حكومــة بيبرمـــان
1 يناير 1970
02:31 م
عضو الكنيست جمال زحالقة تعرّف على أفيغدور ليبرمان عندما كانا يدرسان في الجامعة العبرية أواخر السبعينيات. ليبرمان كان حامل أغراض تساحي هانغبي، الذي كان قائد اليمين في الجامعة. هذه كانت فترة عنيفة حافلة بالشجارات بين الطلاب اليهود ونظرائهم العرب. زحالقة الذي كان يدرس الصيدلة (اليوم يحمل لقب الدكتوراة في الصيدلة) كان شريكاً نشطاً في تلك الجلبة. هو يقول إن صورة ليبرمان المخيفة مضللة: عندما كانوا يبدأون بالضرب فعلاً كان ليبرمان يفر من المكان.
يظهر من هذا الرأي الذي عبر عنه زحالقة أن ليبرمان أبعد من أن يكون الأزعر العنيف الذي تشتق من مسلكياته الخطط الاستراتيجية. زعرنته تبدأ بالكلمات وتنتهي عندها. رغم أنه إسرائيلي مخضرم يعيش هنا منذ 31 عاماً - أكثر من غالبية الإسرائيليين - ورغم أنه خاض مسيرة سياسية جميلة في المؤسسة الإسرائيلية وجمع الأموال بالطرق التي جمعها بها إسرائيليون مخضرمون من قبله، إلا أنه مازال يسعى إلى إثبات شيء ما لمن هم أكثر منه قدماً. هو يستمد رضاه وإشباعه من قيامه بأعمال مقصودة وعن سبق إصرار.
هذا جوهر المطلب الذي طرحه عندما طلب الحصول على الوزارات كلها التي تتولى تطبيق القانون وتعيين البروفيسور داني فريدمان وزيراً للعدل. خصومه في الجهاز السياسي على قناعة أنه يسعى من خلال هذه الطريقة إلى إخافة الشرطيين والنواب العامين والقضاة الذين سيبحثون في قضايا الفساد التي اتهم بها. ربما أنا أعتقد أن ليبرمان يتمتع من رؤية أشخاص محترمين متعلمين، وهم يفقدون اتزانهم أمام مطالبه. وفي هذه الأثناء من شدة الجدال على فريدمان يقبل الجميع باستسلام تعينه وزيراً للخارجية الذي هو تعيين لا يخلو من الإشكالية من زوايا عدة.
وزير محكمة العدل العليا أهارون باراك نفى الأسبوع الماضي أنه توجه مباشرة لإيهود باراك وعرض عليه إدخال حزبه إلى حكومة نتنياهو شريطة ألا يكون فريدمان وزيراً للعدل. كلام فاضي. قال باراك لم يحدث أمر كهذا أبداً.
ولكن إيهود باراك قال إن شخصاً ثالثاً جاء إليه، وقال له إن هذا ما يطلبه باراك وقادة المحكمة العليا الآخرين. هذا الشخص جاء في هيئة رسول. باراك اعتقد أن هذه المبادرة مشروع، هو اعتبرها ذريعة مريحة لانضمامه إلى حكومة اليمين.
قضاة المحكمة العليا المتقاعدون تدخلوا فيما لا يعنيهم، هم يقولون رأيهم علانية أمام كل مكبر صوت يُتاح لهم. هم يفعلون ذلك خارقين قواعدهم الأخلاقية إن لم يكن نصاً فروحاً. ليس من المفترض بالقضاة المتقاعدين أن يتدخلوا في السياسة أو تشكيل الائتلاف أو تعيين وزراء العدل أو إقالتهم. هم يتهمون فريدمان بهدم مكانة الجهاز القضائي في إسرائيل. الحقيقة هي أنهم أضروا الجهاز القضائي في حربهم التي خاضوها ضد فريدمان أكثر من الضرر الذي لحق بهذا الجهاز في أي وقت من الأوقات.
هناك خطوط حمراء كثيرة تم اجتيازها في هذه الحرب. تم استخدام صحافيين ورجال قانون وشخصيات عامة بطرق ليست بطرق. قيلت أمور كان من المحظور أن تُقال. أهارون باراك الذي أسهم إسهاماً مهماً في الحفاظ على حرية الراي والجدل في إسرائيل لم يقبل بالآراء الأخرى التي اعتقد أنها تتعلق بوجود محكمته. بشارة الليبرالية والانفتاح والتسامح خرجت من مقر القضاء في القدس، ولكنها لم تصل إليه.
فريدمان تابع الصراع الدائر في شأن بقائه في منصبه بصمت مسل. ولو كنت مكانه لتنازلت عن التعيين، ولكنني لست مكانه. مثل ليبرمان وأهارون باراك مع الفوارق، فريدمان هو شخص يفعل عكس ما يراد منه. هم يريدون أن يوجهوا إليه ضربة فيعيد لهم.
القيثارة الثالثة
في لحظة الحقيقة كشف إيهود باراك أنه ليس سياسياً. الأصدقاء يقولون له فلتوضح الرسالة يا باراك ولتقل اليوم أمراً، وفي الأسبوع المقبل عكسه، المهم أن تتحدث بوضوح، أما باراك فغارق في أموره، إذ إنه لا يوضح رسائله ولا يأخذ برأي الآخرين.
في صبيحة يوم الانتخابات قال باراك إن الناخب أرسل حزبه إلى صفوف المعارضة. هذه كانت مقولة واضحة جداً. هي لم ترتكز على الفشل الفادح في الانتخابات وإنما أيضاً على حسابات رياضية بسيطة. «الليكود» والمتدينون و«حزب العمل» يبلغون معاً 59 عضو كنيست. نتنياهو بحاجة إلى ليبرمان أو للاتحاد الوطني حتى يحقق الغالبية. إن لم يكن «حزب العمل» قادراً على العيش في حكومة مع هذين الحزبين فليس له مكان في حكومة نتنياهو.
نتنياهو أيضاً يعرف الحساب. لذلك لم يكن بامكانه إن يعد باراك بشيء باستثناء تعيينه وزيراً للدفاع.
رغم ذلك، شرع باراك في مباحثات مع نتنياهو، وقال له في المحادثة الأولى إن وجهه يسير شطر المعارضة. في المحادثة الثانية لم يقل. في كتلة «حزب العمل» اشتبهوا بوجود مؤامرة. أما باراك فاعتقد بأنهم أُصيبوا بعقدة الشك. «أنا أطلب منك أن تعلمنا بما يحدث»، قال له بوغي هرتسوغ. باراك رد عليه قائلاً: «أنا لا أعلمكم لأنه لا يوجد ما يتوجب أن أعلمكم به».
ولكنهم سمعوا توضيحاته ورأوا لغة الجسد ففهموا. باراك متحرق للدخول إلى الحكومة. هم وزعوا ما بقي من كتلتهم باثنين. باراك واثنان حتى ثلاثة وزراء الذين يأملون بالبقاء في الحكومة يتحركون بدوافع شخصية ومن الناحية الأخرى كل من تبقى. الجانبان هنا يتحركان بدوافع شخصية، كما قال باراك. هو يطالبهم بألا يفكروا بأنفسهم وأن يخوضوا حواراً حقيقاً معاً.
عندما يقول باراك «حواراً حقيقاً» هو يقصد فترة انتظار تقف خلالها كتلته المنرفزة جانباً، ومن بعد هذه القترة سيعود من عند نتنياهو مع اقتراح يكون في نظره جذاباً لينعقد مركز الحزب أو مؤتمره ويصوت.
عندما سمع أن شيلي يحيموفيتش تتدعي أنه قد عرض عليها أن تكون وزيرة للتجارة والصناعة في حكومة نتنياهو وأنها رفضت الاقتراح رد بكلمة واحدة: «هذيان».
باراك محق في مسالة واحدة. هناك اعتبارات شخصية لدى الجانبين مثلما تعتبر الحكومة مريحة لباراك وسمحون وفؤاد، فالمعارضة مريحة لأوفير بينس وشيلي يحيموفيتش. عمير بينس وبوغي هرتسوغ يوجهان أعينهما إلى منصب رئيس الحزب. هما سيجدان صعوبة في إقالة باراك عندما يكون وزيراً للدفاع.
باراك اقتبس أمامهم مقولة رابين القديمة. ليست لدينا دولة احتياطية. عندما قال رابين ذلك كان لدى «حزب العمل» نحو 40 مقعداً برلمانياً. مع 13 مقعداً يصبح الحديث عن الدولة مغامرة مبالغاً فيها. «حزب العمل» لا يمتلك الاحتياط فقط وإنما السيارة الوزارية أيضاً.
باراك اقترح على نتنياهو مواجهة ليبرمان. إن تغلبت على هذا الجهاز ومنعته من الحصول على وزارة العدل أو وزارة الأمن الداخلي سنبدأ بالتحدث. هو افترض أنهما إن تحدثا فسيكون من الممكن الحصول على تمثيل مفرط لـ«حزب العمل» من نتنياهو في الحكومة والمجلس الوزراي المصغر. نتنياهو لم يكن مستعداً لقول كلمة نعم، لأنه يعرف الحساب.
رغم ذلك باراك لم يتنازل. قال لرفاقه ماذا هل نتنياهو مجذوم ومارق؟ لقد تحدثت مع أعداء إسرائيل ومع قتلة جنودي، فلماذا لا أتحدث مع بيبي؟
أن تكون في الحكومة ليس صورة في القصر وليس مسالة لا يمكن تجاوزها وليس عملاً غريباً، قال لرفاقه. لو كنا المعارضة الرئيسة أصلاً لنهضنا من هناك وخضنا المنافسة على القيادة، ولكن أن تكون قيثارة ثانية في المعارضة ليس أفضل من أن تكون قيثارة ثالثة في الحكومة.
رفاقه يدعون أنه يفعل الأمور المريحة له وأنه يريد الديوان والمكانة حتى إن أدت هذه الخطوة إلى إبادة «حزب العمل» نهائياً. هو قلب عبارتهم وعكسها: ليس هو وإنما هم الذين لا يتحملون المصاعب. هو استخدم في ذلك عبارة قديمة من عهد وحدة الأركان الخاصة: من يصعب عليه فليصبح حارساً للبوابة.
«ألبوم» النصر
عملية «الرصاص المصهور» في غزة جاءت لاستعادة صورة الردع الإسرائيلي في مواجهة «حماس» وفرض قواعد لعبة جديدة في الجنوب. ولكنها فشلت فشلاً ذريعاً في تحقيق هذين الهدفين لشدة الأسف. «حماس» لم تصبح أكثر ليونة ولم تخف، وتهريب السلاح تم استئنافه وإطلاق الصواريخ مازال مستمراً. مواطنو غزة يعتبرون الآن في نظر العالم ضحية للانتقام الإسرائيلي. الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يضغطون لفتح المعابر ويجمعون الأموال لإعمار ما تم تدميره. ومصر تعمل على إقامة حكومة وحدة فلسطينية، هذه الخطوة التي قد تكون جيدة لإسرائيل على المدى الطويل، ولكنها تنذر بالسوء على المدى القصير.
بكلمتين اثنتين: أكلناها. حقيقة إن إجماعاً وطنياً قد تبلور في شأن هذه الخطوة من أقصى اليمين حتى ميرتس، تزيد من الإحباط. ليس هناك إخفاق عسكري للتشبث به أو فضيحة يمكن استخدامها كعلاقة. «لجنة فينوغراد» لن تتشكل في هذه الحال، ولو تشكلت لن يكون أمامها من تتهمه. الكل أو لا شي.
في الأسبوع الماضي وصلني العدد الجديد من «في البرية» التي يصدرها ذراع قوات البرية في الجيش الإسرائيلي. هذا عدد خاص أريد منه الاحتفال بالنصر الذي لم يكن في عملية «الرصاص المصهور». ورق العدد ورق ذو نوعية جيدة والصور ملونة. قائد ذراع البرية اللواء آفي مزرحاي يطل علينا من غلاف العدد وما إلى ذلك من التزويقات والتلوينات وروائع الأمور وسحر الطائرات بلا طيار وجاذبية المحتل ومدفعياته.
«22 يوماً من المعارك، وستة عشر يوماً من القتال البري» تتفاخر هذه المجلة، وكأن معركة واحدة حتى قد حصلت في غزة، وكأنه يمكننا أن نقول إنه كان هناك قتال.
في متحف الحرب في القاهرة يمكنك أن تجد تفصيلاً لإنجازات الجيش المصري في حرب يوم الغفران. الجيش المنتصر يجتاز القناة ويحتل المعاقل ويقود الجنود الإسرائيليين إلى الأسر. أما ما حدث بعد ذلك فلا توجد كلمة واحدة حوله. ولو تلميح حتى. يبدو أن أحداً ما في الجيش الإسرائيلي يصر على الانخراط في الشرق الأوسط.
أميركا أخرى
سفير إسرائيل في واشنطن سالي مريدور رافق وزيرة الخارجية الجديدة هيلاري كلينتون في زيارتها للبلاد الأسبوع الماضي. هو استغل الزيارة حتى يعلم أولمرت وليفني ونتنياهو شخصياً أنه عائد إلى البيت. مريدور هو أول من يستقيل إثر تبدل الحكم في إسرائيل. وفي هذا قدر غير قليل من السخرية.
هو يقول إن إسرائيل ستواجه واشنطن أخرى الآن. الحديث عن الحلف الأبدي مع إسرائيل سيكون دافئاً مثل الماضي، ولكن شيئاً جذرياً سيتغير في سلم الأولويات ومشاعر البطن والأجواء العامة. في عهد بوش كان عبء البرهنة عن ذلك ملقى على كاهل الجانب العربي. أما في عهد أوباما فسيلقى العبء بدرجة كبيرة على رئيس وزراء إسرائيل.
هناك مفارقة تاريخية غير قليلة في المنظومات السياسية. في الوقت الذي يميل فيه الناخب الأميركي إلى اليسار ينحرف الناخب الإسرائيلي يميناً. بعد الانتخابات في البلاد نصح سياسيان بارزان نتنياهو بأن يقول لتسيبي ليفني إنه يقبل خارطة الطريق. في هذه الطريقة ستربح: إما أن تنضم إلى حكومتك وإما أنك ستكشف زيفها. نتنياهو رفض، إذ إنه خشي من أن يتفكك حلفه مع اليمين.
نتنياهو لا يستطيع أن يتوجه لأوباما، وهو مسلح بكاتسالا من الاتحاد الوطني. ما رفض أن يقوله هنا سيتوجب عليه أن يقوله هناك. وما هذه إلا البداية.
حكاية عاطفية
الرئيسان الأميركيان الأخيران كلينتون وبوش منحا قادة حكومة إسرائيل مساعدة سخية وإلى جانبها تأييد جارف. هما سمحا لهم بأن يشعروا أنهم في بيوتهم عندما يحلون على البيت الأبيض. كلينتون كان ومازال كبير المهرة في منح الدفء اللحظي للأجانب الذين يرغب بإرضائهم. عندما وجد رابين صعوبة في وضع ربطة عنقه كانت أيادي كلينتون تمتد إلى هناك ملاطفة وملامسة. وعندما تأخرت طائرة رئيس الوزراء بيريز ذات مرة بسبب عاصفة ثلجية تم إدخال القافلة الإسرائيلية، ومن ضمنها ثلة من الصحافيين إلى البيت الأبيض مندفعين في مواجهة رجال الشرطة المذهولين.
جورج بوش تعامل مع أولمرت مثلما تعامل كلينتون مع رابين. هو قام بإصعاده إلى الطابق الثاني حيث المساكن، وتحدث معه هناك على انفراد وكأنهما تربيا معاً على مذهب جابوتنسكي. في إحدى المقالات التي نشرت هنا كتب أن أولمرت أطول من بوش. أحدهم ترجم للرئيس هذه الجملة فقرر القيام باختبار للطول: أوقف أولمرت إلى جانبه وحرص على أن يلتقط الصحافيون صورة لهما.
هذا الدفء الاستعراضي ساحر جداً ومتزلف جداً لدرجة قد يقود فيها نحو التضليل. قضية مونيكا لوينسكي تكشفت في العام 1998، خلال زيارة نتنياهو لواشنطن. نتنياهو جلس مع كلينتون عندما دخل إلى الغرفة أحد ضباط الصحافة في البيت الأبيض وسلّم الرئيس قصاصة ورق. جاء في هذه الورقة أن «الواشنطن بوست» ستنشر الحكاية خلال ساعات قلائل. كلينتون طلب من نتنياهو استراحة قصيرة، وبعد الاستراحة استأنف المحادثة من دون أن يقول له كلمة عما يشغل باله فعلاً.
هذا كله معروف. الأمر غير المعروف أنه في الطريق إلى الطائرة قال نتنياهو لأحد المرافقين الأميركيين إنه يريد الاتصال بالرئيس فوراً. «أنا أنوي أن اقول لكلينتون إنني مررت بشيء مشابه، ومن تجربتي أن أعرف أن الأمر ليس فظيعاً جداً، وأنه يمكن التغلب عليه». لكن المسؤول الأميركي أقنع نتنياهو بألا يفعل ذلك.
ناحوم برنياع
«يديعوت أحرونوت»