العرب يحبون اللونين في كل شيء، في السياسة انقسموا في ذلك الزمان بين القوميين والإسلاميين، واليوم هناك محور للممانعة والصمود وآخر للاعتدال والتروي، واللذان بدورهما اقتسموا القوميين والإسلاميين بينهما بالتساوي، ثم يعيبون على طيب الذكر بوش انه صاحب سياسة من ليس معنا فهو ضدنا وهم أصلاً أكبر مؤسسيها دون أن يرف لهم جفن، بعيدا عن عالم السياسة هناك صراع خفي آخر قد لا يكون أقل حدة من سابقه، حزب فيروز وحزب أم كلثوم، الكلثوميين والفيروزيين، ومن لم يكن معنا فهو ضدنا، أم كلثوم غنت للعظماء فصارت عظيمة، فيرد الفريق الآخر فيروز غنت للبسطاء فجعلتهم عظماء، أم كلثوم يعني مصر بجلالها، فيأتي الرد فيروز يعني العالم، وكل فريق يقدم حججه وأسانيده، وكل فريق يقلل من شأن اختيار الآخر، وكأنه لا يصح أن تستمع للسيدتين وتحبهما وتطرب لهما، هكذا دون تفكير بأسباب، لكنها العقلية العربية ذاتها ذات اللونين، والصراع كان ومازال مستترا يطفو أحياناً، تارة تحركه أهواء اقليمية مقنعة بالنقد الفني وتارة أخرى أذواق فنية بحتة، لكنه مستمر.
وبعيداً عن محركات هذا «الصراع» إن صحت التسمية وعن وجهات النظر التي قد تبدو مقنعة والتي قد تتقاذفك بين الفريقين وتجعلك تغير ولاءاتك أسرع مما تتخيل أحياناً، فإنك حتى انت شخصيا مع الاستماع المتكرر والتركيز وبعد الاندماج والتحليق مع أغاني السيدتين قد تدخل في فخ المفاضلة والتقديم والتأخير دون أن تشعر، فيروز تغني للحب كما هو، للواقع، الحب بمشاكله اليومية، للحياة بكل تعقيداتها وبساطتها العميقة، أم كلثوم تغني للحب المثالي، للحب كما يجب أن يكون، إلا أن أم كلثوم أساساً لا بد من طقوس خاصة لسماعها، أو هكذا تعودنا، فالليل شرط موضوعي غير قابل للمساومة، صحبة ليست بالضرورة صالحة، قليلا من الضوضاء لا يضير، لا مانع من الشيشة، شاي أو أي مشروب آخر يجعلك تسمع وتتسلطن، أما فيروز فتصلح أغانيها لكل وقت ومكان، وحيداً بالسرير، بالحلاق عصرا، بالتاكسي ظهرا، عرعر ليلا، لكن مشكلة فيروز الحقيقية انها تعقد علينا المسائل مع الجنس الآخر، «سألتك حبيبي لوين رايحين؟!»، أريد أن أعرف من فيكم البطل الذي جاوب على مثل هذا السؤال، أما أم كلثوم فهي تساعدنا على تخطي المحن، «اللي شفتوا قبل ما تشوفك عينيا عمر ضايع»، لا داعي لأن تختلق كذبتك، أم كلثوم بخدمتك، بالنسبة لي فإنني أميل إلى كلتا السيدتين حسب المزاج، ومع هذا لا يزال في القلب متسع لحب «عواشه» أيضاً... وسبب قلبي عيونه هيّضني...
فهد البسام
[email protected]