«آخر ملكات مصر»... آخر الإصدارات الغربية التاريخية عن امرأة مازالت قصتها مثيرة للجدل

كليوباترا لم تنتحر... والحقيقة ضائعة

1 يناير 1970 09:02 م
| تعريب - عمرو علي زين العابدين |
تحاول البريطانية جويس تيلديسلي في كتابها «كليوباترا... آخر ملكات مصر» تتبع قصة ملكة مصر التي حيكت في شأنها الكثير من الأساطير. لكن ثمة اكتشافات تكشف وجوهاً خفية لحقيقة كليوباترا.
تيلديسي في كتابها الصادر عن «بايسك بوكز» الأميركية اعتمدت على المخطوطات المصرية القديمة في بحثها عن قصة حياة كليوباترا وكانت أقل اعتماداً على الآثار الرومانية، لأنها رأت أنها ستكون أقل مصداقية، خصوصاً بعد انتصار عدوها أوكتافيوس.
وفي عرضها للكتاب في «النيويورك تايمز» تشير ماري بيرد الى أنه «لم يمط اللثام الا القليل عن أحد أهم الاكتشافات الرومانية التي تمت خلال الخمسة عشر عاماً الماضية. الاكتشاف الذي كشف عنه النقاب في شمال اليونان هو عبارة عن أثر شيّد احتفالاً بالنصر في معركة أكتيوم البحرية التي جرت عام 31 قبل الميلاد بين أوكتافيوس (الذي أصبح بعدها الامبراطور أغسطس) من جهة، ومارك أنتوني وعشيقته وداعمته الاقتصادية الملكة كليوباترا السابعة ملكة مصر على الجانب الآخر. ذلك النصر الذي جعل أوكتافيوس يمسك بزمام أمور الامبراطورية الرومانية، وأنهى بذلك عقداً من الحروب الأهلية التي تلت اغتيال يوليوس قيصر. وبعد هذه المعركة اندحر أنتوني وكليوباترا - المطالبين بالحكم - على اثرها عائدين الى الاسكندرية عاصمة مصر وقتها. وهذا التذكار العريض لتلك المعركة يعتبر من الأعمال الفنية الرئيسية للحقبة الرومانية وضمت لوحات وآثاراً لشرفات وأعمدة وتماثيل وأيضاً مذبحاً كبيراً مغطى بالرخام، فهذه الآثار كانت احتفالاً بمقدم العصر الأغوسطي الجديد. وكانت تلك الآثار منتصبة على ثلة بارزة تشرف على موقع المعركة وتحديداً - وفق ما قيل - فوق البقعة التي نصبت فوقها خيمة أوكتافيوس خارج مدينته الجديدة التي سميت نيكوبوليس (مدينة النصر)».
وتقول بيرد: «ذلك الموقع الأثري كان معروفاً منذ أوائل القرن التاسع عشر، ومنذ ذلك الحين وعمليات التنقيب تجرى في الموقع بشكل متقطع. حتى ظهرت ملامح واجهة ذلك الهيكل الأثري في ثمانينات القرن العشرين وبشكل تفصيلي، ووجد بالموقع تلك الكباش البرونزية التي كانت توضع في مقدمة السفن الحربية القديمة وتم نزعها عن السفن الحربية لجيش أنتوني وكليوباترا. وكان الغرض من عرض تلك القطع في مقدمة الآثار التباهي بنصر أوكتافيوس القوي وتحذير كل من تسوّل له نفسه مناطحة حكمه. ورغم هذه الاكتشافات، الا أن أهمها لم يظهر الا في عقد التسعينات. وكانت عبارة عن حطام المنحوتات مصنوعة من أنقى أنواع الرخام الأثيني التي افترشت المذبح (كانت تحيطه بمسافة تزيد على 50 ياردة)».
وتضيف: «المنحوتات وجدت مبعثرة بين أكثر من 15 ألف قطعة تم جمعها تدريجياً واعادة تركيبها بواسطة فريق يقوده عالم الآثار كونسطنتينوس زاخوس الذي أظهر أن المنحوتات كانت موزعة على نسقين سفلي ويُظهر مجموعة موضوعات رومانية قياسية مثل صور الأسلحة والدروع مرتبة بطريقة فنية لتبدو وكأنها سقطت عشوائياً. أما النسق العلوي فهو كشف أكثر اثارة، يضاهي في أهميته (مذبح السلام) أو (منتدى أغسطس) وكلاهما موجود في روما. ذلك النسق كان عبارة عن رسم لمسيرة الانتصار التي جرت في روما في عام 29 قبل الميلاد احتفالاً بالنصر الأوكتافي. الأجزاء التي أمكن انقاذها تصوّر مجموعة من الرومان في مقدمة المسيرة اضافة الى عدد قليل بدوا وكأنهم أسرى حرب يحملون الوجوه، وهي مجموعة أعمدة كانت ترمز الى السلطة الرومانية الرسمية».
وتتابع: «لحسن الحظ فقد كان المنظر المركزي للمشهد مازال باقياً، وهو عبارة عن صورة لعربة النصر التي تخص أوكتافيوس، وكانت مزخرفة بعناية وبعجلات كبيرة تسحبها خيول أربعة. والجزء السفلي فقط للامبراطور هو ما بقي وكانت ذراعه ممدودة حاملة أكليل الغار، وأمامه صورة مصغرة لطفلين صبي وفتاة. لكن من دون اشارة واضحة عنهما. لكن زاخوس الخبير بالآثار وبناء على الشكل الظاهري للفتاة ومقارنتها بباقي اللوحات عرّف الطفلين على أنهما توأم أنتوني وكليوباترا البالغان من العمر أعواماً عشرة، وهما ألكسندر هيلويس وكليوباترا سيلين».
وتلفت بيرد الى أن «الفكرة بدت أكبر بكثير من مجرد عرض طفلي أنتوني وكليوباترا كأسرى للعدو (فلم يكن الرومان - بعد ذلك كله - قد صادقوا على عرض أبناء أنتوني كأسرى حرب وهو عضو في مجلس الشيوخ الروماني). الفكرة أن أوكتافيوس اختار بأن يشاركه الطفلان عربته، ورغم أنهما ظهرا كأسرى، لكنهما ظهرا في الوقت نفسه تحت رعاية الامبراطور الجديد كنوع من روح المصالحة. لكن ما ينطوي عليه ذلك الكشف الأثري المهم - الذي مثّل أيضاً دليلاً على الانجاز الهائل في عمليات التنقيب على الآثار وعمليات التحري التاريخي - يثير أنواع التفسيرات والقضايا كافة، فمثلاً نظرية تحديد زاخوس للطفلين على العربة بدت خاطئة على الغالب، اذ كان الكتّاب الرومان يذكرون تقليد اصطحاب الأطفال في عربة النصر، وهم غالباً من الأقارب المقربين. وقد عزز هذا الرأي المؤرخ القديم سيتونيوس الذي ذكر أن مسيرة احتفال أوكتافيوس بالنصر عام 29 قبل الميلاد كان معه ابن أخيه مارسيلوس وابنه بالتبني تيبريوس، وقد امتطيا صهوة حصان العربة تاركين مكاناً في الخلف لابنه أوكتافيوس جوليا، والأخ الاصغر لتيبريوس واسمه دروسوس وكلاهما في التاسعة من العمر».
وتشير بيرد الى أن «بعض العلماء المعاصرين - ومن بينهم تيلديسلي - شككوا في مسألة موت الملكة وليس فقط في مدى فعالية عضة الثعبان للانتحار (الطريقة التي اختارتها وفقاً للتقاليد وقتها)، اذ شككوا أيضاً بأن أوكتافيوس أراد كليوباترا أن تكون من غنائم الحرب، لأن أوكتافيوس أدرك أن كليوباترا حية ستكون أكثر ازعاجاً له من كونها ميتة ما يوحي بأن قصة انتحارها ربما تكون غطاء لمقتلها، ولن نعرف أبداً أين الحقيقة. لكن ربما كان لأوكتافيوس سبب وجيه لجعل بداية حكمه من عام 31 قبل الميلاد (بدلاً من العام الذي يليه) وتوجيه انتباه العامة نحو معركة بحرية، بدلاً من تحويلها الى الظروف الضبابية التي أحاطت بموت خصومه».
وتعتبر بيرد أن «السرد التاريخي الذي ساقته تيلديسلي عن حياة كليوباترا مثير للاهتمام ونشط ومتدرج بشكل منطقي، وهي ليست تلك القصة المعهودة لعواطف الحب والرومانسية بين ملكة مصر المذهلة والقادة الرومان الطموحين ذوي السلالة العريقة - سواء كان القائد يوليوس قيصر - أو مارك أنتوني أو أي من عشاقها المفترضين في ذلك العالم. ووفقاً لاحدى الروايات - تبناها شكسبير - فان كليوباترا نفسها كانت قد أغوت غريم يوليوس قيصر القديم بومبي العظيم، تماماً كما فعلت مع ابنه بوليوس لاحقاً، وان صح ذلك فان ذلك يعني أنها أقامت علاقة مع جميع اللاعبين الكبار تقريباً على الساحة الرومانية خلال فترة الحروب الأهلية في منتصف القرن الأول قبل الميلاد. وبدا أن هدف تيلديسلي الرئيسي في هذا الكتاب محصور في جانب معين، وهو تسليط الضوء على كليوباترا في سياق ليس فقط ضمن النفوذ الروماني والحرب الأهلية، لكن أيضاً في سياق المجتمع المصري والسلالة البطلمية الاغريقية الحاكمة التي حكمت البلاد لنحو 300 عام تقريباً منذ فتوحات الاسكندر الأكبر. وكانت كليوباترا وقتها تستخدم لقبها الملكي وكانت آخر ملكات العصر البطليموسي في العقود المتهاوية لتلك السلالة الحاكمة. أما مدينة الاسكندرية العاصمة البطلمية لمصر فقد طبقت شهرتها الآفاق بسبب مكانتها الثقافية العالية وعلومها ومستوى التعليم فيها، كانت مدينة مكتبة الاسكندرية الشهيرة ومدينة الشعراء ثيوقراطس وكاليماشوس».
وتؤكد بيرد أن «تيلديسلي تحاول أن تثبت لنا بالدليل القاطع بأنه في القرن الأخير من الحكم البطلمي - بغض النظر عن المستوى الثقافي - كانت مصر وقتها واقعة تحت تأثير الحكم الديكتاتوري. وكانت المعيشة على قمة ذلك الهرم فيها مخاطرة التعرض الى القتل. وكانت كليوباترا وقتها في حرب مفتوحة مع أخيها بطليموس الثالث عشر الذي غرق في النيل أثناء هربه من يوليوس قيصر - الذي كان وقتها من حلفاء كليوباترا. أما أخت كليوباترا أرسنيو - التي أيدت أخاها بطليموس الثالث عشر - فقد أسرها قيصر وعرضها من ضمن أسراه في مسيرة نصره عام 46 قبل الميلاد وبعدها تركها تعيش في معبد أرتيميس في ايفيسوس حتى عام 41 قبل الميلاد عندما قتلتها كليوباترا وأنتوني على عتبات ذلك المعبد».
وتوضح بيرد أن «تيلديسلي اجتهدت كثيراً في البحث عن الآثار التي وردت في المخطوطات المصرية القديمة عن قصة حياة كليوباترا وكانت أقل اعتماداً على الآثار الرومانية - لأنها رأت أنها ستكون أقل مصداقية - خصوصاً بعد انتصار عدوها أوكتافيوس وما تلاه من دعاية مضادة لها ولعشيقها الولهان مارك أنتوني. وتلك الدعاية صورتهما وكأنهما في صحف التابلويد البريطانية الساخرة. لهذا كانت المؤلفة تشكك في صحة الروايات اليونانية والرومانية عن حياة الشريكين. وعندما لجأت تيلديسلي الى المخطوطات المصرية بحثاً عن سيرة حياة كليوباترا - أو لأنتوني - وجدت أنه من المحال سرد قصة عن أي منهما دون الاعتماد على المواد التي تتعرض الى حال العداء بينهما وبين أوكتافيوس - وهذا الجانب غزير بالتفاصيل وأقل انحيازاً وكان يسلط الضوء على الصراعات التي كانت جارية خلال تلك الفترة من التاريخ المتوسطي ودور النساء خلاله عندما نحوّل انتباهنا لمن كانوا يقفون خلف الصفوف الأمامية، بعيداً عن حملة البروباغاندا التي تلت انتصار أوكتافيوس في الحرب وضحايا تلك الحملة الضارية».