للادارة تعريفات كثيرة منها: انها عملية مستمرة من اتخاذ القرارات، ولعل الحياة ينطبق عليها مثل هذا التعريف، ففيها كثير من المواقف التي تحتاج ان نتخذ فيها قرارات، نعم... قد تختلف القرارات من ناحية الاهمية، والنوعية، والتأثير، والأثر، لكنها في النهاية قرارات.
نجد أنفسنا دائما أمام «مفترق طرق»، وهنا تبدأ الحيرة، وعندها يتسلل التردد الى أذهاننا، فمرة نتبنى رأيا، وفجأة ومن دون مقدمات نتبنى الرأي الآخر، ثم نرجع إلى الأول، ويمكن ان نقفز للثالث! وكلما ازدادت الخيارات والبدائل زادت معها الحيرة وتفاقم التردد، وكما يقول المثل: «لا بغيت تحيِّر... خيِّر».
الذي ينهي دراسته ويبحث عن الوظيفة يكون امام «مفترق طرق»... سواء كانت وظيفة حكومية، أو في القطاع الخاص، والذي ينوي اكمال نصف دينه واختيار شريكة حياته يكون امام «مفترق طرق»، هل يختار بنفسه، أم عن طريق الأهل؟ والذي يريد شراء سيارة يتردد لانه امام «مفترق طرق»، فتجده يسأل ويستشير الآخرين عن السيارة الأقل كلفة والأعلى كفاءة، والذي يريد امتلاك بيت العمر يكون امام «مفترق طرق»، هل يقبل ببيت الحكومة، أم ينتظر الارض والقرض، ام يشتري أرضا ويبنيها؟
عندما تقدم الحكومة استقالتها، ويعرضون علي منصبا وزاريا، مثلا، فهنا سأكون أمام «مفترق طرق»، هل اقبل أن اكون وزيرا، بشرط قبول الشرط الوحيد بأن أكون «ملطشة» للجميع من نواب مجلس الأمة، الى كتاب الصحف، الى رموز دينية وناشطين سياسيين (حركات انتخابية بالطبع) الذين بدأوا يزاحمون نواب الأمة في التصريحات، والمؤتمرات الصحافية! أم أرفض الوزارة حفاظا على سمعتي، وسمعة عائلتي؟
لو كنت وزيرا في حكومة كويتية (أسأل الله السلامة) ووجه إليّ استجواب بعد تسلمي للوزارة بشهرين فقط! وبدأ البعض يتسابق على اتهام ضميري، ووطنيتي، وولائي فأنا سأكون أمام «مفترق طرق»، هل اواجه تلك «الحناجر البلاتينية» التي لا تصدأ أبدا، وأرد الصاع صاعين، أم «أبلعها واسكت أحسن لي»؟.
لو تم حل مجلس الامة، وبدأ مسلسل «الترزز» في الصحافة، وتسابق المرشحون لكسب ودي وصوتي في الانتخابات فانني سأقف أمام «مفترق طرق» بل «طرقات» ما هي آلية اختياري لمن يمثلني: القبيلة، العائلة، الحزب، الطائفة، أو الكويت؟
لو ذهبت لاتسلم حصتي في التموين ووجدت الزحمة من دون ترتيب، ولا اماكن انتظار محترمة، فانا امام «مفترق طرق» هل انتظر حالي حال العالم، ام اذهب الى اقرب جمعية تعاونية وكان الله غفورا رحيما؟
عندما تُطرح شركة جديدة للاكتتاب اجد نفسي امام «مفترق طرق» هل اغامر بأموالي، كما غامرت ببعضها سابقا في شركات لا اعرف لها أرضا، ولا سماء الى هذه اللحظة، ام احتفظ بـ «الكاش»؟ حتى لا يتحول الاكتتاب الى اكتئاب.
«مفترقات طرق» كثيرة تواجهنا في حياتنا نقف امامها احيانا من دون القدرة على اتخاذ القرار المناسب، فبعضنا يتسرع، وبعضنا يتمهل، وبعضنا ينسحب، ويغير الطريق حتى لا يواجه تلك المفترقات، ولكن اين تذهب فـ «مفترقات الطرق» أمامك في مراحل ولحظات حياتك كلها، ومن الشجاعة الادبية ان تواجهها بعقل حازم، وموقف حاسم.
في الأفق
الرأي كالليل مسود جوانبه
والليل لا ينجلي إلا بمصباح
فاضمم مصابيح آراء الرجال إلى
مصباح رأيك تزدد ضوء مصباح
د. عبداللطيف محمد الصريخ
مستشار في التنمية البشرية
[email protected]