د. عبداللطيف الصريخ / زاوية مستقيمة / عصر «الديجيتال» وقلة الاحترام!

1 يناير 1970 03:17 ص
نسمع كثيراً عن «الديجيتال» في إعلانات لأجهزة معينة من «ريسيفرات» وكاميرات وهواتف وغيرها، كما أن الأطفال يعرفون تماماً قصص وحكايات «أبطال الديجيتال»، وحتى المسرحيات غزتها موجة «الديجيتال»، فكانت عنوان إحدى المسرحيات!
هل أصبحت تكنولوجيا «الديجيتال» المكون الرئيسي لحياتنا فلا نستطيع عنها فكاكاً؟ وهل انعكس ذلك على سلوكياتنا وتصرفاتنا؟ قبل الإجابة عن السؤالين السابقين أريد إيضاح معنى «الديجيتال».
في السابق كنا نستخدم الموجات التماثلية «الأنالوغ» لنقل والتقاط البث التلفزيوني، والتي مازلنا نستخدمها في البث الإذاعي، وكذلك في بث القنوات التلفزيونية الأرضية فقط. الفرق بينهما أنك تلاحظ أن نظام «الأنالوغ» يلتقط الموجات، ولعلها تكون واضحة تماماً، أو فيها شيء من التشويش، ويمكن أن يزيد هذا التشويش أو ينقص، ولربما تختفي الصورة أحياناً، بينما نجد أن هذا الشيء غير موجود مع نظام «الديجيتال»، فإما وضوح تام للصورة، وإما اختفاء تام لها بسبب الـ «Bad Signal».
فتكنولوجيا «الديجيتال» لها حالان: إما وضوح وإما عدم وضوح، إما أن هناك إشارة وإما لا يوجد إشارة، بمعنى آخر وحسب لغة المتخصصين فهي لغة الـ (صفر، 1)، ولا وجود لحالات بينية بين الحالتين، كما هو موجود في الموجات التماثلية «الأنالوغ».
هناك البعض من الناس تأثر في تكنولوجيا «الديجيتال»، فلا حلول وسطى لديه، فهناك موقفان يجب أن يقفهما: إما مع وإما ضد، وكل من يقف مع الضد فهو ضد، هكذا هي حياته، وهكذا هو سلوكه!
الحياة يا سادة ليست بهذا المنطق، فإن كان مفهوم «الديجيتال» يصلح كتكنولوجيا في عالم المادة، فهو لا يصلح كمفهوم في عالم البشر على الإطلاق. وبالطبع هناك استثناء ليس هذا مجال شرحه، ولعلنا نتطرق إليه في ما بعد.
عندما يختلف شخص من نوعية «الديجيتال» مع آخر، نجده يفجر في الخصومة، فلا يرى في خصمه أي خير أو فائدة، أو بمعنى أدق فهو لا يستطيع، بل لعله لا يريد أن يرى.
الحزبية... التعصب... الشللية... التطرف... المذهبية... أنواع من حالات الاستقطاب التي تفرخ شخصيات من نوع «الديجيتال»، وانتشارها يعزز ذلك المفهوم. المشكلة أن تلك الاستقطابات كلها تبحث عن زعامة وسلطة، وبالتالي قوة على أرض الواقع، وحتى تصل إلى مبتغاها فهي تغرس في عقول أتباعها مفهوم «الديجيتال»: المع والضد، الصديق والعدو، الدماء الزرقاء (وفي الحقيقة لا أعلم ما لون الدماء الأخرى) ولكنني أعتقد أنها حمراء كالعادة!
نجدهم عندما يختلفون مع الآخر فهم على الضد تماماً، حتى وإن قال الآخر كلاماً صحيحاً ومنطقياً، فهم يرفضونه.
آهٍ على زمان «الأنالوغ»، آهٍ على الرجال الأوائل، آهٍ على الكبار بالفعل لا بالكلام! الذين إذا اختلفوا مع غيرهم لم يغلظوا بالقول، ولم يتهموهم زوراً وبهتاناً من دون دليل أو برهان، ثم يحتمون بالدستور. إنهم يحتمون بالحصانة الدستورية، ويتمترسون خلفها، ويبدأون بقذف الآخرين وسبهم علناً، ولا يراعون في ذلك ديناً ولا خلقاً، ولا حتى وطنية!
إنني أسألكم من أجل هذه الأرض قليلاً من الاحترام والذوق والأدب من أجل أجيالنا القادمة، فيكفيهم كرتون «أبطال الديجيتال»، ولا تكونوا مسلسلاً آخر من النوعية نفسها!
في الأفق:
عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع»، أخرجه مسلم.


د. عبداللطيف الصريخ
مستشار في التنمية البشرية
[email protected]