رأي / بالتكاتف نحمي عالمنا من الانهيار

تصغير
تكبير
| كلاوس شواب* |
نشهد اليوم أزمة حقيقية بكل المقاييس، ومن النوع الذي سيحدث تحولاً في حياتنا وستكون له تأثيرات جوهرية على عالمنا المعولم. ومن هذا المبدأ، انطلقنا في «دافوس»، في مهمة جماعية لصياغة ذلك التحول، فاسمحوا لي أن أوضح لكم ذلك.
يتلخص أحد الأهداف التي تحققت ضمن ذلك، في تقديم الدعم اللازم للحكومات ومؤسسات إدارة الحكم، وتحديداً دول مجموعة الـ20. وما «دافوس» إلا بداية طريق طويل وشاق أمامنا. فمن خلال التقاء قادة العالم على مدى أيام المنتدى، توصلنا إلى فهم أفضل لأصل الأزمة الاقتصادية، والخطوات التي يتعين علينا اتخاذها من أجل إنعاش الاقتصاد العالمي. ولا شك في أن الاستماع إلى وجهات نظر أربع حكومات من مجموعة الـ 8 الكبرى، ودعم حوار مجموعة الـ20، تحضيراً لقمة أبريل في لندن من الخطوات المهمة أيضاً على هذا الصعيد. ومن خلال جمع وزراء تجارة 17 بلداً، والأعضاء الـ27 في الاتحاد الأوروبي، تحت سقف واحد للحيلولة دون سياسات «إفقار الجار»، فإننا نأمل بأن نلمس النتائج الحقيقية لهذه المبادرة. وباجتماع رئيس مجموعة الـ20، رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون، مع رؤساء حكومات عدد من أعضاء المجموعة من أفريقيا، وآسيا، واميركا اللاتينية، لمواجهة المخاطر المنهجية التي تهدد النظام المالي العالمي، وتحري سبل إعادة الاستقرار إلى الاقتصاد العالمي، نكون قد اتخذنا الخطوات الأولى من المهمة الجماعية لمعالجة هذه الأزمة.
ولكن الأيام الماضية أثبتت لي أيضاً، وأكثر من أي وقت مضى، أنه لا ينبغي التصدي لظاهرة التغير المناخي كمشكلة منعزلة، بل يمكن أن تكون على الأقل، جزءاً من نهضة اقتصادية. وقد بدأت الشركات في إدراج التغير المناخي ضمن خطط النمو المستقبلي- فالتقنيات الخضراء لم تعد ترفاً علمياً أو صناعة تجميلية. وهذا هو أحد مواضيع النقاش الرئيسية في عام 2009، حيث من المقرر أن يشهد ديسمبر المقبل، مفاوضات بشأن اتفاقية جديدة مكملة لـ «بروتوكول كيوتو» حول التغيّر المناخي خلال قمة كوبنهاغن. وعليه، لا بد أن تشمل خطط الإنعاش الاقتصادي الوظائف والمهارات والاستثمارات والفرص التكنولوجية التي يتطلبها بناء اقتصاد عالمي منخفض الكربون، إذا ما افترضنا النجاح في إدارة التغير المناخي. ولذلك، يمكن أن تتحول التقنيات الخضراء إلى محركات نظيفة لدفع عجلة النمو مرة أخرى. ودعونا لا نتطرق إلى الحديث عن الطاقة «البديلة» بعد الآن- فالطاقة المستدامة هي فقط التي ستغذي اقتصاد المستقبل. وتحقيقاً لهذه الغاية، اتفق مسؤولو القطاع خلال «منتدى دافوس» على المضي قدماً في ست مبادرات محددة لتسريع عملية تطبيق الممارسات المستدامة في قطاع الأعمال.
وتلخصت إحدى النتائج الرئيسية لـ «منتدى دافوس»، في أنه على الرغم من الاضطراب الاقتصادي الذي يعمّ العالم، اختار الجميع من القطاعين العام والخاص، التعاون معاً لمناقشة التحديات العالمية التي نواجهها، والتصدي لها معا. ونأمل بأن تشكل هذه الرغبة الكبيرة في التعاون، عبر مختلف المناطق الجغرافية، وجميع القطاعات، بما في ذلك قطاعات الأعمال، والمؤسسات السياسية، ومؤسسات المجتمع المدني، العلامة الفارقة التي تميّز الأزمة الراهنة عن أزمة ثلاثينات القرن الماضي. فهذه الرغبة الجماعية في التعاون التي عمّت «منتدى دافوس»، هي في الواقع مبعث شيء من التفاؤل لدي، بأننا نستطيع التوصل إلى مخرج من الأزمة الحالية. صحيح أنه من السهل وضع ذلك في إطار التمنيات، ولكننا إذا كنا قد تعلمنا شيئاً واحداً من هذه الأزمة خلال الأشهر الستة الماضية، فهو أن الثقة والأمل يشكلان أحد أركان أي انتعاش مقبل.
وأخيراً، كنا قد أشرنا إلى أن أياً من تلك الجهود لا يمكن أن تكون فعالة من دون مراجعة صادقة وعميقة لقيمنا وأخلاقياتنا ذات الصلة. فقطاع الأعمال بحاجة اليوم إلى إعادة النظر بشكل معمق في أنظمته الخاصة بالأجور والمكافآت والحوكمة. وينبغي على رجال الأعمال وصناع السياسة، والمشرعين، والمستهلكين، جميعاً وضع حد للتجاوزات الجشعة. ومع ذلك، فإن الجشع قصير الأمد لا يمكن أن يكون محرضاً كافياً لوضع آلية صناعة قرار مثالية. من هنا، فإن التأثير المنهجي المنتقل عبر الأجيال، لأفعالنا وممارساتنا يتسم بأهمية كبيرة أكثر من أي وقت مضى، ولذلك ينبغي لمعاييرنا الأخلاقية وأنظمتنا التشريعية والإدارية، أن تعكس هذا الواقع الجديد.
وما ذلك كله سوى بداية طريق الحل، فالعمل الحقيقي يبدأ الآن. ويجب علينا أن نتكاتف ونعمل معاً لكي نحمي عالمنا من الانهيار.
* مؤسس ورئيس «المنتدى الاقتصادي العالمي»
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي