أي سلام... نريد فعلاً عاصفاً

تصغير
تكبير
النبأ الأهم للأسبوع الماضي مر دون أن يثير الاهتمام. فقد بلغ تسفي برئيل في «هآرتس»، على لسان مصادر تركية رفيعة المستوى بأنه في ديسمبر الماضي أوشك ايهود أولمرت وبشار الأسد على الإعلان عن بدء مفاوضات مباشرة على تسوية بين إسرائيل وسورية. فبعد بضع ساعات من التخاطب الهاتفي، بوساطة رئيس الوزراء التركي أردوغان، كان الطرفان قريبين جداً من اجمال بيان مشترك تعلن فيه إسرائيل عن موافقتها على انسحاب كامل من الجولان مقابل السلام الكامل وترتيبات أمنية. غير ان أولمرت قطع اللقاء، وفور عودته إلى إسرائيل بدأت حملة «رصاص مصهور». الموضوع برمته جُمد، وهذا أيضاً كان الأساس لغضب أردوغان التظاهري على إسرائيل في تالي السياق.
قصة مذهلة، ومذهل أكثر في ذلك أن أحداً في القدس لم يكلف نفسه عناء التطرق اليه، لينفي أو يؤكد. فإذا كان صحيحاً، فإن أولمرت قدم موعد الحملة في غزة، التي رويداً رويداً يتسلل إلى الوعي الإسرائيلي الفهم كم قليلة انجازاتها، على إعلان تاريخي عن مفاوضات مباشرة، وتفاهمات بعيدة الأثر مع الدولة الأهم المحاذية لإسرائيل، والتي لا يزال ليس لنا معها تسوية سياسية. أولمرت، الذي ينشغل في هذه الأيام بإسداء النصائح لتسيبي ليفني. لم يكلف نفسه حتى عناء القول لنا إذا كان هذا صحيحاً.
برئيل هو صحافي مصداق، ولكن يحتمل ألا تكون مصادره دقيقة. الواضح هو أين يقف في هذه اللحظة الرأي العام عندنا: فهو منشغل بقدر أكبر بالمخاوف من قوتنا المتناقضة، مما بفحص متفكر لشؤون الأمن والسياسة على جدول الأعمال. ذات مرة كتبت عن هدر مثل هذه الفرص. أما اليوم فأحد لا يفكر أن هناك حاجة حتى للتأكيد بأن هذا صحيح.
تسوية مع سورية، العلاقات مع تركيا الحليف الاستراتيجي؟ ما هذا أمام الحاجة الملحة لأن نرى أن جيشنا الإسرائيلي لا يزال يعرف كيف يضرب العرب. فهذا، أي الحاجة إلى تبديد الفزع بشأن قدرة العيش، هو الذي أكثر من أي شيء آخر حرك الخطوة البرية في «رصاص مصهور» بعد أسبوع من القصف الذي حقق كل ما كان يمكن تحقيقه. واليوم واضح أن بالذات استمرار القتال، بما في ذلك الدخول من دون احتلال، والخروج دون ترتيب، هما اللذان جعلا الانجازات الحقيقية لإسرائيل هزيلة. نهاية الخطوة توشك على أن تكون اتفاقاً، حتى لو لم يكن مكتوباً فإنه سيعطي شرعية حقيقية لحكم «حماس» في غزة، ويقرب جداً سيطرتها السياسية على يهودا والسامرة.
ولكن ماذا لأولمرت وهذا؟ فهو لا يكلف نفسه عناء القول لنا إذا كانت بالفعل اهدرت محادثات مباشرة مع سورية، فقط كي نضرب أكثر «حماس» وسكان غزة. وكمن يعرف روح قطيعه، فإن ما يشغل باله في هذه اللحظة هو الحاجة إلى عرض العودة المحتملة لجلعاد شاليط كانجاز آخر لاستخدام القوة الإسرائيلية: عملياً، إذا ما عاد شاليط، فإن هذا سيكون لأن إسرائيل ستوافق على شروط الصفقة التي اقترحتها «حماس» قبل اكثر من عام، وأولمرت نفسه رفضها مراراً بدعوى أنها شروط قاسية للغاية. ولكن عندما يعلن رئيس الوزراء بأن: «المعابر في غزة لن تفتح إلى أن يعود شاليط»، فإنه يحاول أن يبيع لنا الوهم، وكأن خطوة القوة من جانبنا هي التي ستعيد الجندي المخطوف.
وهكذا فإنه يطبق ما تعلمه من اريئيل شارون، الذي أصر هو الآخر على ألا يكون الانسحاب من غزة بالاتفاق بل كخطوة من جانب واحد وذات نزعة قوة، الأمر الذي حسم مصير فك الارتباط من حيث الحاق الضرر الفظيع لإسرائيل؛ مثل شارون، أولمرت أيضاً يعرف أننا لا يعنينا مضمون الخطوة وفائدتها الحقيقية، بل فقط الوهم في أننا فعلناها بأنفسنا، من جانب واحد وبالقوة.
عوفر شيلح
«معاريف»
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي