المعركة طويلة ومضنية وشاقة. سيسقط مزيد من الضحايا من بين الشرفاء الذين تستهدفهم آلة القتل التي تسعى إلى إخضاع الوطن الصغير عن طريق الإرهاب. ولكن رغم ذلك، على اللبنانيين عدم الاستسلام لليأس، خصوصاً في هذه المرحلة المصيرية التي يمر بها بلدهم. صحيح أن هناك ما يدعو إلى اليأس عندما ينفذ لبنانيون، منذ ما يزيد على سنة، رغبات النظام السوري في تعطيل الحياة في بيروت مستكملين الحرب الإسرائيلية على لبنان في الوقت ذاته، لكن الصحيح أيضاً أن على اللبنانيين، الشرفاء فعلاً الذين يرفضون الدولار الإيراني الطاهر جداً، أن يعوا أن ما على المحك مستقبل البلد وطبيعة لبنان وتركيبته الاجتماعية والعلاقة بين الأسر والطوائف والمذاهب. ما على المحك تركيبة لبنان لا أكثر ولا أقل.
عليهم أن يعوا في البداية أن هناك بكل بساطة محاولة واضحة لمنع انتخاب رئيس جديد للجمهورية. هذه المحاولة تستهدف الجمهورية لا أكثر ولا أقل وليس موقع الرئاسة فقط. المطلوب إلحاق لبنان بمحور إقليمي متخلف لا علاقة له بكل ما هو تقدمي وعصري في هذا العالم. المطلوب أن يكون لبنان «ساحة». ولهذا، لا يزال الفراغ هو المرشح السوري الرقم واحد ولا يزال الهدف السوري واضحاً كل الوضوح وهو العودة إلى لبنان عسكرياً وأمنياً. لا يستطيع النظام السوري أن يفهم أن هذه العودة مستحيلة وأن عليه الانصراف إلى خدمة شعبه ورفع الظلم عنه بدلاً من الهرب من واقعه الداخلي إلى التوهم بأن له دوراً إقليمياً في لبنان ومن خلال لبنان.
يفترض في النظام السوري استيعاب أنه كلما مر الوقت، زاد اتكاله على النظام الإيراني وصار أكثر فأكثر تحت رحمة إيران بعيداً عن كل ما هو عربي في المنطقة. إن التظاهر بالقوة لا يعني شيئاً على الإطلاق. إنه دليل على محاولة لصنع قوة من الضعف. ومن يصنع قوة من الضعف يعيش في الأوهام. من هو قوي فعلاً لا يتخلى عن عمقه العربي. من هو قوي فعلاً لا يلجأ إلى التخلص من كبار رجالات لبنان على رأسهم رفيق الحريري بدلاً من السعي إلى التفاهم معه وتحقيق ما يخدم سورية والسوريين ولبنان واللبنانيين. من هو قوي فعلاً، لا يلجأ إلى مزيد من الجرائم لتغطية الجرائم الأخرى المرتكبة والتي كان في بدايتها التمديد لإميل لحود الذي لا مكان له في لبنان العربي الحر السيد المستقل...
هناك محاولة انقلابية واضحة تستهدف لبنان. وراء المحاولة النظام السوري الذي يعتقد ألا حياة للبنان من دونه. لدى هذا النظام فهم خاطئ لطبيعة العلاقات بين الدول في القرن الواحد والعشرين. إنه غير قادر على استيعاب أن لبنان الحر المستقل الذي على علاقات تتسم بالندية مع سورية هو خير حليف لسورية وداعم لها. ولكن هل مستقبل سورية والسوريين الهم الحقيقي للنظام؟ إنه نظام لا يفهم أن عليه عاجلاً أم آجلاً القبول برسم الحدود بين البلدين وتبادل العلاقات الديبلوماسية بينهما. عليه أن يقتنع بأن لبنان ليس اللواء السليب وأنه مهما قدّم ما يعتبره تنازلات إلى تركيا والأردن والإدارة الأميركية والدول الأوروبية، لن يعفيه ذلك من القبول بأمر واقع اسمه لبنان.
ليس في الإمكان وضع معركة رئاسة الجمهورية سوى في سياق الانقلاب السوري الذي تدعمه إيران عبر أدواتها اللبنانية الممثلة بحزب مذهبي وأدوات استأجرها هذا الحزب من نوع وئاب وهام وميشال عون وما شابههما... ستكون المعركة طويلة، لكن لبنان سينتصر فيها مهما نجح ميشال عون في تهجير مزيد من المسيحيين وفي الاعتداء على الأملاك الخاصة والعامة وأي شكل من أشكال الذوق. لبنان سينتصر لأن المعركة التي يخوضها لا تستند إلى الحق فحسب، بل لأن العالم لا يمكن أن يقبل بهزيمته أيضاً مهما ظهر من تراجع في المواقف الدولية. هزيمة لبنان لا تعني القضاء على بلد صغير آمن يختلف عن محيطه من ناحية العدالة والحرية والديموقراطية والتسامح على كل المستويات فقط. إنها تعني ألا مستقبل في الشرق الأوسط لدولة حديثة قادرة على أن تكون بوابة العالم العربي إلى الحرية والتقدم وكل ما هو حضاري.
لبنان سينتصر لأنه يمثل الأمل ولأن هناك لبنانيين على استعداد للموت من أجل الحرية والسيادة والاستقلال والعروبة الحقيقية وليس عروبة المتاجرين بكل ما هو عربي من الذين لا يعرفون من السياسة سوى الابتزاز. لبنان سينتصر لأنه على ارتباط بالمستقبل ولا يقرأ من كتاب قديم لا علاقة له من قريب أو بعيد بما يدور في المنطقة والعالم. لبنان سينتصر لأنه يعرف أن كل المحاولات الهادفة إلى الاستيلاء عليه ستبوء بالفشل...ذهب النظام السوري إلى أنابوليس متظاهراً أنه يخالف التعليمات الإيرانية، أم لم يذهب.
من يتنازل ويذهب إلى أنابوليس بعد اعترافه بوجود سلطة وطنية فلسطينية، بعدما كان يتباهى إلى الأمس بأنه يدير غزة من دمشق، يستطيع أن يتراجع في لبنان وأن يكف يده عن الوطن الصغير الذي لا يريد إلا الخير للآخرين. للمرة المليون إن الانتصار على لبنان ليس بديلاً من الانتصار على إسرائيل. من ينتصر على لبنان أكان عبر منع انتخاب رئيس للجمهورية أو عبر التفكير من الآن بعرقلة تشكيل حكومة لا تقف ضد المحكمة الدولية لا علاقة له بالمستقبل أو بما يدور في العالم. من يعتقد أن الانتصار على لبنان يكون عن طريق الحقد على بيروت ووسط بيروت جاهل لا يدرك أن أدواته اللبنانية وأدوات الأدوات تعيش خارج التاريخ ولا تخدم سوى الفكر المذهبي المتخلف الذي لا يصب في نهاية المطاف سوى في خدمة إسرائيل وكل ما هو متخلف في المنطقة لا أكثر ولا أقلّ.
معركة لبنان ستكون طويلة ولن تنتهي من دون شك بانتخاب رئيس للجمهورية، في حال حصول ذلك غداً أو بعد غد. إنها معركة أن يكون لبنان أو لا يكون...إنها معركة تشكيل الحكومة الجديدة في حال حصلت معجزة انتخاب رئيس للجمهورية! إنها معركة رفض لبنان أن يكون مجرد «ساحة» يستخدمها المحور الإيراني - السوري لابتزاز العرب وغير العرب...إنها أكبر بكثير من معركة رئيس جديد للبنان. إنها معركة بقاء الجمهورية أو زوالها.
خيرالله خيرالله
كاتب وصحافي لبناني مقيم في لندن