د. يعقوب أحمد الشراح / صدى الكلمة / نجاح التعليم

1 يناير 1970 02:36 ص
التنمية البشرية ركن أساسي لميادين التنمية العامة كلها، لدرجة أنه يستحيل تحقيق هذه التنمية في أي مجتمع من دون أن يكون الناس قلب التغيير، والنمو، والتطور... هذه البديهة لا تحتاج الى اثبات ما دام الذي يصنع التنمية، ويقودها، ويتحكم في دفتها هو الإنسان... لذلك تضع الأمم المتقدمة جل عنايتها بالإنسان، وتوفر له كل السبل، والدعم لكي يكون متمكناً، وقادراً على إحداث تغييرات مهمة، ومطلوبة تساير حياته في حاضره، ومستقبله. التعليم ركن أساسي للتنمية البشرية لأنه يقدم ما يحتاجه الفرد، والدولة من مهارات، ومعارف، واتجاهات مناسبة، ومنذ الاعوام الأولى من عمر الفرد. والتعليم لا يعني أي تعليم قد يحدث في الاسرة والمجتمع، وانما لابد أن يكون تعليماً نظامياً يسير على أساس أهداف ومرامٍ، ويضع التنمية البشرية في قلب هذه الأهداف.
التعليم الناجح هو ذلك التعليم الذي يعتني بالفرد على نحو محصن بالعلم النافع، والتمكن، والتكيف، والاستعداد لمواجهة التحديات، وخلق التنمية العامة التي تستفيد منها الدولة في اطار الاستدامة التي يجني منافعها الأجيال... أما التعليم الذي لا يحقق هذه الأهداف فإنه تعليم نظامي فاشل، فيه الضياع، والهدر، والتخلف.
لكن كيف لنا أن نعرف اجرائياً نجاح أو فشل التعليم؟ المسألة لا تحتاج إلى عناء جهد وموهبة لتحديد الفرق بين النجاح والفشل، الدارس لواقع حال التعليم في الدول المتطورة يرى كيفية استثمار التعليم لصالح الدولة، وهذا الرقي وباستخدام أدوات ووسائل كثيرة يمكن قياس نوعية مخرجاته، ومستواه، وواقعه، ومدى مناسبته لاحتياجات المجتمع. هذه الادوات القياسية والتقويمية تعطينا دلالات قياسية صحيحة، ودقيقة، وبالتالي يمكن تحديد وجهة التعليم، ونوعيته، وجودته. والتقويم هو الصدى الذي يجعل أصحاب الاختصاص ينادون بين فترة وأخرى في أن التعليم في خطر، أو أن التعليم يحتاج الى التغيير لأنه لا يناسب احتياجات المجتمع، ولا يتماشى مع المتغيرات في العالم... أو أن التعليم لا يتصف بالجودة، فما فائدة التعليم الذي يساهم في زيادة البطالة، وما النفع الذي يأتي من التعليم بينما مخرجاته ضعيفة في مستواها العلمي، والمهاري، والمهني؟
وما لم يكن نجاح أو فشل التعليم مرتبط بالقياس، والتقويم فإن الافتاء والتخمين فيه مضيعة للوقت وهدر للجهد، وقد يكون اساءة للنظام التعليمي لأن البعض يسعى لخلق الاشاعات، أو الكلام حول فشل او نجاح التعليم من المنظور الشخصي، أو بالاعتماد على الحدس، والتخيل، والاستماع، والجهل بالمعرفة، ونقل الأقاويل، وليس الاعتماد على الحقائق.
لذلك قياس نجاح التعليم على خط الأهداف والتوجهات هو الطريق السليم لتحديد حاضر ومستقبل التعليم... ونحن بحاجة ماسة الى هذا القياس العلمي الذي تتبعه الدول المتقدمة بين فترة وأخرى في تشخيص واقعها التعليمي، ومدى مناسبة التعليم للناس، والتنمية. فعندما يتوافر ميزان العرض والطلب، والارتباط بين المدخلات والمخرجات، وتحديد احتياجاتنا المستقبلية فإنه من السهل تحديد الواقع ومشكلاته الأساسية التي تؤثر في تنمية البلاد، ودور التعليم في هذا التأثير، والسعي لتطوير التعليم وفق معايير التطوير، وليس على أساس الشعارات والتمنيات.


د. يعقوب أحمد الشراح
كاتب كويتي
[email protected]