د. سامي ناصر خليفة / تفكير بصوت عالٍ

تصغير
تكبير
مع إعلان أكثر من طرف في البرلمان نيته استجواب رئيس الوزراء الشيخ ناصر المحمد يبدو تبدّلت قواعد اللعبة كثيراً عن سابقاتها في المشهد السياسي المحلي اليوم، فالتحالفات السابقة بين القوى السياسية والحكومة قد تغيّرت، والمصالح الآنية بين المكونات السياسية قد تبدلت، ولغة المعارضة السياسية قد تطورت عن شكلها ومضمونها وحتى آلياتها عن السابق لتتخذ نمطاً جديداً من التعاطي المجتمعي بصورة لم يعد يستطيع أي متابع تقديرها، وعناصر ومكونات سياسية جديدة دخلت، بعضها غريب الأطوار ومبهم التوجه، بينما تراجعت عناصر أخرى مهمة لتشكل في مجمل الأمر لوحة سياسية قاتمة معتمة تختلف تماماً عن اللوحة السريالية التي اعتاد الكويتيون النظر إليها طوال العقود الأربعة الماضية.
ومع استرسالنا في أهم معالم اللوحة الجديدة للتركيبة السياسية في الكويت اليوم يمكن إبراز مجموعة من الأمور المهمة، وهي تفكك قوى رئيسة في المجتمع كتحالف الإسلاميين والمحافظين، وتحديداً بين أعضاء الكتلة الإسلامية في المجلس الحالي من جانب، واندماج قوى أخرى رئيسة مع بعضها البعض، كما حدث للشيعة، وتحديداً بين «الوفاق» و«التحالف» و«العدالة» وغيرهم من جانب آخر. وأيضاً ابتعاد قوى رئيسة عن التواصل الإيجابي مع الحكومة، كـ«الحركة الدستورية الإسلامية» في وقت اقتربت قوى أخرى لها كـ«التجمع السلفي» و«التحالف الإسلامي» وبعض الليبراليين.
ومن واضحات الملامح التغيّر الكبير الذي طرأ فجأة على لغة الخطاب المعارض ليكون «التهديد» و«الوعيد» أحد أهم مفرداته عند البعض ولتطول خطوط حمراء ما كان يتجرأ أحد في السابق على طرحها بالصورة التي تُطرح اليوم، كالتجرؤ على بعض أفراد الأسرة الحاكمة، وهم في موقع المسؤولية والتجاسر بكلمات نابية على شخوصهم، وتحديداً على من هم في الحكومة اليوم. وتلك سابقة جديدة تجعل الحكومة أمام خيارين أحلاهما مُر، فإما الرضوخ لتلك القوى والتنازل قدر الإمكان كي لا تفرط العقدة مما قد يؤدي إلى ترسيخ تلك اللغة وسيلة للتكسب السياسي، وقد يؤدي أيضاً إلى زحف شعبي نحو منصب رئاسة الوزراء ليكون مكسباً شعبياً جديداً يُضاف إلى مكسب فصل منصب ولاية العهد عن رئاسة الوزراء، وإما أن يستخدم النظام لغة الأمر الواقع فيفرض تجميداً للحياة الدستورية في البلاد، ولو إلى حين.

ومع تلك الملامح نقف أمام ظاهرة غاية في الخطورة، وهي انتقال صراع الأجنحة في سلطة القرار إلى مواقع لا يجب أن تنتقل إليها، كالصحافة والدواوين، مما يشل فرزاً مجتمعياً واصطفافاً تعصبياً لمكونات المجتمع ليست على أسس علمية أو مصلحية سليمة، وفي حال استمرت فإنها بالتأكيد ستساهم في إضعاف هيبة النظام، مما قد يؤدي إلى استئساد أي قوى لا تريد لحياتنا الدستورية خيراً.
لذا أجد من المهم اليوم تقييم المرحلة على ضوء تلك الملامح والتأكيد على أنه مخاض ينطبق عليه مصطلح قفزة في الظلام وباتجاه المجهول، فإما تتبدل الأمور لتؤسس إلى شكل يقبله الجميع، وإما أن نسقط جميعاً في هاوية الاضطراب السياسي، حينها ستكون الحلول بالتأكيد أصعب بكثير مما هي عليه اليوم. إنه تفكير بصوت عالٍ ومحطة عامة تساهم في إخراجنا من حال التشابك في التفاصيل اليومية والنظر بصورة أشمل.
د. سامي ناصر خليفة
أكاديمي كويتي
[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي