بطولاتهم في الثاني من أغسطس العام 1990.
حكمة اليوم
يقول الشيخ عبد الله بن حميد (رحمه الله):
من لا يدوس الراس من قبل ما ديس
عليه داسوه الرجال القرومي
ومن لا يقلِّط شذرة السيف والكيس
عليه من ميل الليالي ثلومي
راجح سعد البوص
كاتب وأكاديمي كويتي