التقرير الشهري لشركة سبائك / خريطة فرص الإجارة المتوافرة حول العالم
1 يناير 1970
08:42 ص
تناولت شركة سبائك للإجارة والاستثمار في تقريرها لشهر مارس قضية تطور الصناعة المالية الإسلامية حول العالم، والفرص التي تقدمها هذه الصناعة في عدد من الدول، خصوصا فرص بزنس الإجارة. وقد شهد العقد الحالي تطورا سريعا للصناعة المالية الإسلامية حول العالم. وهذا التطور والتوسع دفعا الصناعة نحو الانتقال من مجرد التركيز على خدمات التجزئة إلى إطلاق سلسلة واسعة من المنتجات والخدمات المالية، ومن مجرد التركيز على المجتمعات المسلمة إلى خدمة جميع دول العالم بما فيها المجتمعات غير المسلمة في أميركا وأوروبا وشرق آسيا. وقد تحولت هذه الصناعة إلى نوع من النشاط الديناميكي والفعال في الاقتصاد العالمي. ومع هذا التحول، ولدت أدوات استثمارية جديدة وتنوعت الأصول وأصبحت الصناعة تنافس غريمتها التقليدية.
وخلال الأزمة المالية التي يعيشها العالم حاليا، أبدت هذه الصناعة الموافقة للشريعة مرونة كبيرة حسب شهادة جميع وكالات التصنيف العالمية. لا بل بدأت في الفترة القليلة الماضية تعلو أصوات تطالب بتدخل التمويل الإسلامي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الاقتصاديات العالمية. وعلى الرغم من وجود ثغرات مختلفة في النظام المالي الإسلامي مثل ضعف إدارة المخاطر وقلة الموارد البشرية المحترفة، إلا أنه بدأ يشهد مرحلة النضج ليكون بديلا قويا عن نظيره التقليدي. وساهم في هذه الصورة الناضجة الأصول الضخمة التي تملكها الدول المسلمة خصوصا دول مجلس التعاون الخليجي وماليزيا وإندونيسيا، إن على صعيد الحكومات أو على صعيد القطاع الخاص والمستثمرين الأفراد. وعلى الرغم من الأزمة العاصفة في الأسواق، ما زال هذا النظام يقدم فرصا متعددة في الكثير من الدول حول العالم. ويحاول تقرير «سبائك» الشهري إلقاء الضوء على بعض الفرص الاستثمارية في هذه الدول وأبرزها منتج أو خدمة الإجارة.
1 - السعودية: صكوك الإجارة نحو النمو
على الرغم من وجود ثلاثة بنوك إسلامية هي من الأضخم في العالم، إلا أن جميع بنوك المملكة العربية السعودية تقدم خدمات موافقة للشريعة. فعلى سبيل المثال، تشكل النشاطات الإسلامية نحو 70 في المئة من أعمال البنوك التقليدية مثل بنك السعودي البريطاني (ساب) والبنك الوطني التجاري وبنك الرياض. وقد صنفت المملكة من قبل البنك الدولي في المرتبة 16 عالميا من حيث سهولة ممارسة الأعمال. وإلى جانب المرابحات الشهيرة، بدأ منتج الإجارة يشهد رواجا كبيرا خصوصا في إصدارات الصكوك. فهذه الإصدارات قد نمت في السعودية لتحتل نحو 23 في المئة من إجمالي الصكوك المصدرة في العالم خلال الأعوام الثلاثة الماضية. وبدورها، تحتل هيكلية الإجارة أكثر من نصف الصكوك المصدرة في المملكة. ويُعرف أن المؤسسات السعودية الخاصة متعطشة للسيولة بفضل التوسع الكبير الذي شهدته في الفترة الماضية، وخير دليل على ذلك شركة سابك. كما أن حكومة المملكة قد أطلقت عشرات المشاريع الجريئة لتنمية البلاد قيمتها وصلت إلى نحو 400 مليار دولار. لذا من المتوقع استمرار نمو إصدارات السندات الموافقة للشريعة خصوصا حسب هيكلة الإجارة بفضل سهولتها وانتشارها.
2 - لبنان: إجارة السيارات المنتهية بالتملك
برهن لبنان أنه ملاذ آمن من الأزمة المالية العالمية. فقد توقع صندوق النقد الدولي أن يشهد الاقتصاد اللبناني نموا قد يصل إلى 6 في المئة عام 2009 على الرغم من ضعف النمو في دول العالم. كما أن جميع البنوك اللبنانية أعلنت عن نمو في أرباحها لعام 2008، وتكاد تداعيات الأزمة عليها لا تذكر، بفضل صرامة النظام المطبق من قبل مصرف لبنان (البنك المركزي). وقد استقبلت هذه المصارف مبالغ طائلة على شكل ودائع قدرت قيمتها بثمانية مليارات دولار منذ بداية الأزمة، بعد هروبها من الأسواق العربية والعالمية. ويملك القطاع المصرفي اللبناني أقل معدل قروض مقابل ودائع في المنطقة، ما يسمح بتطوير أدوات جديدة للتسهيلات الائتمانية. ومن هذه الأدوات منتج الإجارة الذي ينتهي بالتملك. وتعتبر الصناعة المالية الإسلامية جديدة في البلاد، لذا قد تكون الفرص متوافرة بكثرة، خصوصا أن المجتمع اللبناني مجتمع استهلاكي بامتياز. فإطلاق منتج مثل إجارة السيارات والمعدات في بيروت قد يكون مجديا للغاية، خصوصا أن قبضة البنك المركزي تعد قوية على الإقراض المصرفي، ما سيفتح بابا جديدا أمام المستهلكين اللبنانيين.
3 - ماليزيا: الساحة واسعة أمام صناديق الإجارة
بدأت ماليزيا في تطوير سوقها المالي بقوة منذ عام 2005 عندما حولت بورصتها لشركة مساهمة وأدرجتها في 18 مارس من العام المذكور. وتضم هذه البورصة اليوم سوقا للأسهم وسوقا للمشتقات وسوقا للأوفشور.
وبهدف جذب الأموال، أطلقت بورصة ماليزيا (Bursa Malaysia) مبادرات عدة منها تحرير مشاركة المستثمرين الأجانب، ما سمح لغير المقيمين الاستثمار في الأوراق المالية عبر الحصول على تمويل من البنوك التجارية والإسلامية المحلية، بالعملة الماليزية أو حتى بالعملات الأجنبية. ويذكر أنه خلال 10 أعوام مضت حتى النصف الأول من 2008، نما عدد الشركات المدرجة في بورصة ماليزيا 239 في المئة من 291 إلى 986 شركة. وتحتل الأوراق المالية الموافقة للشريعة 62.5 في المئة من إجمالي القيمة السوقية البالغة أكثر من 200 مليار دولار. وعلى الرغم من أن ماليزيا تعتبر أكبر حاضن للصناديق الإسلامية في العالم مع احتلالها 22 في المئة من إجمالي الصناديق الموافقة للشريعة، إلا أن صناديق الإجارة فيها لا تتعدى الـ4 في المئة من الإجمالي. وهذا ما يشير إلى إمكانية تطور منتج صناديق الإجارة بقوة في بلد يشجع على الأدوات المالية الإسلامية من دون منازع. ومع السماح بإدراج الصناديق في البورصة، وتوافر السيولة في البنوك الماليزية، يصبح مجديا إطلاق صناديق إجارة موافقة للشريعة شرط توفير طاقم محترف لإدارتها.
4 - باكستان: استغلال الفرص في القطاع المصرفي
كانت باكستان من أولى الدول في العالم التي تبنت نظاما ماليا موافقا للشريعة. فأسلمة النظام المالي والمصرفي في البلاد بدأت منذ سبعينات القرن الماضي. لكن مراحل التطوير مرت بصعوبات وتحديات عدة. أما اليوم، فتتمتع باكستان بقوانين مقبولة في هذا المجال، خصوصا مع إنشاء البنك المركزي قسما يراقب سياسة الموافقة للشريعة، وإنشاء الحكومة لدائرة قضائية تهتم بالنزاعات في هذا المجال. وتعتبر البنوك الباكستانية من أكثر القطاعات نموا في الأسواق الناشئة، ويضم هذا القطاع حاليا 6 بنوك إسلامية إلى جانب 12 بنكا تقليديا تملك فروعا تقدم خدمات موافقة للشريعة. ويشجع البنك المركزي الباكستاني (State Bank of Pakistan) بقوة على تطوير الصناعة المالية الإسلامية في البلاد التي يعتبرها أهم أولوياته. وقد سبق أن أقر قوانين جديدة تسمح للقطاع الخاص بتأسيس بنوك إسلامية. ومنح أول رخصة لبنك إسلامي تجاري في عام 2002م لبنك ميزان، الذي بدأ ممارسة نشاطه في العام نفسه.
إلى ذلك، أطلق المركزي أخيرا دليلا حول الخدمات الموافقة للشريعة، مركزا على الإجارة. ويبدو أن فكرة إنشاء بنك للإجارة قد تصبح مجدية في بلد يسعى لتطوير التشريعات المالية فيه، ويشجع بقوة الاستثمارات الأجنبية، ويضم ملايين المستهلكين الأوفياء للنظام المالي الإسلامي.
5 - اليابان: تسهيلات جديدة تهم الصناعة الإسلامية
في الوقت الذي بدأت فيه الدول الغربية تطوير أنظمتها المالية لتسمح بإنشاء أدوات مالية إسلامية، يبدو أن اليابان ليست استثناء في هذا المجال. ففي بلد لا يضم إلا 60 ألف مسلم من أصل حجم سكان وصل إلى 127.5 مليون نسمة، يبدو أن الدولة عازمة على الاستفادة من أموال الدول الشرق أوسطية، خصوصا دول مجلس التعاون الخليجي. وقد أصدرت شركات يابانية عدة، منها تويوتا وميتسوبيشي، صكوكا إسلامية لجذب البترودولارات الآتية من دول الخليج. وكان لافتا في الأشهر الماضية تنظيم أحد البنوك القيادية في اليابان إطلاق صكوك إجارة لمصلحة مشروع سعودي ضخم. كما تعاون بنك بوبيان الإسلامي الكويتي مع شركة أطلس وشركائه اليابانية لشراء 3 مبان تجارية في طوكيو بقيمة 40 مليون دولار.
وتدرس هيئة الخدمات المالية اليابانية حاليا سبل تطوير الصناعة المالية الإسلامية في البلاد على خطى بريطانيا. وتسعى السلطات التشريعية لإقرار قوانين تسهل إطلاق الخدمات الموافقة للشريعة. وكان بنك نومورا الياباني حصل على موافقة هيئة الأوراق المالية في ماليزيا لإطلاق بنك استثماري إسلامي هناك.
وفي ظل هذه البيئة، يبدو أن إصدارات الصكوك هي الأسرع نموا بين الخدمات الإسلامية في طوكيو. وتعتبر صكوك الإجارة الأسهل بالنسبة للثقافة المالية اليابانية، كما أن الشركات هناك متعطشة للسيولة والتمويل بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية، وتبدو الفرص مجدية في هذا المجال.
6 - المملكة المتحدة: الباب مفتوح أمام التكافل
تسعى لندن لتكون عاصمة الصناعة المالية الإسلامية في الغرب لتكمل الخدمات المقدمة في هذا القطاع من قبل ماليزيا وإيران والسعودية ودول مجلس التعاون الخليجي. وقد صُنفت المملكة المتحدة، من خلال مسح أجرته مجلة ذي بانكر لأكبر 500 مؤسسة مالية إسلامية، في المرتبة التاسعة عالميا من حيث حجم الأصول المدارة فيها وفق الشريعة. وبلغ حجم هذه الأصول 10 مليارات دولار، معظمها يديرها بنك إتش اس بي سي- أمانة. وبالإجمال، تضم بريطانيا 6 مؤسسات مالية إسلامية من بينها بنك «غيت هاوس الكويتي» و«بيت التمويل الأوروبي القطري». ويقدم نحو 25 بنكا خدمات موافقة للشريعة. كما يدير 9 مديرو استثمار 10 صناديق إسلامية تعمل في المملكة المتحدة. غير أن سوق التكافل يعتبر في مرحلة مبكرة من التطور، فشركة «برينسبيل إنشورينس» (Principle Insurrance)، المرخصة في عام 2008 من السلطات المالية البريطانية، هي أول شركة تأمين تكافلي مستقلة في المملكة المتحدة. وقد شهدت العاصمة لندن مؤتمرات عالمية للتكافل بهدف تشجيع هذا المفهوم في البلاد، كما تفتح السلطات الباب واسعا أمام الحصول على رخص في هذا المجال. وبالإضافة إلى فرص التكافل، تعتبر لندن سوقا ناميا لرهونات التجزئة وخدمات الإجارة. يذكر أن برامج تعليم وتدريب مختلفة في الصناعة المالية الإسلامية أطلقتها أخيرا معاهد وجامعات وكليات بريطانية كثيرة لتوفير موارد بشرية متخصصة وتسهيل الأمور على المستثمرين في هذا القطاع.
7 - أميركا الشمالية: أسواق غير مكتشفة بعد
تخبئ دول أميركا الشمالية، خصوصا الولايات المتحدة، فرصا لا تعد ولا تحصى للصناعة المالية الإسلامية. وقد تكون الفترة الحالية وقتا مناسبا جدا لتأسيس شركات وإطلاق خدمات موافقة للشريعة، في ظل الأزمة الراهنة التي كان وراؤها الأدوات المالية المعقدة والتي تأخذ الفائدة أساسا لها. فحتى نهاية تسعينات القرن الماضي، لم يكن التمويل الإسلامي معروفا كثيرا في أميركا الشمالية، حتى أطلقت شركة داو جونز مؤشرات وخدمات تساعد المسلمين على الاستثمار في أسواق المال الأميركية. ومع انطلاق أول مؤشر لداو جونز للسوق الإسلامي في فبراير 1999م (اليوم يضم داو جونز 70 مؤشرا إسلاميا)، انطلقت عجلة تأسيس الصناديق الموافقة للشريعة التي تستخدم هذه المؤشرات كركيزة لعملها. لذا تطور السوق الإسلامي في أميركا الشمالية على مبدأ النوعية قبل الكمية. والآن حان وقت إطلاق الخدمات الكمية، مرافقة لحملات التسويق والتوعية في صفوف المسلمين الأميركيين. فخلال العامين الماضيين، بدأت وسائل الإعلام المناطقية المختلفة تناول الصناعة المالية الإسلامية، مساعدةً على بناء ثقة المستهلك وتطوير ثقافته. وبالفعل، بدأت السلطات الأميركية والكندية دراسة تشريعات تشجع على إطلاق الخدمات الإسلامية. ومن بين هذه الخدمات، التي سبق أن أطلقت، ما هو متعلق بتمويل الأعمال الصغيرة وإدارة الأصول والصناديق والودائع والإدخار. لكن شركات قليلة جدا تقدم هذه الأدوات الموافقة للشريعة فقط. فهو جزء من عملها الذي توفر معه خدمات تقليدية أيضا. وتشير المعلومات إلى أن المجتمعات المسلمة في كندا والولايات المتحدة متعطشة للخدمات المالية الموافقة للشريعة. ومعروف أن شعوب أميركا الشمالية هي شعوب استهلاكية بامتياز، لذا يبدو من المجدي استغلال فرص خدمات التجزئة مثل إجارة السيارات والمعدات والعقارات المنتهية بالتملك، أو حتى تأجير الطائرات والسفن التي هي نوع من تمويل تبدو الشركات الأميركية بأمس الحاجة إليه في ظل أزمة شح سيولة خانقة.
إلى ذلك، تنصح «سبائك» المستثمرين، عند استغلال هذه الفرص حول العالم، بالاستعانة بإدارة مخاطر حصيفة، خصوصا في أوقات الأزمات التي تمر بها دول العالم، حيث الأسواق المتقلبة والانكماش في الاستهلاك. ومن المفيد التذكير بضرورة دراسة الإجراءات القانونية والتشريعية والرقابية في أي دولة من الدول قبل الدخول في أي استثمار كان. ويبقى الابتكار أساسٌ صلب لنجاح أي خدمة أو أداة مالية تطلق حول العالم.
ومن أسهل هذه الأدوات، الإجارة التي تعتبر تمويلا للمستهلك كما للتاجر؛ فقد شرع الإسلام الإجارة ليسهّل على الناس الحصول على أشياء لا يملكونها، فيستأجر الإنسان بيتًا ليسكن فيه إن لم يستطع شراءه، أو يستأجر سيارة ليسافر بها إن كان لا يستطيع شراء سيارة وهكذا.
وفي الختام، يتوقع تقرير «سبائك» أن تدفع الأزمة المالية العالمية إلى تطوير النظام الإسلامي وتحسين بنيته التحتية التشريعية والثقافية بعد أن أظهر مرونة أكبر في التعامل مع الصدمات الاقتصادية ما فعل نظيره التقليدي.