أين تذهب قاعدة «الربحية في فترة معينة ملك لمن يساهم أثناءها»؟
مودعو البنوك الإسلامية يسألون: أليس لنا من المخصصات نصيب؟


|كتب رضا السناري|
وقف «أبو عبدالله» امام بنك اسلامي محلي يضع فيه كل ما لديه من فوائض مالية،ما بين ودائع مطلقة وحسابات توفير، وهو يضع يده اليمنى في جيبه مهمهما بعبارت غير مفهومة للمارة، بالطبع وحده هو يعلم معناها. ففي مثل هذه الايام تقريبا كان يحرص ابو عبدالله على مراجعة بيانه الحسابي في بنكه الاسلامي، ليصفق كما اعتاد سنويا وهو يرى بعينيه رقما يفوق جميع عوائد البنوك الاخرى في الشارع نفسه.
تنهد ابو عبد الله وهو يتذكر هذه المحطات «وجه الخير عليه» واحدة تلو الاخرى، فارباحه في العام 2007 مقابل ودائعه التي يحافظ عليها منذ سنوات طويلة، كانت تقارب 8.6 في المئة، في حين ان الارقام الجديدة للعام 2008 تقارب 4.6 في المئة، وهو ما يعني انه خسر في العام الماضي نصف ما حققه من ارباح من خلال ايداعه في البنك مقارنة بـ 2007، رغم ان نسبة ايداعه زادت عن الفترة الاولى، فهو من المودعين طويلي الاجل. فما السبب وراء هذا التراجع الحاد، هل البنك الكبير خسر في العام الماضي؟
بالطبع يعرف ابو عبدالله الاجابة مسبقا، فبنكه الكبير لم يخسر، بل بالعكس حافظ على ادائه المتميز، وينتظره مزيد من التقدم، والانتشار، وهو ما يعني ان ارباحه لم تتراجع، وبمراجعة سريعة للاحداث تذكر ابو عبدالله قرار زيادة المخصصات، الذي لجأت إليه جميع البنوك في مواجهة الأزمة المالية العالمية وتداعياتها على سوق الكويت للاوراق المالية.
يتوجه أبو عبد الله الملتزم دينيا، ومعه آخرون، إلى هيئة الفتوى والتشريع ليسأل حول مدى شرعية ان يقوم البنك الاسلامي بزيادة المخصصات، وهي من اجمالي الارباح، فمن المتعارف عليه ان مكونات توزيعتها تشمل المساهم والمودع، علما بان البعض قد يضطرون وهم مودعو طويلو الآجل إلى التخلي عن استمرارهم في البنك نظرا لظروف خارجة عن اراداتهم، كما انه في حال انتفاء الاعتبارات المالية الحالية يكون السؤال عن ما حكم حق توزيعة أموال المخصصات، هل ستقتصر فقط على المساهم أم انها ستشمل من خرج من مودعي البنك قبل حسابات 2009 يا مالك؟
لنسرد القصة من البداية، ابو عبدالله مودع طويل الآجل في بنك اسلامي، مطمئن على سبل استثمار امواله سنويا، وهو يرى ان بنكه ينمو يمينا ويسارا في خطوات مدروسة، ومقابل ذلك بات من عادات هذا البنك ان يمنح مودعيه ارباحا سنويا تتضمن توزيعات نقدية مجزية لا يضاهيه بنك اخر فيها، لكن ياصديقي احيانا تأتي الرياح بما لا تشتهي سفن المودعين.
فنظرا للظروف المالية العالمية وتداعياتها على سوق الكويت للاوراق المالية اضطر محافظ بنك الكويت المركزي الشيخ سالم عبد العزيز الصباح إلى حض البنوك لرفع مخصصاتها من باب التحوط امام قسوة 2009، حسبما ذهب بعض المصرفيين إلى وصفه.
امام ذلك لم يجد ابو عبد الله ورفاقه الذين رفضوا فكرة ان مودعا جديدا من الممكن ان يأخذ ثمرة امواله عن اداء البنك في الفترة الماضية، لمجرد ان اضطرتهم الظروف إلى التخارج، خصوصا اذا تغيرت الظروف، وذاب معها ثليج الأزمة، وتحولت المخصصات إلى ارباح.
ابو عبدالله مودع منذ سنوات، وكل عام يأخذ عوائد امواله وهو راض عليها، فمن المفترض ان الربحية التي تحقق في فترة زمنية معينة هى ملك من يساهم في هذه الفترة، فليس من المقبول ان يأتي مودع جديد بعد تخارج نظيره القديم نظرا لظروف قهرية، ويأخذ حقه عن امواله في البنك طوال الفترة السابقة، فما دام هو من ابناء البنك حكما، يعتقد ان حق على البنك ان يعطيه نصيبه شرعا عن الفترات جميعها التي طالت فيها فترة بقاء امواله، مثله في ذلك مثل المساهم.
بالطبع الفكرة ليست جديدة على مسامع اهل الفتوى والتشريع في البنك، الا ان اهميتها، انها لم تطرح من قبل أو بمعنى اخر لم يتم تداولها بين عموم المودعين، منذ انتشار فكر الصيرفة الاسلامية في الكويت، خصوصا وان هذا القطاع يحقق ارباحا عاما تلو الاخر من دون اي حاجة إلى زيادة المخصصات، اما وان الظروف تبدلت والسنوات العجاف بدأت، فجائز شرعا السؤال.
لكن لأهل الفتوى في البنك الاسلامي رأي آخر قالوه لابو عبد الله واصدقائه. «ان رفع سقف المخصصات حق في يد البنك، وهو اجراء واجب النفاذ في حال رأى مجلس الادارة ان فيه تدعيما لرأس المال، وبالطبع لم يكن هذا الشطر مفاجئا لابو عبدالله ورفاقه، حيث الاستغراب جاء مع الشطر الثاني من السؤال والاجابة عليه، وهو تأكيد «الفتوى والتشريع» على عدم احقية المودع المتخارج، من اي اموال يمكن ان توزع في حال استقرت الاحوال وتحولت المخصصات المرصودة في البنك إلى ارباح في الفترة المقبلة.
ولتوضيح هذه الاشكالية يشير مسؤولون من الفتوى والتشريع وكذلك ماليون في بنوك اسلامية إلى عبارة «الهندسة المالية» في الصيرفة الاسلامية، حيث ان فن صياغة المدخلات المالية جاء لتلبية حاجات وميول مستخدمي الأموال فيما يخص المجازفة وفترة الاستحقاق والعائد. وقد أصبحت الأسواق المالية أكثر تعقيدا وتنافسا. ولاستغلال مناخ السوق الذى يتغير بسرعة، ولمواجهة المنافسة المتزايدة تصبح الحيطة والحذر جزءا من الهندسة المالية المطلوب تحقيقها.
وفي ضوء مبادئ المصلحة والاستحسان، فإن من المستحسن انتهاج «منهج الحاجة» إلى التحوط بالنسبة للهندسة المالية خصوصا وان كانت المؤشرات المالية العالمية تدعو إلى زيادة الاهتمام بالحرص في مواجهة تداعيات الازمة المالية العالمية، فالندبات الاقتصادية توزعت على الجميع، والدواء يحتاج إلى وقت لتطهير الجرح، ومن ثم من الافضل ماليا وشرعيا الاحتياط بمزيد من الاموال إلى الفترة المقبلة، حتى لا يخسر الجميع.
واعتبر المسؤلون انه وفقا للشريعة، يأتي الحفاظ على مصلحة الجماعة في منزلة اهم من الحفاظ على مصلحة الفرد في حالة التخيير، فالجائز ان يراعي البنك مستقبل نحو 600 الف مودع على سبيل المثال ، مقابل ضرر مودع واحد، ففي الأزمات ليس من المنطق ان توزع ارباح، على حساب الاحتياط بمزيد من الاموال للفترات المقبلة، ولذلك ان تزيد البنوك الاسلامية مخصصصاتها مقابل خفض سقف ارباحها جائز من الناحية الشرعية والمالية.
اما فكرة ان لكل مودع الحق فيما حققه البنك خلال فترة ايداعه بما يوازي حصته فهذا امر غير مقبول، لا سيما وانه من باب الشفافية والعدالة ان يأخذ المساهم حصته بقدر حجم مخاطرته، فلا يمكن المراهنة على ان المساهم الجديد سيأخذ هذه المخصصات مئة في المئة، فكما ان المودع المتخارج لن يستفيد من المخصصات في حال تحولها إلى ارباح بعد ان تهدأ الامور، من الممكن ان تطول فترة العاصفة وتتآكل المخصصات او حتى يخرج المودع الجديد من دون ان ينتظر ان تهدأ العاصفة.
وما دامت كل هذه الخيارات واردة فمن باب اولى ان يأخذ المودع الجديد وكذلك المساهم قيمة مخاطرته من الارباح، كما ان الايداع في الكيانات المالية يتعين ان تكون استراتيجية من حيث المدة، وان كانت كذلك بالطبع سيكون خيار التخارج حتى في حالات الاضطرار هو الاخير، بعكس مودع المحطة الذي ينتظر وسيلة النقل المناسبة للانتقال من سهم إلى اخر.
وقف «أبو عبدالله» امام بنك اسلامي محلي يضع فيه كل ما لديه من فوائض مالية،ما بين ودائع مطلقة وحسابات توفير، وهو يضع يده اليمنى في جيبه مهمهما بعبارت غير مفهومة للمارة، بالطبع وحده هو يعلم معناها. ففي مثل هذه الايام تقريبا كان يحرص ابو عبدالله على مراجعة بيانه الحسابي في بنكه الاسلامي، ليصفق كما اعتاد سنويا وهو يرى بعينيه رقما يفوق جميع عوائد البنوك الاخرى في الشارع نفسه.
تنهد ابو عبد الله وهو يتذكر هذه المحطات «وجه الخير عليه» واحدة تلو الاخرى، فارباحه في العام 2007 مقابل ودائعه التي يحافظ عليها منذ سنوات طويلة، كانت تقارب 8.6 في المئة، في حين ان الارقام الجديدة للعام 2008 تقارب 4.6 في المئة، وهو ما يعني انه خسر في العام الماضي نصف ما حققه من ارباح من خلال ايداعه في البنك مقارنة بـ 2007، رغم ان نسبة ايداعه زادت عن الفترة الاولى، فهو من المودعين طويلي الاجل. فما السبب وراء هذا التراجع الحاد، هل البنك الكبير خسر في العام الماضي؟
بالطبع يعرف ابو عبدالله الاجابة مسبقا، فبنكه الكبير لم يخسر، بل بالعكس حافظ على ادائه المتميز، وينتظره مزيد من التقدم، والانتشار، وهو ما يعني ان ارباحه لم تتراجع، وبمراجعة سريعة للاحداث تذكر ابو عبدالله قرار زيادة المخصصات، الذي لجأت إليه جميع البنوك في مواجهة الأزمة المالية العالمية وتداعياتها على سوق الكويت للاوراق المالية.
يتوجه أبو عبد الله الملتزم دينيا، ومعه آخرون، إلى هيئة الفتوى والتشريع ليسأل حول مدى شرعية ان يقوم البنك الاسلامي بزيادة المخصصات، وهي من اجمالي الارباح، فمن المتعارف عليه ان مكونات توزيعتها تشمل المساهم والمودع، علما بان البعض قد يضطرون وهم مودعو طويلو الآجل إلى التخلي عن استمرارهم في البنك نظرا لظروف خارجة عن اراداتهم، كما انه في حال انتفاء الاعتبارات المالية الحالية يكون السؤال عن ما حكم حق توزيعة أموال المخصصات، هل ستقتصر فقط على المساهم أم انها ستشمل من خرج من مودعي البنك قبل حسابات 2009 يا مالك؟
لنسرد القصة من البداية، ابو عبدالله مودع طويل الآجل في بنك اسلامي، مطمئن على سبل استثمار امواله سنويا، وهو يرى ان بنكه ينمو يمينا ويسارا في خطوات مدروسة، ومقابل ذلك بات من عادات هذا البنك ان يمنح مودعيه ارباحا سنويا تتضمن توزيعات نقدية مجزية لا يضاهيه بنك اخر فيها، لكن ياصديقي احيانا تأتي الرياح بما لا تشتهي سفن المودعين.
فنظرا للظروف المالية العالمية وتداعياتها على سوق الكويت للاوراق المالية اضطر محافظ بنك الكويت المركزي الشيخ سالم عبد العزيز الصباح إلى حض البنوك لرفع مخصصاتها من باب التحوط امام قسوة 2009، حسبما ذهب بعض المصرفيين إلى وصفه.
امام ذلك لم يجد ابو عبد الله ورفاقه الذين رفضوا فكرة ان مودعا جديدا من الممكن ان يأخذ ثمرة امواله عن اداء البنك في الفترة الماضية، لمجرد ان اضطرتهم الظروف إلى التخارج، خصوصا اذا تغيرت الظروف، وذاب معها ثليج الأزمة، وتحولت المخصصات إلى ارباح.
ابو عبدالله مودع منذ سنوات، وكل عام يأخذ عوائد امواله وهو راض عليها، فمن المفترض ان الربحية التي تحقق في فترة زمنية معينة هى ملك من يساهم في هذه الفترة، فليس من المقبول ان يأتي مودع جديد بعد تخارج نظيره القديم نظرا لظروف قهرية، ويأخذ حقه عن امواله في البنك طوال الفترة السابقة، فما دام هو من ابناء البنك حكما، يعتقد ان حق على البنك ان يعطيه نصيبه شرعا عن الفترات جميعها التي طالت فيها فترة بقاء امواله، مثله في ذلك مثل المساهم.
بالطبع الفكرة ليست جديدة على مسامع اهل الفتوى والتشريع في البنك، الا ان اهميتها، انها لم تطرح من قبل أو بمعنى اخر لم يتم تداولها بين عموم المودعين، منذ انتشار فكر الصيرفة الاسلامية في الكويت، خصوصا وان هذا القطاع يحقق ارباحا عاما تلو الاخر من دون اي حاجة إلى زيادة المخصصات، اما وان الظروف تبدلت والسنوات العجاف بدأت، فجائز شرعا السؤال.
لكن لأهل الفتوى في البنك الاسلامي رأي آخر قالوه لابو عبد الله واصدقائه. «ان رفع سقف المخصصات حق في يد البنك، وهو اجراء واجب النفاذ في حال رأى مجلس الادارة ان فيه تدعيما لرأس المال، وبالطبع لم يكن هذا الشطر مفاجئا لابو عبدالله ورفاقه، حيث الاستغراب جاء مع الشطر الثاني من السؤال والاجابة عليه، وهو تأكيد «الفتوى والتشريع» على عدم احقية المودع المتخارج، من اي اموال يمكن ان توزع في حال استقرت الاحوال وتحولت المخصصات المرصودة في البنك إلى ارباح في الفترة المقبلة.
ولتوضيح هذه الاشكالية يشير مسؤولون من الفتوى والتشريع وكذلك ماليون في بنوك اسلامية إلى عبارة «الهندسة المالية» في الصيرفة الاسلامية، حيث ان فن صياغة المدخلات المالية جاء لتلبية حاجات وميول مستخدمي الأموال فيما يخص المجازفة وفترة الاستحقاق والعائد. وقد أصبحت الأسواق المالية أكثر تعقيدا وتنافسا. ولاستغلال مناخ السوق الذى يتغير بسرعة، ولمواجهة المنافسة المتزايدة تصبح الحيطة والحذر جزءا من الهندسة المالية المطلوب تحقيقها.
وفي ضوء مبادئ المصلحة والاستحسان، فإن من المستحسن انتهاج «منهج الحاجة» إلى التحوط بالنسبة للهندسة المالية خصوصا وان كانت المؤشرات المالية العالمية تدعو إلى زيادة الاهتمام بالحرص في مواجهة تداعيات الازمة المالية العالمية، فالندبات الاقتصادية توزعت على الجميع، والدواء يحتاج إلى وقت لتطهير الجرح، ومن ثم من الافضل ماليا وشرعيا الاحتياط بمزيد من الاموال إلى الفترة المقبلة، حتى لا يخسر الجميع.
واعتبر المسؤلون انه وفقا للشريعة، يأتي الحفاظ على مصلحة الجماعة في منزلة اهم من الحفاظ على مصلحة الفرد في حالة التخيير، فالجائز ان يراعي البنك مستقبل نحو 600 الف مودع على سبيل المثال ، مقابل ضرر مودع واحد، ففي الأزمات ليس من المنطق ان توزع ارباح، على حساب الاحتياط بمزيد من الاموال للفترات المقبلة، ولذلك ان تزيد البنوك الاسلامية مخصصصاتها مقابل خفض سقف ارباحها جائز من الناحية الشرعية والمالية.
اما فكرة ان لكل مودع الحق فيما حققه البنك خلال فترة ايداعه بما يوازي حصته فهذا امر غير مقبول، لا سيما وانه من باب الشفافية والعدالة ان يأخذ المساهم حصته بقدر حجم مخاطرته، فلا يمكن المراهنة على ان المساهم الجديد سيأخذ هذه المخصصات مئة في المئة، فكما ان المودع المتخارج لن يستفيد من المخصصات في حال تحولها إلى ارباح بعد ان تهدأ الامور، من الممكن ان تطول فترة العاصفة وتتآكل المخصصات او حتى يخرج المودع الجديد من دون ان ينتظر ان تهدأ العاصفة.
وما دامت كل هذه الخيارات واردة فمن باب اولى ان يأخذ المودع الجديد وكذلك المساهم قيمة مخاطرته من الارباح، كما ان الايداع في الكيانات المالية يتعين ان تكون استراتيجية من حيث المدة، وان كانت كذلك بالطبع سيكون خيار التخارج حتى في حالات الاضطرار هو الاخير، بعكس مودع المحطة الذي ينتظر وسيلة النقل المناسبة للانتقال من سهم إلى اخر.