تعلمنا شيئاً ما من الفلسطينيين

1 يناير 1970 02:26 م
شعور بالفرصة الضائعة الكبيرة يبدأ في الاشتعال في النفوس. شعوراً يقول انه لو طال عمر الحكومة المغادرة قليلاً لبدت الأمور بصورة مغايرة تماماً. مثلاً لو أن ايهود اولمرت لم يهتم بالفساد لبقي في منصبه، ولأمكن في هذه الحالة دفع الحوار مع سورية بسرعة أكبر. ولو أن ليفني كانت أكثر انتباهاً لاستطعنا الرقص معاً في قاعات الرقص في رام الله. لأنه في أميركا الآن رئيس أميركي مستعد، بل ويفعل، لتحريك العلاقات بينه وبين سورية. ولديه أيضاً رئيسة وزراء تبدو مصممة جداً عندما نقول عبارة «الدولتين لشعبين» لدرجة يبدو فيها أنه لا يوجد سبيل آخر. ولكننا نحن على ما يبدو مثل الفلسطينيين نعرف بالضبط متى نضيع الفرصة السانحة. عندما نضجت أميركا أخيراً وضعنا أمامها افيغدور ليبرمان ونتنياهو كدرع واق يحول دون تقدم أي مبادرة.
ولكن بينما تتمرس اسرائيل تمضي المنطقة في جدول أعمالها الخاص. قبالة عيوننا يتبلور تحالف استراتيجي جديداً. أطرافه هم: ايران، سورية، تركيا والعراق. هذا تحالف تمسك روسيا بأوراقه بينما تسعى الولايات المتحدة، التي اكتفت في حقبة جورج بوش بموقف المشاهد، الانضمام الى الطاولة. التقسيم المريح بين دول عربية «معتدلة» وأخرى «متطرفة» لم يعد قابلاً للاستخدام. قطر الصديقة تحولت الى حليفة لسورية، والسعودية التي سجلت اختراع «المبادرة» العربية ترسل وزير خارجيتها سعود الفيصل الى دمشق. سورية تخطط مع ايران والعراق وتركيا لاقامة شبكة كهرباء موحدة. في الوقت الذي تعتبر فيه طهران عدوة العرب. لحظة العرب؟ بالطبع باستثناء قطر، والسودان، والعراق، وسورية. النظام القديم الذي اعتقدت اسرائيل أنها قادرة على ادارته قد تحطم وانهار. الأخيار والأشرار يتبادلون الأدوار ويجرون دول الغرب في أعقابهم.
من هو الحليف ومن الخصم، ومن الأعمى تحديداً؟ واشنطن التي لا ترى من أين يندلع الارهاب أم اسرائيل التي ما زالت تركز اهتمامها على اقفال بوابات غزة، واحصاء كمية السكر والأسمنت والحديد التي تدخل الى القطاع، أم الولايات المتحدة التي تحاول تبني طرق عمل جديدة في مواجهة التهديد الايراني واقتراح التحالف على روسيا، أو اسرائيل التي تنبش في قضية نجاعة شراء المنظومة المضادة للصواريخ من أميركا، أو في المقابل انتاج صاروخ اسرائيلي يكلف مليون دولار ضد صواريخ «القسام»؟ وأي انجاز سجلته اسرائيل لنفسها، الولايات المتحدة اشترطت ارسال التبرعات لاعمار غزة باطلاق سراح جلعاد شليت. وان لم تقم أميركا بارسال المال؟ كم سيتبقى للاعمار: 5.5 مليار ناقص 900 مليون وهذا ضعف ما تحتاجه غزة أصلاً.
وماذا سيحدث ان تم تطبيق المصالحة بين «فتح» و«حماس» وشكل العدوان حكومة وحدة تبدأ الدول الاوروبية باجراء الحوار معها، وتوقيع العقود، ودعوة ممثليها لزيارة عواصمها؟ فبريطانيا كما نعلم مستعدة لخوض حوار مع «حزب الله». صحيح أنها تحصر ذلك في الجناح السياسي من الحزب (وكأن الفصل بين الأجنحة ممكن). وماذا عن «حماس»؟ سيجدون لها مفاوضاً اوروبياً عما قريب.
ومن هو الذي لا يفهم ما يحدث هنا؟ الدول الغربية التي سئمت الصراع بين اسرائيل والفلسطينيين، أم اسرائيل التي تسوي حساباتها مع من يقاطع مؤسساتها الأكاديمية، وتصب غضبها على من ينتقص ويقلل من تعريفات عدوها؟
ولكن ها هي فرصة أخرى للصحوة تأخذ في الاقتراب. فرصة لطرح رؤية مغايرة ورفع راية جديدة. بعد ثلاثة أسابيع سيعقد في قطر مؤتمر القمة العربية، الذي يعتبر طقوساً فارغة عادة، الا أنه حدد مجريات الواقع مرتين. في المرة الأولى كان ذلك في الخرطوم في عام 1967 عندما اطلقت اللاءات الثلاث ضد اسرائيل (لا صلح، لا تفاوض، لا استسلام) وفي المرة الثانية كان ذلك في بيروت مع اطلاق مبادرة (2002) التي تقترح معانقة اسرائيل. خلال (33) عاماً تغيرت الرؤية الاستراتيجية العربية وبامكانها أن تتغير مرة أخرى. بامكانها أن تتغير في هذا الشهر مرة أخرى ان بادرت اسرائيل لطرح رؤية جديدة واضحة. ولكن من الأفضل لنا ألا نلتقط أنفاسنا فقد تعلمنا جيداً كيف نضيع الفرص... هذا ما يحدث لك عندما تعيش مع الفلسطينيين لفترة طويلة جداً.
تسفي بارئيل
«هآرتس»