زين الشامي / «الثامن من مارس»... قصة فشل
1 يناير 1970
03:00 ص
في مثل هذه الأيام من عام 1963، وتحديداً في الثامن من مارس من ذلك العام، وصل «حزب البعث» إلى السلطة في سورية. عملية الوصول لم تكن بيضاء تماماً، فقد سبقها صراع عنيف بين «البعثيين» وخصومهم من «الاشتراكيين» و«الناصريين»، لا بل ان «البعث» ذاته شهد صراعات داخلية أشهرها في فبراير عام 1966 انتهت بإبعاد وسجن عدد من قيادات الحزب التاريخية و«اليسارية»، ولم ينتهِ مسلسل الصراع إلا في عام 1970، حين حصلت «الحركة التصحيحية» وتم وضع صلاح جديد في السجن حتى مماته في أغسطس 1993.
اليوم، وبعد نحو ستة وأربعين عاماً على وجود «البعث» في السلطة، من حق السوريين أن يسألوا الحزب الذي حكمهم هذه الأعوام كلها عن «الإنجازات» الداخلية التي تحققت في مجالات الاقتصاد والتنمية والثقافة والتعليم والحريات، وماذا أنجز أيضاً على المستويين العربي والإقليمي، وقبل ذلك كله ما هي سمعته الدولية اليوم كحزب أو نظام سياسي، وما هي سمعته عربياً بين الأشقاء. ويحق للسوريين أن يسألوا هذا الحزب عن المستقبل، مستقبل سورية وطنهم، ومستقبل أبنائهم طالما بقي هذا الحزب مصراً على «قيادة الدولة والمجتمع».
إن مجرد محاولة القيام بجردة حساب موضوعية على مستوى «الإنجازات» الداخلية التي حققها الحزب سوف تكون مخيبة لكل من يفكر في إجرائها. وإنه لأمر محبط أن نفكر وننظر حولنا كسوريين فلا نجد شيئاً يستحق أن نفاخر به بين الدول والشعوب والأمم العظيمة، ولن نقول إسرائيل، لأن ذلك سيبكينا ويؤلمنا.
فعلى مستوى التعليم، جميعنا يعرف الظروف البائسة التي يعيشها أطفالنا في مدارسهم حيث يحشر نحو 40 إلى 50 تلميذاً في صف دراسي واحد في بعض مدارس العاصمة دمشق، ولن نتحدث عن الفساد في الجامعات، ولا عن تغلغل المؤسسات الأمنية والاستخبارية فيها، بل يكفي التذكير بأنه وبعد 46 عاماً من حكم «البعث» ووجوده في السلطة، صار مستوى ترتيب جامعة دمشق، حسب تصنيف «ويبوماتريكس» الإسباني لعام 2008 المركز 72 عربياً و7299 عالمياً، فيما احتلت الجامعة العبرية في إسرائيل المركز الأول على مستوى الشرق الأوسط وترتيبها العالمي 145!
طبعاً هذا دون الحديث عن مستوى الخريجين الجامعيين، أو مستوى الكادر التدريسي الذي حصل على شهاداته من جامعات الدول «الحليفة والصديقة»، أو الاشتراكية سابقاً، وهي جامعات غنية عن التعريف لناحية المستوى التعليمي، وغنية عن التعريف لناحية سمعة شهاداتها التي كانت تباع وتشترى بأثمان بخسة.
المشهد لا يختلف كثيراً في بقية القطاعات، خصوصاً على مستوى القضاء الذي ينخره الفساد وتدخلات المؤسسات الأمنية، فقصص وحكايات وأحكام «محكمة أمن الدولة» هي أشهر من نار على علم، فمنها خرجت تلك الأحكام كلها بالسجن لأعوام طوال بحق الناشطين السوريين الذين طالبوا بالحريات والديموقراطية والإصلاح السياسي وعلاقات ديبلوماسية وندية مع لبنان.
وعلى مستوى الإعلام، مازالت الدولة التي يحكمها حزب «البعث» تسيطر على الصحافة والبث الإذاعي والتلفزيوني. ورغم أنها سمحت في الآونة الأخيرة ببعض المطبوعات الحزبية و«المستقلة»، إلا أنها في مجملها كانت تدور في فلك السلطة والحكومة. ونتيجة لهذه المناخات غير المشجعة، لم يسمح لأول محطة فضائية خاصة من البث من داخل سورية، وهي قناة «شام» الفضائية، أما الفضائية الأخرى «المشرق»، فقد فضل القائمون عليها البث من إمارة دبي في الإمارات العربية المتحدة حتى لا يصيبهم ما أصاب قناة «شام». كذلك فإن حال المواقع الإلكترونية لا يختلف كثيراً، ففي العامين الماضيين تم حجب مئات من المواقع الإلكترونية عن السوريين وتم إغلاق العديد من المواقع المختصة في الشأن السوري ما عدا موقعين أو ثلاثة يدورون في فلك السلطة، أو يعملون لخدمتها.
أما على مستوى الاقتصاد والتنمية، فإن المشهد يبدو أكثر سوداوية مع ازدياد جيش العاطلين عن العمل، إذ يقدم القطاعان العام والخاص أو القطاع المشترك سنوياً نحو 90 ألف فرصة عمل فقط من أصل 300 ألف يدخلون سنوياً سوق العمل السورية، حسب إحصاءات مستقلة. لذلك ليس غريباً أن يصبح نحو ثلث السوريين، وربما أكثر، تحت مستوى خط الفقر.
وقبل ذلك كله، أو قبل لغة الأرقام، وبعد 46 عاماً من حكم «حزب البعث»، مازالت هضبة الجولان السورية محتلة من قبل إسرائيل. والإنجاز الوحيد الذي سجله «البعث» على هذه الجبهة، ربما يكون الهدوء المريب لا شيء غيره.
وعلى المستوى العربي، وبعد 46 عاماً من حكم الحزب «القومي والعروبي» جداً، خاصمت دمشق «البعثية» أكثر من نصف العرب وخاصموها، مفضلة عليهم تحالفاً مريباً مع إيران المتوثبة أبداً والمتطلعة دائماً إلى موطئ قدم في البلاد العربية، كما أن دمشق «البعثية»، دقت إسفيناً عميقاً وحفرت جرحاً عميقاً بين الشعبين اللبناني والسوري، وبين أفراد الشعب اللبناني أنفسهم، بسبب سياساتها الوصائية الباطشة والفاسدة أيضاً، فكان هناك دائماً أكثر من لبنان، وانقسم اللبنانيون بين لبنانيين «انعزاليين» أو «مشبوهين» أو «استقلاليين»، وما بين لبنانيين «عروبيين» أو «سوريين»، وإلى اليوم مازالوا كذلك.
فلسطينياً، وكما كان عهده، سعى «حزب البعث»، بفرعه السوري، إلى الاستحواذ دائماً والتدخل «الإجباري» بين الأشقاء الفلسطينيين، فكانت هناك دائماً منظمات وتنظيمات وفصائل، أو بالأحرى، بنادق معدة للإيجار، موجهة إلى صدر الشقيق قبل «العدو».
على المستوى الدولي، وبعد 46 عاماً مع «البعث»، مازالت لنا علاقات طيبة مع إيران، كوبا، كوريا الشمالية، فنزويلا، والأحزاب الاشتراكية كلها التي لم تنقرض في أميركا اللاتينية وأفريقيا وأوروبا الشرقية وآسيا.
زين الشامي
كاتب سوري