مقالات في الصحف والمراكز البحثية لديها رؤية خاصة عن الحركة الإسلامية
أميركيون يدعون إلى الحوار مع «حماس»

جيرمي جينجز

ديفيد فروم

ريتشارد مورفي

سكوت أتران






رانيا مكرم*
أثار العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، وما سبقه من تكثيف «حركة حماس» لتهديداتها للجانب الإسرائيلي، وإعلانها عن انتهاء الهدنة، الأمر الذي أخذته إسرائيل منطلقاً لها في هذا العدوان، جدلاً واسعاً حول أسلوب إدارة «حركة حماس» للصراع مع إسرائيل منذ سيطرتها على قطاع غزة في منتصف عام 2007، ومن ثم الأسلوب الأمثل للتعامل معها كفصيل فلسطيني معني بالعملية السياسية وعملية السلام.
وفي هذا الإطار تناولت عديدٌ من التحليلات الأميركية الدور الذي لعبته «حماس» في إشعال الأزمة الأخيرة، وما تتلقاه «الحركة» من دعم من قبل بعض الأطراف الإقليمية، وذلك في محاولة للإجابة عن تساؤل محوري حول إمكانية استيعاب «حركة حماس» من خلال إجراء حوار مع قياداتها، ومدى النجاح المحتمل لهذا الحوار للوصول إلى حل شامل ودائم للقضية الفلسطينية، في ظل تعنت طرفي النزاع وتعثر المفاوضات، بسبب شروط كلٍّ منهما المجحفة في رأي الطرف الآخر.
تأثير سلبي
هناك اختلاف في وجهات النظر العربية والغربية حول أسباب وتداعيات العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة الذي بدأ في السابع والعشرين من شهر ديسمبر الماضي (2008) والتي استمرت لقرابة اثنين وعشرين يوماً. وهذا الانقسام في الرأي في شأن أسباب العدوان كان محور مقالة الخبير في «معهد أميركان إنتربريز» حسن منيمنة، التي حملت عنوان (تحدي «حماس»)، والمنشورة على موقع المعهد في 6-1-2009.
يرى الكاتب أن اختلاف وجهات النظر امتد ليشمل الأطراف الإقليمية التي انقسمت ما بين مؤيد لـ «حركة حماس» ولائم لها، فبينما أمعن الإعلام العربي في إظهار الدمار والإصابات التي لحقت بالفلسطينيين، أوضح الإعلام الغربي أن الحرب على غزة من جانب إسرائيل كانت بهدف الدفاع عن النفس، وشجباً لسلوك «حماس» غير المسؤول المتمثل في استهداف البلدات الإسرائيلية بالصواريخ، وإنهائها الهدنة، ورفضها لـ «المبادرة المصرية السعودية».
كما انقسم الإعلام العربي على ذاته في متابعة الحرب، فكانت قنوات مثل «الجزيرة» و«المنار»، على سبيل المثال، منابر لشن الهجوم الذي تبنته الأطراف الداعمة لـ «حماس» على ما صنفت بالدول المعتدلة، وفي مقدمتها مصر التي حظيت بالنصيب الأكبر من الهجوم، إذ دعا الأمين العام لـ «حزب الله» اللبناني حسن نصر الله الشعب المصري للخروج على قيادته، وفتح معبر رفح بالقوة أمام الأسلحة المتدفقة من سورية، التي شنت هجوما ضارياً إلى جانب إيران على ما أسمته تواطؤاً مع إسرائيل على غزة، في الوقت الذي لم تطلق فيه رصاصة مقاومة واحدة في الجولان منذ أعوام، بالإضافة إلى المفاوضات غير المباشرة التي دخلتها مع إسرائيل خلال الفترة الماضية.
وفي هذا الإطار أشارت المقالة إلى أن النهج الذي اتبعته «حماس» خلال فترة الحرب هو النهج ذاته الذي اتبعه «حزب الله» في حربه الأخيرة مع إسرائيل (يوليو وأغسطس 2006)، المتمثل في عدم الاكتراث بأرواح المدنيين، ومستقبل البلاد السياسي والاقتصادي، بهدف تحقيق نصر زائف، حسب الكاتب، غير أن ما أبدته «حماس» وتبديه من تصلب مدعوم من سورية وإيران، قد أثر سلباً على شعبيتها عربيّاً. كما حملها عديداً من الزعماء العرب بما فيهم الرئيس الفلسطيني محمود عباس مسؤولية المجزرة التي حصدت أرواح المدنيين الفلسطينيين. فضلاً عن أن هذه الحرب قد أبرزت حقيقة تشوش ثقافة المقاومة، وأكدت على أن الصراع مع إسرائيل هو صراع حدود، وليس صراع وجود، وأن إسرائيل لها الحق كأي بلد آخر في أن تنعم بالأمن، وتدافع عن نفسها ضد العدوان.
قيم مقدسة
ومع تأكيد المقالة السابقة على مسؤولية «حماس» عن الدمار الذي خلفته الحرب الأخيرة على غزة، أشارت مقالة أخرى تحمل عنوان «كيف يمكن للكلمات أن تنهي الحرب» للكاتبين سكوت أتران وجيرمي جينجز، نشرت بصحيفة «نيويورك تايمز» في 25 ـ 1 ـ 2009، إلى أن كلا الطرفين مسؤول عن الحرب، أي إسرائيل و«حماس»، وأنه من الصعب تحديد الخاسر والرابح في هذه الحرب، التي راح ضحيتها آلاف الأبرياء، ومليارات الدولارات. ومع ذلك يبدو أن الصراع بين الطرفين مؤهل للدخول في مواجهات عسكرية أخرى باتت وشيكة. غير أن ذلك لا يعني استحالة الوصول إلى حل سياسي حتى مع أكثر الأطراف تشدداً من الجانبين.
وفي مستوى آخر للتحليل أشار الكاتان أن الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي ديني النزعة، وتسيطر عليه أيدلوجيات دينية متعددة تعتنقها قيادات الجانبين وتؤمن بها، وتدير هذا الصراع وفقاً لها، مستعينين في ذلك التحليل باستطلاع للرأي أجراه الكاتبان على ما يقرب من 4000 فلسطيني، وإسرائيلي بين عامي 2004 و2008، استهدفا منه معرفة الاتجاهات السياسية للمواطنين، بما فيهم اللاجئين، ومؤيدي «حماس».
أوضح الاستطلاع، الذي سعى لقياس مدى استجابة المستطلعين لتقديم بعض الحوافز مقابل سلام دائم، أن هناك قيماً مقدسة تحكم الصراع، فعلى سبيل المثال، أوضح نحو نصف المستوطنين الذين خضعوا للاستبيان، رفضهم لفقدان أرض من الضفة الغربية، التي يعتبرونها منحة إلهية، في مقابل السلام، كما أكد نصف الفلسطينيين الذين شملهم الاستبيان على حتمية السيطرة الكاملة على القدس التي تضم المسجد الأقصى، وفي الوقت ذاته أظهرت نسبة كبيرة من الفلسطينيين استجابة لاقتراح حول الاعتراف بوجود دولة إسرائيل، إذا ما أقدمت إسرائيل من جانبها على تقديم اعتذار للشعب الفلسطيني عمَّا لاقاه من معاناة منذ حرب 1948. وعلى الشاكلة ذاتها أبدى إسرائيليون استجابة لتقسيم القدس، والقبول بالجوار الفلسطيني فيها، إذا ما أعلنت «حركة حماس»،
والجماعات الفلسطينية الأخرى اقتناعها بحق الوجود الإسرائيلي.
وتأكيداً على أن ما يحكم الصراع بين الطرفين أيديولوجيات المعنيين بإدارته من الجانبين، أكدت نتائج الاستطلاع على أن «حركة حماس» إنما تسعى إلى تحقيق مكاسب معنوية إلى جانب الموافقة على ما تضعه من شروط لإتمام عملية السلام، يبقى في مقدمتها انتزاع اعتذار من إسرائيل للشعب الفلسطيني عن معاناته، حيث شمل الاستبيان على سبيل المثال، موسى أبو مرزوق الذي يشغل منصب نائب رئيس المكتب السياسي لـ«حركة حماس»، الذي أكد على ما سبق، وذلك من خلال سؤاله عن إمكانية نجاح عملية السلام من دون الاعتراف بحق العودة، في مقابل دعم مالي ومنح من الدول الغربية لإعادة التعمير وتطوير البلاد، فكان رفضه قاطعاً، وعندما عرض عليه الاعتذار للشعب الفلسطيني من قبل إسرائيل، بدا أكثر مرونة، مؤكداً أن الاعتذار مهم كبداية، وفي رد فعل مماثل أكد بنيامين نتينياهو على قبوله بحل الدولتين، والعودة إلى حدود 1967، في مقابل اعتراف الأطراف الفلسطينية كافة بما فيهم «حماس»، بحق الشعب اليهودي في دولة مستقلة، بشرط إظهار هذا الاعتراف جدياً من خلال تغيير شعاراتهم المعادية للإسرائيليين، وتغيير
مناهجهم الدراسية التي تدعم هذا التوجه.
وفي نهاية المقالة استخلص الكاتبان أن تنازلات معنوية رمزية، مثل الاعتراف بحق اليهود في دولة مستقلة، والاعتذار عن معاناة الشعب الفلسطيني، يمكن أن تحدث تغيراً في المواقف المتصلبة التي يتخذها الطرفان، لاسيما الأكثر تشدداً على الجانبين.
تغيير الخطاب السياسي
وتأكيداً على إمكانية التوصل لحل سياسي ناجح للقضية الفلسطينية، أشار الخبير في «معهد الشرق الأوسط» الكاتب ريتشارد دبليو مورفي في حوار أجراه معه برنارد كورتزمان، ونشره «مجلس العلاقات الخارجية» على موقعه الإلكتروني، إلى أن الولايات المتحدة بمقدورها إحلال السلام بين إسرائيل وفلسطين، إذا لم تضع الحوار مع «حماس» على قائمة محظوراتها، والاكتفاء بالحوار مع السلطة الفلسطينية كما كان الحال طوال الأعوام الماضية، لاسيما بعد سيطرة «حماس» على غزة، مؤكداً أن هذا الحوار لن يأتي سريعاً، لكنه في الوقت ذاته حتمي، لأن «حماس» باعتقاده تعد ممثلاً شرعياً لجزء من الشعب الفلسطيني، وبالتالي يجب وضعها في الاعتبار عند تناول حلول القضية الفلسطينية.
وفي إطار البحث عن سبل مثلى للتعامل مع «حماس»، أشار مورفي في حواره إلى عدم اعتقاده في إمكانية التحرك سياسيّاً نحو «حماس» في الوقت الحالي من خلال إجراء حوار أو دمجها في المفاوضات، لكنه يمكن للولايات المتحدة أن تتوقف عن اتخاذ المواقف التي من شأنها مهاجمة الفلسطينيين، وإضعاف «حماس»، وإلا فكيف السبيل إلى تحقيق هدف عودة محمود عباس إلى غزة مرة أخرى من دون التعامل مع «حماس» التي تسيطر على القطاع حالياً.
وفي رده على تساؤل حول ما إذا كان تغيير نمط سلوك التعامل مع «حماس» يتطلب تغيير الخطاب السياسي الأميركي في هذا الشأن، الأمر الذي قد يثير موجات من الغضب في الولايات المتحدة ذاتها وإسرائيل؟ أكد مورفي على عدم اعتقاده بضرورة تغيير الخطاب السياسي الخاص بـ «حماس»، في حين أن المطلوب إيجاد خطوات ملموسة على أرض الواقع، كأن يبرز الدور الأميركي في إعادة إعمار قطاع غزة، وتطوير أوضاعها المتردية، من حيث البنى التحتية وسبل معيشة الأفراد الذين باتوا يعيشون واقعاً بائساً في ظل غياب سبل الحياة الأولية. وذلك من خلال التعاون مع بعض الجهات، التي طالما اعترضت الولايات المتحدة على وجودها، وشرعيتها.
أهمية الحوار
وعلى النقيض ما سبق أشارت مقالة بعنوان «هل يجب التفاوض مع (حماس)؟»، نشرت على موقع معهد «أميركان إنتربريز» بتاريخ 21-1-2009، للكاتب ديفيد فروم، الزميل في المعهد، إلى صعوبة التوصل إلى حل سلمي في القضية الفلسطينية طالما أن «حماس» طرف أساسي فيها، نظراً للمواقف المتعنتة التي تتبناها «الحركة»، حيث أوضحت المقالة أن الحرب الأخيرة على غزة قد أعادت طرح تساؤل سابق مفاده: هل يجب على الحكومات الغربية إجراء حوار مع حماس؟ إذ أنه ولأعوام عدة مضت حثت مجموعة من المتخصصين في السياسة الخارجية على ضرورة الحوار مع «حركة حماس»، وقد تصاعدت الدعوات بإجراء هذا الحوار عقب التطورات الأخيرة، كما تبنت عديد من الحكومات الأوروبية هذا الرأي، وعلى رأسها الحكومة البريطانية.
وفي مقالته حاول الكاتب أن يلقي مزيداً من الضوء على الجدل المحتدم حول إمكانية إجراء حوار مع «حماس»، حيث أوضح وجهة نظر الداعين إلى هذا الحوار، موضحاً اعتقادهم بأنه على الرغم من قيام «حركة حماس» بأعمال انتقامية في الجانب الإسرائيلي، غير أن «الحركة» لا يمكن إنكار دورها في تقديم الخدمات للمجتمع الغزاوي، لاسيما في ظل ما تتلقاه «الحركة» من دعم من قبل الفلسطينيين في القطاع، وهو ما أدى إلى فوز «حماس» بالأغلبية في الانتخابات التشريعية الفلسطينية، وهي الانتخابات الوحيدة التي تمت في فلسطين عام 2006، كما أنه لا يمكن الحكم على كل أفراد «حماس» بأنهم مرتكبون لأعمال العنف التي تستهدف حياة المدنيين الإسرائيليين، بل إن منهم من هو منفتح على التعامل مع إسرائيل، وبالتالي فلا يمكن الحكم على جميع أطراف «الحركة» من دون الدخول معهم في حوارات استكشافية لما يعتنقونه من أفكار. مشيراً إلى التجربة الأميركية في العراق وأفغانستان قائلاً: «ففي العراق أجرت الولايات المتحدة حواراً مع السنة المتشددين، وقد ساعد الحوار معهم في حل عديدٍ من المشكلات المستعصية مع تنظيم «القاعدة» في العراق، وفي أفغانستان تحاول الولايات المتحدة محاورة بعض عناصر «حركة طالبان»، في محاولة منها لمعرفه سبل إقناع مثل هذه الحركات بنزع سلاحها، والانضمام إلى العملية السياسية، فلماذا يختلف الأمر مع غزة؟».
وحسب رأي الداعين إلى الحوار مع «حركة حماس»، فإن هذا الحوار يفيد في حل الصراع المحتدم هناك، ومن شأنه أيضا خلق فرص وربما سلسلة من الحوافز المهمة للمنطقة بشكل عام والشعب الفلسطيني بشكل خاص.
وعن رأيه أوضح الكاتب أن «حركة حماس» التي سيطرت على قطاع غزة بالقوة من خلال الانقلاب على السلطة الفلسطينية في يونيو 2007، ومحاولة اغتيال الرئيس محمود عباس، تجد نفسها في الخانة ذاتها مع الرئيس عباس، في منافسة حول مستقبل الفلسطينيين. وهنا يطرح الكاتب تساؤلاً مفاده: هل تفضل الحكومات الغربية أن ينجح عباس في هذه المنافسة، وأنه من الضروري أن يكون عباس، وعباس فقط، على رأس السلطة الفلسطينية؟
وتتخلص إجابة فروم في أنه مثلما تهدد المجموعات الإسلامية المتطرفة بعض دول العالم كما هو الحال في الهند على سبيل المثال، فإن «حركة حماس» تتبنى التشدد ذاته، وبالتالى فإن الحوار مع المجموعات الإرهابية يعني تحفيز الإرهاب، طالما أن هذه المجموعات تملك فرصة العودة إلى الإرهاب للحصول على مكاسب أكبر منها عبر التفاوض. وقد تبنى هذا النهج الجيش الأيرلندي بشكل متكرر مع الحكومة البريطانية خلال حقبة التسعينات. ولذلك سيكون الحوار مع حركة تتنصل من مسؤوليتها عن وقف العنف، دعوة لمزيد من العنف.
وينهي ديفيد فروم مؤكداً على أن الداعين إلى الحوار مع «حماس» يصنفون أنفسهم على أنهم برجماتين، غير أنهم مضللون برؤى متحيزة، وأن معارضي هذا التفاوض مع الحركات الراديكالية معنيون بعواقب الأمور، لاسيما وأن «حركة حماس» وما
تبديه من سلوك قد جعلها منبوذة وأن ذلك سيستمر إلى أن، وليس قبل، تغير طبيعتها وأهدافها.
عن «تقرير واشنطن»
أثار العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، وما سبقه من تكثيف «حركة حماس» لتهديداتها للجانب الإسرائيلي، وإعلانها عن انتهاء الهدنة، الأمر الذي أخذته إسرائيل منطلقاً لها في هذا العدوان، جدلاً واسعاً حول أسلوب إدارة «حركة حماس» للصراع مع إسرائيل منذ سيطرتها على قطاع غزة في منتصف عام 2007، ومن ثم الأسلوب الأمثل للتعامل معها كفصيل فلسطيني معني بالعملية السياسية وعملية السلام.
وفي هذا الإطار تناولت عديدٌ من التحليلات الأميركية الدور الذي لعبته «حماس» في إشعال الأزمة الأخيرة، وما تتلقاه «الحركة» من دعم من قبل بعض الأطراف الإقليمية، وذلك في محاولة للإجابة عن تساؤل محوري حول إمكانية استيعاب «حركة حماس» من خلال إجراء حوار مع قياداتها، ومدى النجاح المحتمل لهذا الحوار للوصول إلى حل شامل ودائم للقضية الفلسطينية، في ظل تعنت طرفي النزاع وتعثر المفاوضات، بسبب شروط كلٍّ منهما المجحفة في رأي الطرف الآخر.
تأثير سلبي
هناك اختلاف في وجهات النظر العربية والغربية حول أسباب وتداعيات العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة الذي بدأ في السابع والعشرين من شهر ديسمبر الماضي (2008) والتي استمرت لقرابة اثنين وعشرين يوماً. وهذا الانقسام في الرأي في شأن أسباب العدوان كان محور مقالة الخبير في «معهد أميركان إنتربريز» حسن منيمنة، التي حملت عنوان (تحدي «حماس»)، والمنشورة على موقع المعهد في 6-1-2009.
يرى الكاتب أن اختلاف وجهات النظر امتد ليشمل الأطراف الإقليمية التي انقسمت ما بين مؤيد لـ «حركة حماس» ولائم لها، فبينما أمعن الإعلام العربي في إظهار الدمار والإصابات التي لحقت بالفلسطينيين، أوضح الإعلام الغربي أن الحرب على غزة من جانب إسرائيل كانت بهدف الدفاع عن النفس، وشجباً لسلوك «حماس» غير المسؤول المتمثل في استهداف البلدات الإسرائيلية بالصواريخ، وإنهائها الهدنة، ورفضها لـ «المبادرة المصرية السعودية».
كما انقسم الإعلام العربي على ذاته في متابعة الحرب، فكانت قنوات مثل «الجزيرة» و«المنار»، على سبيل المثال، منابر لشن الهجوم الذي تبنته الأطراف الداعمة لـ «حماس» على ما صنفت بالدول المعتدلة، وفي مقدمتها مصر التي حظيت بالنصيب الأكبر من الهجوم، إذ دعا الأمين العام لـ «حزب الله» اللبناني حسن نصر الله الشعب المصري للخروج على قيادته، وفتح معبر رفح بالقوة أمام الأسلحة المتدفقة من سورية، التي شنت هجوما ضارياً إلى جانب إيران على ما أسمته تواطؤاً مع إسرائيل على غزة، في الوقت الذي لم تطلق فيه رصاصة مقاومة واحدة في الجولان منذ أعوام، بالإضافة إلى المفاوضات غير المباشرة التي دخلتها مع إسرائيل خلال الفترة الماضية.
وفي هذا الإطار أشارت المقالة إلى أن النهج الذي اتبعته «حماس» خلال فترة الحرب هو النهج ذاته الذي اتبعه «حزب الله» في حربه الأخيرة مع إسرائيل (يوليو وأغسطس 2006)، المتمثل في عدم الاكتراث بأرواح المدنيين، ومستقبل البلاد السياسي والاقتصادي، بهدف تحقيق نصر زائف، حسب الكاتب، غير أن ما أبدته «حماس» وتبديه من تصلب مدعوم من سورية وإيران، قد أثر سلباً على شعبيتها عربيّاً. كما حملها عديداً من الزعماء العرب بما فيهم الرئيس الفلسطيني محمود عباس مسؤولية المجزرة التي حصدت أرواح المدنيين الفلسطينيين. فضلاً عن أن هذه الحرب قد أبرزت حقيقة تشوش ثقافة المقاومة، وأكدت على أن الصراع مع إسرائيل هو صراع حدود، وليس صراع وجود، وأن إسرائيل لها الحق كأي بلد آخر في أن تنعم بالأمن، وتدافع عن نفسها ضد العدوان.
قيم مقدسة
ومع تأكيد المقالة السابقة على مسؤولية «حماس» عن الدمار الذي خلفته الحرب الأخيرة على غزة، أشارت مقالة أخرى تحمل عنوان «كيف يمكن للكلمات أن تنهي الحرب» للكاتبين سكوت أتران وجيرمي جينجز، نشرت بصحيفة «نيويورك تايمز» في 25 ـ 1 ـ 2009، إلى أن كلا الطرفين مسؤول عن الحرب، أي إسرائيل و«حماس»، وأنه من الصعب تحديد الخاسر والرابح في هذه الحرب، التي راح ضحيتها آلاف الأبرياء، ومليارات الدولارات. ومع ذلك يبدو أن الصراع بين الطرفين مؤهل للدخول في مواجهات عسكرية أخرى باتت وشيكة. غير أن ذلك لا يعني استحالة الوصول إلى حل سياسي حتى مع أكثر الأطراف تشدداً من الجانبين.
وفي مستوى آخر للتحليل أشار الكاتان أن الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي ديني النزعة، وتسيطر عليه أيدلوجيات دينية متعددة تعتنقها قيادات الجانبين وتؤمن بها، وتدير هذا الصراع وفقاً لها، مستعينين في ذلك التحليل باستطلاع للرأي أجراه الكاتبان على ما يقرب من 4000 فلسطيني، وإسرائيلي بين عامي 2004 و2008، استهدفا منه معرفة الاتجاهات السياسية للمواطنين، بما فيهم اللاجئين، ومؤيدي «حماس».
أوضح الاستطلاع، الذي سعى لقياس مدى استجابة المستطلعين لتقديم بعض الحوافز مقابل سلام دائم، أن هناك قيماً مقدسة تحكم الصراع، فعلى سبيل المثال، أوضح نحو نصف المستوطنين الذين خضعوا للاستبيان، رفضهم لفقدان أرض من الضفة الغربية، التي يعتبرونها منحة إلهية، في مقابل السلام، كما أكد نصف الفلسطينيين الذين شملهم الاستبيان على حتمية السيطرة الكاملة على القدس التي تضم المسجد الأقصى، وفي الوقت ذاته أظهرت نسبة كبيرة من الفلسطينيين استجابة لاقتراح حول الاعتراف بوجود دولة إسرائيل، إذا ما أقدمت إسرائيل من جانبها على تقديم اعتذار للشعب الفلسطيني عمَّا لاقاه من معاناة منذ حرب 1948. وعلى الشاكلة ذاتها أبدى إسرائيليون استجابة لتقسيم القدس، والقبول بالجوار الفلسطيني فيها، إذا ما أعلنت «حركة حماس»،
والجماعات الفلسطينية الأخرى اقتناعها بحق الوجود الإسرائيلي.
وتأكيداً على أن ما يحكم الصراع بين الطرفين أيديولوجيات المعنيين بإدارته من الجانبين، أكدت نتائج الاستطلاع على أن «حركة حماس» إنما تسعى إلى تحقيق مكاسب معنوية إلى جانب الموافقة على ما تضعه من شروط لإتمام عملية السلام، يبقى في مقدمتها انتزاع اعتذار من إسرائيل للشعب الفلسطيني عن معاناته، حيث شمل الاستبيان على سبيل المثال، موسى أبو مرزوق الذي يشغل منصب نائب رئيس المكتب السياسي لـ«حركة حماس»، الذي أكد على ما سبق، وذلك من خلال سؤاله عن إمكانية نجاح عملية السلام من دون الاعتراف بحق العودة، في مقابل دعم مالي ومنح من الدول الغربية لإعادة التعمير وتطوير البلاد، فكان رفضه قاطعاً، وعندما عرض عليه الاعتذار للشعب الفلسطيني من قبل إسرائيل، بدا أكثر مرونة، مؤكداً أن الاعتذار مهم كبداية، وفي رد فعل مماثل أكد بنيامين نتينياهو على قبوله بحل الدولتين، والعودة إلى حدود 1967، في مقابل اعتراف الأطراف الفلسطينية كافة بما فيهم «حماس»، بحق الشعب اليهودي في دولة مستقلة، بشرط إظهار هذا الاعتراف جدياً من خلال تغيير شعاراتهم المعادية للإسرائيليين، وتغيير
مناهجهم الدراسية التي تدعم هذا التوجه.
وفي نهاية المقالة استخلص الكاتبان أن تنازلات معنوية رمزية، مثل الاعتراف بحق اليهود في دولة مستقلة، والاعتذار عن معاناة الشعب الفلسطيني، يمكن أن تحدث تغيراً في المواقف المتصلبة التي يتخذها الطرفان، لاسيما الأكثر تشدداً على الجانبين.
تغيير الخطاب السياسي
وتأكيداً على إمكانية التوصل لحل سياسي ناجح للقضية الفلسطينية، أشار الخبير في «معهد الشرق الأوسط» الكاتب ريتشارد دبليو مورفي في حوار أجراه معه برنارد كورتزمان، ونشره «مجلس العلاقات الخارجية» على موقعه الإلكتروني، إلى أن الولايات المتحدة بمقدورها إحلال السلام بين إسرائيل وفلسطين، إذا لم تضع الحوار مع «حماس» على قائمة محظوراتها، والاكتفاء بالحوار مع السلطة الفلسطينية كما كان الحال طوال الأعوام الماضية، لاسيما بعد سيطرة «حماس» على غزة، مؤكداً أن هذا الحوار لن يأتي سريعاً، لكنه في الوقت ذاته حتمي، لأن «حماس» باعتقاده تعد ممثلاً شرعياً لجزء من الشعب الفلسطيني، وبالتالي يجب وضعها في الاعتبار عند تناول حلول القضية الفلسطينية.
وفي إطار البحث عن سبل مثلى للتعامل مع «حماس»، أشار مورفي في حواره إلى عدم اعتقاده في إمكانية التحرك سياسيّاً نحو «حماس» في الوقت الحالي من خلال إجراء حوار أو دمجها في المفاوضات، لكنه يمكن للولايات المتحدة أن تتوقف عن اتخاذ المواقف التي من شأنها مهاجمة الفلسطينيين، وإضعاف «حماس»، وإلا فكيف السبيل إلى تحقيق هدف عودة محمود عباس إلى غزة مرة أخرى من دون التعامل مع «حماس» التي تسيطر على القطاع حالياً.
وفي رده على تساؤل حول ما إذا كان تغيير نمط سلوك التعامل مع «حماس» يتطلب تغيير الخطاب السياسي الأميركي في هذا الشأن، الأمر الذي قد يثير موجات من الغضب في الولايات المتحدة ذاتها وإسرائيل؟ أكد مورفي على عدم اعتقاده بضرورة تغيير الخطاب السياسي الخاص بـ «حماس»، في حين أن المطلوب إيجاد خطوات ملموسة على أرض الواقع، كأن يبرز الدور الأميركي في إعادة إعمار قطاع غزة، وتطوير أوضاعها المتردية، من حيث البنى التحتية وسبل معيشة الأفراد الذين باتوا يعيشون واقعاً بائساً في ظل غياب سبل الحياة الأولية. وذلك من خلال التعاون مع بعض الجهات، التي طالما اعترضت الولايات المتحدة على وجودها، وشرعيتها.
أهمية الحوار
وعلى النقيض ما سبق أشارت مقالة بعنوان «هل يجب التفاوض مع (حماس)؟»، نشرت على موقع معهد «أميركان إنتربريز» بتاريخ 21-1-2009، للكاتب ديفيد فروم، الزميل في المعهد، إلى صعوبة التوصل إلى حل سلمي في القضية الفلسطينية طالما أن «حماس» طرف أساسي فيها، نظراً للمواقف المتعنتة التي تتبناها «الحركة»، حيث أوضحت المقالة أن الحرب الأخيرة على غزة قد أعادت طرح تساؤل سابق مفاده: هل يجب على الحكومات الغربية إجراء حوار مع حماس؟ إذ أنه ولأعوام عدة مضت حثت مجموعة من المتخصصين في السياسة الخارجية على ضرورة الحوار مع «حركة حماس»، وقد تصاعدت الدعوات بإجراء هذا الحوار عقب التطورات الأخيرة، كما تبنت عديد من الحكومات الأوروبية هذا الرأي، وعلى رأسها الحكومة البريطانية.
وفي مقالته حاول الكاتب أن يلقي مزيداً من الضوء على الجدل المحتدم حول إمكانية إجراء حوار مع «حماس»، حيث أوضح وجهة نظر الداعين إلى هذا الحوار، موضحاً اعتقادهم بأنه على الرغم من قيام «حركة حماس» بأعمال انتقامية في الجانب الإسرائيلي، غير أن «الحركة» لا يمكن إنكار دورها في تقديم الخدمات للمجتمع الغزاوي، لاسيما في ظل ما تتلقاه «الحركة» من دعم من قبل الفلسطينيين في القطاع، وهو ما أدى إلى فوز «حماس» بالأغلبية في الانتخابات التشريعية الفلسطينية، وهي الانتخابات الوحيدة التي تمت في فلسطين عام 2006، كما أنه لا يمكن الحكم على كل أفراد «حماس» بأنهم مرتكبون لأعمال العنف التي تستهدف حياة المدنيين الإسرائيليين، بل إن منهم من هو منفتح على التعامل مع إسرائيل، وبالتالي فلا يمكن الحكم على جميع أطراف «الحركة» من دون الدخول معهم في حوارات استكشافية لما يعتنقونه من أفكار. مشيراً إلى التجربة الأميركية في العراق وأفغانستان قائلاً: «ففي العراق أجرت الولايات المتحدة حواراً مع السنة المتشددين، وقد ساعد الحوار معهم في حل عديدٍ من المشكلات المستعصية مع تنظيم «القاعدة» في العراق، وفي أفغانستان تحاول الولايات المتحدة محاورة بعض عناصر «حركة طالبان»، في محاولة منها لمعرفه سبل إقناع مثل هذه الحركات بنزع سلاحها، والانضمام إلى العملية السياسية، فلماذا يختلف الأمر مع غزة؟».
وحسب رأي الداعين إلى الحوار مع «حركة حماس»، فإن هذا الحوار يفيد في حل الصراع المحتدم هناك، ومن شأنه أيضا خلق فرص وربما سلسلة من الحوافز المهمة للمنطقة بشكل عام والشعب الفلسطيني بشكل خاص.
وعن رأيه أوضح الكاتب أن «حركة حماس» التي سيطرت على قطاع غزة بالقوة من خلال الانقلاب على السلطة الفلسطينية في يونيو 2007، ومحاولة اغتيال الرئيس محمود عباس، تجد نفسها في الخانة ذاتها مع الرئيس عباس، في منافسة حول مستقبل الفلسطينيين. وهنا يطرح الكاتب تساؤلاً مفاده: هل تفضل الحكومات الغربية أن ينجح عباس في هذه المنافسة، وأنه من الضروري أن يكون عباس، وعباس فقط، على رأس السلطة الفلسطينية؟
وتتخلص إجابة فروم في أنه مثلما تهدد المجموعات الإسلامية المتطرفة بعض دول العالم كما هو الحال في الهند على سبيل المثال، فإن «حركة حماس» تتبنى التشدد ذاته، وبالتالى فإن الحوار مع المجموعات الإرهابية يعني تحفيز الإرهاب، طالما أن هذه المجموعات تملك فرصة العودة إلى الإرهاب للحصول على مكاسب أكبر منها عبر التفاوض. وقد تبنى هذا النهج الجيش الأيرلندي بشكل متكرر مع الحكومة البريطانية خلال حقبة التسعينات. ولذلك سيكون الحوار مع حركة تتنصل من مسؤوليتها عن وقف العنف، دعوة لمزيد من العنف.
وينهي ديفيد فروم مؤكداً على أن الداعين إلى الحوار مع «حماس» يصنفون أنفسهم على أنهم برجماتين، غير أنهم مضللون برؤى متحيزة، وأن معارضي هذا التفاوض مع الحركات الراديكالية معنيون بعواقب الأمور، لاسيما وأن «حركة حماس» وما
تبديه من سلوك قد جعلها منبوذة وأن ذلك سيستمر إلى أن، وليس قبل، تغير طبيعتها وأهدافها.
عن «تقرير واشنطن»