«العلاقات الأميركية - الإسرائيلية في حقبة جديدة... قضايا وتحديات بعد 11 سبتمبر» آخر إصدارات مركز «بيغن - السادات للدراسات الاستراتيجية»
واشنطن وتل أبيب... عينان تلتقيان على طهران

غلاف الكتاب

إفرايم إنبار

إيتان غيلبوا





| تعريب - عبدالعليم الحجار وعمرو علي زين العابدين |
كثيرون من الباحثين والمحللين الأميركيين كتبوا عن علاقات بلادهم مع إسرائيل، في حين أن قلة من الباحثين الإسرائيليين الذين ألّفوا في هذا الجانبين الديبلوماسي والاستراتيجي. ومن هؤلاء الكتاب الإسرائيليين إفرايم إنبار وإيتان غيلبوا اللذان صدر مؤلفهما الأخير عن «مركز بيغن - السادات للدراسات الاستراتيجية» بعنوان «العلاقات الأميركية - الإسرائيلية في حقبة جديدة... قضايا وتحديات بعد 11 سبتمبر».
هذا الكتاب، الذي ساهمت فيه مجموعة من الباحثين المهتمين بالعلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة وإسرائيل، يلقي - حسب الناشر - «نظرة فاحصة متعمقة على المشاكل والعوامل والقضايا الراهنة في العلاقات الأميركية - الإسرائيلية، والتي ستكون لها تضمينات مستقبلية سواء بالنسبة إلى منطقة الشرق الأوسط أو بالنسبة إلى السلام والرخاء العالميين. لقد أسست الولايات المتحدة وإسرائيل علاقة ثنائية استثنائية، وهي العلاقة التي لها تأثيرات كبيرة على الأحداث، وعلى مجريات الأمور في منطقة الشرق الأوسط، برمتها. فإسرائيل تعتمد على الولايات المتحدة في الحصول على المعدات العسكرية وفي الحصول على الدعم ضد المنظمات المعادية، بالإضافة إلى الحصول على المساعدات الاقتصادية والمالية. وفي المقابل، فإن الولايات المتحدة تنظر إلى إسرائيل باعتبارها حليفا قوياً وموثوقاً به، كما أن الولايات المتحدة دأبت على اعتناق مفاهيم استراتيجية حكمت أمن إسرائيل القومي طوال عقود خلت، مثل الضربات الاستباقية والاستراتيجيات المناوئة للإرهاب».
ويستطرد الناشر: «لكن هناك سياسيين ومفكرين انتقدوا إسرائيل والمنظمات المؤيدة لها بسبب إفراطها في ممارسة النفوذ والتأثير على السياسة (الخارجية) الأميركية في منطقة الشرق الأوسط. وفي هذا الكتاب يستعرض عدد من الخبراء العالميين أبحاثاً واستنتاجات عن مجموعة متنوعة من القضايا الثنائية والإقليمية الحرجة في العلاقات الأميركية - الإسرائيلية، وذلك على نحو يقترب من الموضوعات ذات الصلة من زوايا نظرية وعملية».
يلقي الفصل الأول من الجزء الأول (الأفق الاستراتيجي) من الكتاب نظرة تفحصية على الأنماط والأساليب التي تنتهجها الولايات المتحدة في إدارة الحرب والسلم. أما الفصل الثاني فإنه يستكشف ويقارن بين المصالح والمناهج الاستراتيجية المشتركة إزاء السياسات العالمية والإقليمية. والجزء الثاني الذي يحمل عنوان «موارد داخلية» يلقي نظرة تحليلية على العوامل والقضايا التي تؤثر على عملية صنع السياسة الخارجية في الولايات المتحدة، بما في ذلك الرأي العام واللوبي المؤيد لإسرائيل في واشنطن (لجنة الشؤون العامة الأميركية - الإسرائيلية المعروفة اختصاراً بـ «أيباك») واليهود الأميركيون والمسيحيون الأميركيون. أما الجزء الثالث «قضايا السياسة الخارجية» فإنه يستكشف ثلاث قضايا جدلية كبرى على صعيدي السياسة الأميركية والعلاقات الأميركية - الإسرائيلية، وتحديداً حرب العام 2003 في العراق والوساطة الأميركية في الصراع العربي - الإسرائيلي، بالإضافة إلى قضية القدس. أما الجزء الرابع «آفاق متعددة الجوانب» فإنه يقدم أبعاداً متعددة الجوانب ويكشف عن علاقات ارتباطية بين الولايات المتحدة واسرائيل ودول أخرى مثل أوروبا والهند وتركيا. ويقترح الجزء الأخير «التطلع قدماً» سيناريوات متوقعة للتطورات المستقبلية على صعيد العلاقات الأميركية - الإسرائيلية.
ولذلك يبدأ الفصل الأول بالإطار النظري التحليلي الخاص بـ بنيامين ميللر، وهو الإطار الذي تم تعميمه لدراسة إدارة الولايات المتحدة للسلم والحرب في منطقة الشرق الأوسط من خلال نهجين يتعلقان بالعلاقات الدولية ألا وهما النهج الواقعي والنهج الليبرالي. ويرى ميللر من خلال نظريته تلك أنه كانت هناك تنوعات كبيرة في طريقة إدارة الولايات المتحدة للحرب والسلم في المنطقة خلال العقود الأخيرة، وبالتالي فإن يركز ميللر على الوصف المفاهيمي والتجريبي لهذه التنوعات في إدارة الصراع. كما يقدم تفسيراً لهذه التنوعات بناء على منطق التأثيرات المجتمعة لتوازن التهديدات النظامية والإقليمية، إذ كانت هناك أنواع أربعة من أساليب الإدارة تطبق على الاستراتيجيات الأميركية في حروب شرق أوسطية أربع، وفي الديبلوماسية التي تلتها وهي: حرب يوم الغفران عام 1973، وحرب الخليج 1990 - 1991 وحرب العراق 2003 وحرب لبنان الثانية 2006.
وفي الفصل الثاني يرسم إفرايم إنبار منظوراً استراتيجياً من القدس تطور لديه منذ نهاية الحرب الباردة. وفي هذا الفصل يقيّم المؤلف ميل إسرائيل القوى للأميركيين وتفضيلهم لعالم يهيمن عليه الأميركيون. كما يحلل إنبار سرّ ذلك الالتصاق الاستراتيجي الذي نما بين الدولتين منذ نهاية الحرب الباردة ويبرز التشابهات الموجودة في الأجندات الاستراتيجية للدولتين. لقد ضاقت الفجوة في مبادئ الأمن القومي بين كل من الدولتين وتعزز التعاون في المجال الاستراتيجي. وبالفعل فقد صمدت الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل أمام ظروف التحولات في النظام العالمي، رغم التوترات العرضية الثنائية بين الدولتين. وفيما بقيت إسرائيل أكثر شركاء أميركا مصداقية في تلك المنطقة استمرت الولايات المتحدة في سياساتها الخاصة بالحرب الباردة، والتي تتلخص في توفير الدعمين الديبلوماسي والاقتصادي، اللذين تحتاجهما إسرائيل بشدة، وكذلك تسهيل الدخول لترسانة الأسلحة الحديثة.
أما الفصل الثالث فيبدأ بتحليل مقارن مميز للأساليب المتبعة للولايات المتحدة والمواقف الإسرائيلية تجاه بعضها البعض. ويقدم إيتان غيلبوا فيه ويكمل البيانات الحديثة التي بُنيت على استطلاعات رأي عدة حديثة جرت في كل من إسرائيل والولايات المتحدة، من بينها اقتراعات صممت خصيصاً لهذا العمل.
غيلبوا وضع نتائج الاستطلاعات من خلال خطط طويلة المدى وسياقات سياسية واستراتيجية للأحداث الرئيسية التي تدخل ضمن إطار العلاقات بين الدولتين وبشكل رئيسي منذ أحداث 11 سبتمبر 2001 تلك الهجمات الإرهابية التي شنت ضد الولايات المتحدة. ويسوق غيلبوا هنا الآراء المشتركة الأميركية والإسرائيلية في شأن قضايا عدة ذات اهتمام مشترك بين الدولتين مثل التفضيل، المصداقية، القيادة، المصالح الأجنبية والاستراتيجية والقضايا الإقليمية بما فيها سعي إيران إلى امتلاك الأسلحة النووية والحرب في العراق وغيرها.
أما الجزء الرابع فعالج فيه دوف واكسمان قضايا السياسة الخارجية الرئيسية طويلة الأمد، والتي تقع ضمن إطار العلاقات الأميركية - الإسرائيلية. ومن أهم القضايا الرئيسية في ملف السياسة الخارجية الأميركية بعد أحداث 11 سبتمبر موضوع الحرب في العراق. ورغم أن إسرائيل لم تشترك في هذه الحرب إلا أنها تواصلت معها إلى حد كبير، على حد قول البعض ضمنياً.
وبالفعل - وبعيداً عن الولايات المتحدة وبريطانيا - فربما تكون إسرائيل في التصور العام (في كل من الدول الغربية ودول الشرق الأوسط) أكثر ارتباطاً بحرب العراق أكثر من أي دولة أخرى. وكان هناك اعتقاد واسع بأن إسرائيل كانت - بطريقة ما - خلف قرار شن الحرب على العراق في تلك الحملة التي قادتها أميركا مع قوات التحالف للإطاحة بنظام صدام عام 2003. لكن واكسمان يفند هذا الاعتقاد الشائع ويقدم تحليلاً أكثر دقة على الآراء الاسرائيلية التي تتعلق بالرغبة في شن حرب ضد العراق بواسطة قوات التحالف بقيادة أميركا. كما أوضح تحليله أيضاً تبعات شن حرب ضد العراق على اسرائيل ومضامينها المحتملة على العلاقات الأميركية - الإسرائيلية.
ومن بين القضايا الرئيسية الأخرى في ملف العلاقات الأميركية - الإسرائيلية الموقف الأميركي تجاه المفاوضات العربية - الاسرائيلية. ويتناول جوناثان رينولد الجدليات القائمة في الولايات المتحدة في شأن أكثر الطرق فعالية لحل هذا الصراع. ومنذ انهيار عملية (الحل) عام 2000. وتوالي أحداث مثل 11 سبتمبر 2001 وحرب العراق عام 2003، وهذه الجدلية تزداد سخونة أكثر، خصوصاً مع تشبث واضعي السياسات والأكاديميين بفكرة التهديدات والتحديات الموجهة للولايات المتحدة، والتي تبرز من داخل الشرق الأوسط. والسؤال الأهم: هل ينبغي على الولايات المتحدة التركيز على إدارة أو حل الصراع العربي - الإسرائيلي أم لا؟
ويؤكد البعض أن إدارة الرئيس كلينتون ركزّت كثيراً على حل هذا الصراع ما ساهم في انهيار عملية السلام، وأدى إلى تدهور واسع في المنطقة، في ما يؤكد آخرون أن إدارة الرئيس جورج دبليو بوش لم تركز كثيراً على حل الصراع، ما جلب معه تداعيات سلبية كبيرة على المصالح الأميركية في منطقة الشرق الأوسط. رينولد تناول هذه المزاعم وبحث مضامينها على السياسة الأميركية في المنطقة.
وكان موضوع القدس محوراً لجدل شديد ومناظرات حامية في العلاقات الأميركية - الإسرائيلية. ومنذ تأسيس دولة إسرائيل، رفضت الولايات المتحدة اعتبار القدس عاصمة لدولة إسرائيل، حتى هؤلاء الذين كان ينظر إليهم على أنهم أصدقاء مقربون لإسرائيل كانوا عازفين عن تمرير قرارات في الكونغرس تسمح لهم بنقل السفارة الأميركية الى القدس. وقد وصف شلومو سلونيم المعركة على القدس في واشنطن مركّزاً على الجوانب القانونية والسياسية للمشكلة.
ينتقل الكتاب بعد ذلك إلى الجزء الرابع، وهو «آفاق متعددة الجوانب». وهذا الجزء يتناول العلاقات الثلاثية التي تربط حالياً إسرائيل مع الولايات المتحدة وأوروبا والهند وتركيا. وهنا يقوم إيمانويل أوتلنغي بتحليل الرأي الأوروبي تجاه قضية الشرق الأوسط وإسرائيل. وتمثل مركزية قضية الشرق الأوسط بالنسبة إلى المصالح الاستراتيجية الحيوية لكل من أوروبا والولايات المتحدة ما يشبه نقطة ساخنة في العلاقات العابرة للأطلسي، فالآراء الأوروبية تجاه الشرق الأوسط والآراء الأميركية غير متطابقة. في حين، أن الجزء الخامس والأخير «التطلع قدماً» أعده الباحث الأميركي بي إدوارد هالي وركز فيه على مستقبل العلاقات الأميركية الإسرائيلية، مركزاً على أساليب التعاطي إيران في ظل اقترابها من امتلاك السلاح النووي.
الأجندة الاستراتيجية المتشابكة
يرى مدير «مركز بيغن - السادات للدراسات الاستراتيجية» إفرايم إنبار أن «الشراكة الاستراتيجية بين إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية لم تنعكس في شكل اتفاقية دفاع رسمية. وإسرائيل - تحديداً - كانت ومازالت تمانع في الدخول في تحالف رسمي من أجل الحفاظ على حريتها في التحرك العسكري وللإبقاء على ترسانتها النووية بعيدة عن التدخل الأجنبي. وفي حين أظهر قادة اسرائيل اهتماماً واضحاً بتوقيع اتفاقيات رسمية ثنائية لتطوير التعاون في مجالات معينة، إلا أنهم أكدوا أكثر من مرة بأنه لا حاجة لأن يدافع الجنود الأميركيون عن إسرائيل مرددين مقولة ونستون تشرشل أثناء الحرب العالمية الثانية: (أعطونا الوسائل ونحن سننهي المهمة). والعلاقة الاستراتيجية الحالية المزدهرة تعتمد على أجندة استراتيجية مشتركة حافظت على سياسات الحرب الباردة».
ويلفت إنبار إلى أنه «بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، شكّلت الولايات المتحدة نمطاً استراتيجياً جديداً، وهو الحرب على الإرهاب، وهذا الإطار الاستراتيجي للتحليل اعتبر الإرهاب والراديكالية الإسلامية على أنها التهديدات الرئيسية للغرب، وهذا ما أدى إلى تقوية الشراكة الاستراتيجية مع اسرائيل. أكثر من ذلك فإن إدارة الرئيس بوش شخّصت بشكل صحيح التهديدات على أنها ناجمة من فشل الدول العربية في الاندماج بشكل ناجح مع حركة التجديد وليس بسبب أمراض مجتمعات الشرق الأوسط الناجمة عن الإرث الاستعماري أو بسبب ازدياد الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني. وفي حين لا تشارك القيادة الإسرائيلية، إلى حد كبير، التكهنات الأميركية التي ترى أن هناك حاجة لوجود هندسة سياسية على نطاق واسع للمجتمعات التي تفرز الراديكالية الإسلامية والإرهاب الدولي، لكنه فُهم منه أن ذلك قد يلعب دوراً إيجابياً في الإطار الاستراتيجي الجديد. فإسرائيل كانت تواجه الأعداء أنفسهم وكانت ومازالت في مقدمة المعركة التي اندلعت في الشرق الأوسط الكبير».
ويضيف إنبار: «لكن اللافت هنا أن جمهورية إيران الإسلامية المتنامية تجسد جميع التهديدات المشار إليها. فهي دولة مصدرة للنفط ولها موقع استراتيجي بطول بحر قزوين الغني بالنفط ومنطقة الخليج العربي أيضاً وتتحكم في مدخله الوحيد، وهو مضيق هرمز. وهاتان المنطقتان المتجاورتان تمثلان (تكتلات الطاقة)، لأنهما تحويان أكثر من 70 في المئة من نفط العالم ونحو أكثر من 40 في المئة من احتياطي الغاز الطبيعي. إيران أيضاً تدرّب وتجهز وتموّل منظمات إسلامية إرهابية حول العالم. وفوق ذلك كله فإن إيران خرجت عن الإجماع الدولي وسعت إلى تأسيس برنامج نووي بهدف الحصول على قدرات على قنابل نووية. وعندما تصبح إيران دولة نووية فإن هذا سيعزز السيطرة الإيرانية على قطاع الطاقة الاستراتيجية، كما سيعزز من مكانة إيران على الساحة العالمية. وهذا التطور سوف يجعل مسألة احتواء إيران مسألة أكثر صعوبة، كما سيقوي من عزم الحركات الراديكالية الإسلامية في كل مكان».
ويشير إنبار إلى أن «سلوك ايران هذا جعلها تصطدم بالمسار الأميركي. أضف على ذلك فإن السياسة الخارجية للنظام الإسلامي الحاكم في طهران المعادية، عموماً، الولايات المتحدة قد دفعت الرئيس جورج بوش لإدراج إيران في قائمة (محور الشر) في يناير من عام 2003. (وتقرير الاستخبارات القومية الأميركية) المحدّث في شأن البرنامج النووي الإيراني، والذي صدر في ديسمبر من عام 2007، بدا وكأنه يشير إلى أنه مازال هناك وقت لحشد ضغط ديبلوماسي واقتصادي على طهران لتنسجم مع مطالب المجتمع الدولي بخصوص الموضوع النووي. وفيما يخف الجدل الأميركي إلى أدنى درجة على وجود ضرورة لاتخاذ رد فعل عسكري تجاه التحدي الإيراني حتى بعد صدور تقرير الاستخبارات، لكن مازال التكهن مفتوحاً على قدرة الولايات المتحدة فى إجبار إيران على الامتثال لمطالب المجتمع الدولي في التخلي عن البرنامج النووي من جانبها».
مستقبل العلاقات الأميركية - الإسرائيلية
يقول بي إدوارد هالي: «من اللافت للنظر أن إسرائيل والأردن ومصر وسورية ولبنان ودول الخليج لديها علاقات مع الولايات المتحدة أكثر ارتباطاً من علاقاتها بينها وبين بعضها. إيران من جهتها طورت علاقات وثيقة مع سورية و(حزب الله) ومع الفصائل السياسية العراقية منذ الإطاحة بصدام، لكنها حافظت على بناء علاقات مع روسيا والصين، وإلى درجة محدودة دول الاتحاد الأوروبي، بشكل أقوى من علاقاتها بالدول العربية الخليجية، رغم أن الدول الأوروبية - سواء منفردة أو مجتمعة - لا يمكن القول إنها تملك استراتيجية أو القوى اللازمة لتطبيقها. وهذا النمط نفسه موجود بالفعل بين بريطانيا وفرنسا والدول التي كانت جزءاً من إمبراطوريتها الاستعمارية في الشرق الأوسط وأفريقيا في القرنين التاسع عشر والعشرين، ولو لم يكن المرء على علم بما حدث خلال المئة عام الماضية لقال إن العلاقات الخارجية لدول الشرق الأوسط تبدو علاقات استعمارية بارزة، وتقدم هيمنة الصراع، والحاجة المترافقة إلى وجود مصادر إضافية، وفرض نفوذ من خارج المنطقة، أحد التفسيرات لذلك الوضع، لكن إجراءات بناء الثقة والمؤسسات المعتدلة قد تم وضع لبناتها بين دول في مناطق أخرى من العالم، تلك الدول كانت معادية لبعضها البعض. ورغم الحروب المتكررة والكفاح المدني الطويل والإرهاب، فإن الشرق الأوسط مازال يفتقد حتى لأهم المؤسسات ذات العلاقات المتعددة، مثل مؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا، أو مفاوضات الحد من التسلح التي ميزت العلاقات بين الشرق والغرب خلال فترة الحرب البادرة. والشرق الأوسط ليست فيه محادثات إقليمية لنزع التسلح، وليس فيه ما يوازي أجندة هلسنكي، وليست فيه تحالفات إقليمية داخلية، مثل اتحاد أوروبا الغربية، وما فيه يقل كثيراً عن تحالف الاتحاد الأوروبي، كما أنه يفتقد أيضاً إلى وجود اجتماعات منتظمة بين قادة دول المنطقة الذين قد يكونون أنفسهم خصوماً لبعض، كما أنه يفتقد للتعاون الاقتصادي الإقليمي، وحتى التجارة البيئية في ما بينهم ضئيلة للغاية.
وبالنظر إلى هذه الأمور الشاذة، فإن هدف هذا الباب طرح سؤال: ما الذي سيحدث للعلاقات الأميركية - الإسرائيلية فيما لو أصبحت السياسات الدولية للشرق الأوسط (أمراً اعتيادياً) في المستقبل؟ وما الذي سيحدث للعلاقات الأميركية - الإسرائيلية فيما لو دخلت دول المنطقة في علاقة تقارب بين بعضها البعض؟».
التسوية الموقتة مع إيران مستحيلة
ويضيف هالي: «ان الذي سيحدث، فيما لو استمرت حال العداء الحالية بين إيران وإسرائيل في المستقبل، وفيما لو فشلت الولايات المتحدة في احتواء ايران وقللت تدريجياً من قواتها في العراق وحاولت العودة إلى استراتيجية (اقتصاد القوة) في المنطقة المبني على أساس قواتها الجوية والبحرية في الخليج، أن خيارات إسرائيل حينها ستكون محصورة بين تبني استراتيجية متوازنة مع الدول العربية والعناصر الصديقة لها في لبنان، أو تحويل المسؤولية إلى الولايات المتحدة، وبالطبع فقد تحاول إسرائيل أحد الخيارين أو كليهما في الوقت نفسه.
والمنطق والخبرة يوحيان بأنه لو حاولت إسرائيل أن تتبنى هدفاً مشتركاً مع الدول العربية ومع الفصائل الصديقة في لبنان فسيتعين عليها دفع الثمن لكل من سورية والفلسطينيين: لسورية بإعادة مرتفعات الجولان - وربما - لإيجاد شرعية لوجودها في لبنان، أما بالنسبة إلى الفلسطينيين فإن الاستيطان سيكون مبنياً على شروط تشبه تلك التي وردت في مقترحات كلينتون عام 2000 ببنوده الأساسية كلها من ناحية الحدود واللاجئين والأمن والمياه والوجود الفلسطيني في القدس وعودة معظم مناطق الضفة الغربية».
ويتابع: «لقد قدّم شمعون بيريز عرضين رئيسيين في مقابل تخليهم عن استراتيجيتهم الخارجية في المنطقة. فإيران كانت، ومازالت، تحاول الحصول على الأسلحة النووية، وأيديولوجيتها الإسلامية الراديكالية تجعل مسألة التعايش معها أمراً مستحيلاً. وعندما أصبح بيريز رئيساً للوزراء انضم إلى الأميركيين المؤيدين لإسرائيل لإقناع إدارة الرئيس كلينتون وكذلك الكونغرس الأميركي لعزل إيران ومعاقبتها اقتصادياً وديبلوماسياً. وقد أخذ العقاب الاقتصادي شكل قرارين تنفيذيين أصدرهما كلينتون عام 1995 بوقف تعامل الشركات الأميركية بالتجارة والاستثمار في إيران، والقرار الثاني كان قرار فرض العقوبات ضد إيران وليبيا، والذي تجاهل اعتراضات الإدارة في أغسطس من عام 1996 والذي فرض عقوبات ضد الشركات (أجنبية وأميركية) التي استثمرت أكثر من 40 مليون دولار في القطاع النفطي في إيران. ان الجانب الديبلوماسي للتوجه المناهض لإيران أظهر سياسة جديدة للإدارة تتسم بـ(الاحتواء المزدوج) تجاه منطقة الخليج، بغية عزل كل من العراق وإيران».
ويشير هالي إلى أنه «كان هناك عديدون - سواء في واشنطن أو في القدس - غير مرتاحين لمسألة العداء مع إيران، ويرون أن هذه النظرة غير ناضجة، وربما كانت متعمدة في أوائل عقد التسعينات لرسم صورة لإيران على أنها دولة خطرة جداً. لكن إيران لم تظهر سوى تهديد ضئيل للولايات المتحدة، والحرب بينها وبين العراق أنهكت الشعب الإيراني، وكذلك اقتصاد البلد وأيضاً المؤسسة العسكرية الإيرانية بشدة أثناء وقت الحرب، كما أنها لم تطوّر (وقتها) الأسلحة الكيمياوية والنووية ولا الصواريخ التي قد تهدد دولة إسرائيل. وقد فتحت المجال أمام إمكانية إحلال تسوية بين إسرائيل والدول العربية التي شعرت بأنها مهددة من قبل إيران. ولأن واشنطن أعجبتها الفكرة جداً فقد جارتها، وهذه أعادت إسرائيل وواشنطن معاً في الخلف بعد انزوائهما خلال إدارة بوش الأولى. وهكذا تمكنت اسرائيل من المضي قدماً نحو تسوية مع الفلسطينيين، وهو مسار انتهجته من خلال (اتفاق أوسلو). ورغم أن الاحتواء المزدوج اختفى مع إطاحة الأميركيين بصدام حسين واحتلال العراق، إلا أن إيران استمرت في وضع استراتيجية ربط إسرائيل بالولايات المتحدة. وهكذا فإن استكشاف بعض مضامين التسوية الموقتة مع إيران يتحدى ما كان يوماً عنصراً مركزياً في علاقات الدولتين لأكثر من عقد من الزمن».
ويؤكد هالي أنه «بإمكان التسوية الموقتة مع إيران أن تتيح لإسرائيل قطع أشواط أصعب في المفاوضات مع الفلسطينيين بسبب انزواء التهديد الوجودي الرئيسي الذي يهدد إسرائيل إلى حد ما، وستكون العلاقات الجيدة مع الدول العربية - بشكل متوازٍ - ذات أهمية أقل. ومع تخفيف التوتر تجاه إيران والدول العربية، ربما تجد إسرائيل نفسها قادرة على لعب دور حفظ التوازن بين الطرفين. وفي حال تحركت إسرائيل والولايات المتحدة باتجاه بناء علاقات جيدة مع إيران في الوقت نفسه، فإن علاقات إسرائيل بأقوى مؤيديها لم تتأثر بشيء.
ولكن ماذا لو اتجهت أنظار الرأي العام الأميركي نحو حرب العراق حتى بشكل أكثر تصميماً في المستقبل، أو في حال قرر الرئيس الأميركي الجديد إنهاء التورط الأميركي في العراق، عندها يُرجح أن تسعى واشنطن نحو تحقيق نوع من الاحتواء تجاه إيران، حتى لو كان ذلك يعني مجرد توقيع اتفاقات ضمنية تنظم قواعد اللعبة في منطقة الخليج».
كثيرون من الباحثين والمحللين الأميركيين كتبوا عن علاقات بلادهم مع إسرائيل، في حين أن قلة من الباحثين الإسرائيليين الذين ألّفوا في هذا الجانبين الديبلوماسي والاستراتيجي. ومن هؤلاء الكتاب الإسرائيليين إفرايم إنبار وإيتان غيلبوا اللذان صدر مؤلفهما الأخير عن «مركز بيغن - السادات للدراسات الاستراتيجية» بعنوان «العلاقات الأميركية - الإسرائيلية في حقبة جديدة... قضايا وتحديات بعد 11 سبتمبر».
هذا الكتاب، الذي ساهمت فيه مجموعة من الباحثين المهتمين بالعلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة وإسرائيل، يلقي - حسب الناشر - «نظرة فاحصة متعمقة على المشاكل والعوامل والقضايا الراهنة في العلاقات الأميركية - الإسرائيلية، والتي ستكون لها تضمينات مستقبلية سواء بالنسبة إلى منطقة الشرق الأوسط أو بالنسبة إلى السلام والرخاء العالميين. لقد أسست الولايات المتحدة وإسرائيل علاقة ثنائية استثنائية، وهي العلاقة التي لها تأثيرات كبيرة على الأحداث، وعلى مجريات الأمور في منطقة الشرق الأوسط، برمتها. فإسرائيل تعتمد على الولايات المتحدة في الحصول على المعدات العسكرية وفي الحصول على الدعم ضد المنظمات المعادية، بالإضافة إلى الحصول على المساعدات الاقتصادية والمالية. وفي المقابل، فإن الولايات المتحدة تنظر إلى إسرائيل باعتبارها حليفا قوياً وموثوقاً به، كما أن الولايات المتحدة دأبت على اعتناق مفاهيم استراتيجية حكمت أمن إسرائيل القومي طوال عقود خلت، مثل الضربات الاستباقية والاستراتيجيات المناوئة للإرهاب».
ويستطرد الناشر: «لكن هناك سياسيين ومفكرين انتقدوا إسرائيل والمنظمات المؤيدة لها بسبب إفراطها في ممارسة النفوذ والتأثير على السياسة (الخارجية) الأميركية في منطقة الشرق الأوسط. وفي هذا الكتاب يستعرض عدد من الخبراء العالميين أبحاثاً واستنتاجات عن مجموعة متنوعة من القضايا الثنائية والإقليمية الحرجة في العلاقات الأميركية - الإسرائيلية، وذلك على نحو يقترب من الموضوعات ذات الصلة من زوايا نظرية وعملية».
يلقي الفصل الأول من الجزء الأول (الأفق الاستراتيجي) من الكتاب نظرة تفحصية على الأنماط والأساليب التي تنتهجها الولايات المتحدة في إدارة الحرب والسلم. أما الفصل الثاني فإنه يستكشف ويقارن بين المصالح والمناهج الاستراتيجية المشتركة إزاء السياسات العالمية والإقليمية. والجزء الثاني الذي يحمل عنوان «موارد داخلية» يلقي نظرة تحليلية على العوامل والقضايا التي تؤثر على عملية صنع السياسة الخارجية في الولايات المتحدة، بما في ذلك الرأي العام واللوبي المؤيد لإسرائيل في واشنطن (لجنة الشؤون العامة الأميركية - الإسرائيلية المعروفة اختصاراً بـ «أيباك») واليهود الأميركيون والمسيحيون الأميركيون. أما الجزء الثالث «قضايا السياسة الخارجية» فإنه يستكشف ثلاث قضايا جدلية كبرى على صعيدي السياسة الأميركية والعلاقات الأميركية - الإسرائيلية، وتحديداً حرب العام 2003 في العراق والوساطة الأميركية في الصراع العربي - الإسرائيلي، بالإضافة إلى قضية القدس. أما الجزء الرابع «آفاق متعددة الجوانب» فإنه يقدم أبعاداً متعددة الجوانب ويكشف عن علاقات ارتباطية بين الولايات المتحدة واسرائيل ودول أخرى مثل أوروبا والهند وتركيا. ويقترح الجزء الأخير «التطلع قدماً» سيناريوات متوقعة للتطورات المستقبلية على صعيد العلاقات الأميركية - الإسرائيلية.
ولذلك يبدأ الفصل الأول بالإطار النظري التحليلي الخاص بـ بنيامين ميللر، وهو الإطار الذي تم تعميمه لدراسة إدارة الولايات المتحدة للسلم والحرب في منطقة الشرق الأوسط من خلال نهجين يتعلقان بالعلاقات الدولية ألا وهما النهج الواقعي والنهج الليبرالي. ويرى ميللر من خلال نظريته تلك أنه كانت هناك تنوعات كبيرة في طريقة إدارة الولايات المتحدة للحرب والسلم في المنطقة خلال العقود الأخيرة، وبالتالي فإن يركز ميللر على الوصف المفاهيمي والتجريبي لهذه التنوعات في إدارة الصراع. كما يقدم تفسيراً لهذه التنوعات بناء على منطق التأثيرات المجتمعة لتوازن التهديدات النظامية والإقليمية، إذ كانت هناك أنواع أربعة من أساليب الإدارة تطبق على الاستراتيجيات الأميركية في حروب شرق أوسطية أربع، وفي الديبلوماسية التي تلتها وهي: حرب يوم الغفران عام 1973، وحرب الخليج 1990 - 1991 وحرب العراق 2003 وحرب لبنان الثانية 2006.
وفي الفصل الثاني يرسم إفرايم إنبار منظوراً استراتيجياً من القدس تطور لديه منذ نهاية الحرب الباردة. وفي هذا الفصل يقيّم المؤلف ميل إسرائيل القوى للأميركيين وتفضيلهم لعالم يهيمن عليه الأميركيون. كما يحلل إنبار سرّ ذلك الالتصاق الاستراتيجي الذي نما بين الدولتين منذ نهاية الحرب الباردة ويبرز التشابهات الموجودة في الأجندات الاستراتيجية للدولتين. لقد ضاقت الفجوة في مبادئ الأمن القومي بين كل من الدولتين وتعزز التعاون في المجال الاستراتيجي. وبالفعل فقد صمدت الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل أمام ظروف التحولات في النظام العالمي، رغم التوترات العرضية الثنائية بين الدولتين. وفيما بقيت إسرائيل أكثر شركاء أميركا مصداقية في تلك المنطقة استمرت الولايات المتحدة في سياساتها الخاصة بالحرب الباردة، والتي تتلخص في توفير الدعمين الديبلوماسي والاقتصادي، اللذين تحتاجهما إسرائيل بشدة، وكذلك تسهيل الدخول لترسانة الأسلحة الحديثة.
أما الفصل الثالث فيبدأ بتحليل مقارن مميز للأساليب المتبعة للولايات المتحدة والمواقف الإسرائيلية تجاه بعضها البعض. ويقدم إيتان غيلبوا فيه ويكمل البيانات الحديثة التي بُنيت على استطلاعات رأي عدة حديثة جرت في كل من إسرائيل والولايات المتحدة، من بينها اقتراعات صممت خصيصاً لهذا العمل.
غيلبوا وضع نتائج الاستطلاعات من خلال خطط طويلة المدى وسياقات سياسية واستراتيجية للأحداث الرئيسية التي تدخل ضمن إطار العلاقات بين الدولتين وبشكل رئيسي منذ أحداث 11 سبتمبر 2001 تلك الهجمات الإرهابية التي شنت ضد الولايات المتحدة. ويسوق غيلبوا هنا الآراء المشتركة الأميركية والإسرائيلية في شأن قضايا عدة ذات اهتمام مشترك بين الدولتين مثل التفضيل، المصداقية، القيادة، المصالح الأجنبية والاستراتيجية والقضايا الإقليمية بما فيها سعي إيران إلى امتلاك الأسلحة النووية والحرب في العراق وغيرها.
أما الجزء الرابع فعالج فيه دوف واكسمان قضايا السياسة الخارجية الرئيسية طويلة الأمد، والتي تقع ضمن إطار العلاقات الأميركية - الإسرائيلية. ومن أهم القضايا الرئيسية في ملف السياسة الخارجية الأميركية بعد أحداث 11 سبتمبر موضوع الحرب في العراق. ورغم أن إسرائيل لم تشترك في هذه الحرب إلا أنها تواصلت معها إلى حد كبير، على حد قول البعض ضمنياً.
وبالفعل - وبعيداً عن الولايات المتحدة وبريطانيا - فربما تكون إسرائيل في التصور العام (في كل من الدول الغربية ودول الشرق الأوسط) أكثر ارتباطاً بحرب العراق أكثر من أي دولة أخرى. وكان هناك اعتقاد واسع بأن إسرائيل كانت - بطريقة ما - خلف قرار شن الحرب على العراق في تلك الحملة التي قادتها أميركا مع قوات التحالف للإطاحة بنظام صدام عام 2003. لكن واكسمان يفند هذا الاعتقاد الشائع ويقدم تحليلاً أكثر دقة على الآراء الاسرائيلية التي تتعلق بالرغبة في شن حرب ضد العراق بواسطة قوات التحالف بقيادة أميركا. كما أوضح تحليله أيضاً تبعات شن حرب ضد العراق على اسرائيل ومضامينها المحتملة على العلاقات الأميركية - الإسرائيلية.
ومن بين القضايا الرئيسية الأخرى في ملف العلاقات الأميركية - الإسرائيلية الموقف الأميركي تجاه المفاوضات العربية - الاسرائيلية. ويتناول جوناثان رينولد الجدليات القائمة في الولايات المتحدة في شأن أكثر الطرق فعالية لحل هذا الصراع. ومنذ انهيار عملية (الحل) عام 2000. وتوالي أحداث مثل 11 سبتمبر 2001 وحرب العراق عام 2003، وهذه الجدلية تزداد سخونة أكثر، خصوصاً مع تشبث واضعي السياسات والأكاديميين بفكرة التهديدات والتحديات الموجهة للولايات المتحدة، والتي تبرز من داخل الشرق الأوسط. والسؤال الأهم: هل ينبغي على الولايات المتحدة التركيز على إدارة أو حل الصراع العربي - الإسرائيلي أم لا؟
ويؤكد البعض أن إدارة الرئيس كلينتون ركزّت كثيراً على حل هذا الصراع ما ساهم في انهيار عملية السلام، وأدى إلى تدهور واسع في المنطقة، في ما يؤكد آخرون أن إدارة الرئيس جورج دبليو بوش لم تركز كثيراً على حل الصراع، ما جلب معه تداعيات سلبية كبيرة على المصالح الأميركية في منطقة الشرق الأوسط. رينولد تناول هذه المزاعم وبحث مضامينها على السياسة الأميركية في المنطقة.
وكان موضوع القدس محوراً لجدل شديد ومناظرات حامية في العلاقات الأميركية - الإسرائيلية. ومنذ تأسيس دولة إسرائيل، رفضت الولايات المتحدة اعتبار القدس عاصمة لدولة إسرائيل، حتى هؤلاء الذين كان ينظر إليهم على أنهم أصدقاء مقربون لإسرائيل كانوا عازفين عن تمرير قرارات في الكونغرس تسمح لهم بنقل السفارة الأميركية الى القدس. وقد وصف شلومو سلونيم المعركة على القدس في واشنطن مركّزاً على الجوانب القانونية والسياسية للمشكلة.
ينتقل الكتاب بعد ذلك إلى الجزء الرابع، وهو «آفاق متعددة الجوانب». وهذا الجزء يتناول العلاقات الثلاثية التي تربط حالياً إسرائيل مع الولايات المتحدة وأوروبا والهند وتركيا. وهنا يقوم إيمانويل أوتلنغي بتحليل الرأي الأوروبي تجاه قضية الشرق الأوسط وإسرائيل. وتمثل مركزية قضية الشرق الأوسط بالنسبة إلى المصالح الاستراتيجية الحيوية لكل من أوروبا والولايات المتحدة ما يشبه نقطة ساخنة في العلاقات العابرة للأطلسي، فالآراء الأوروبية تجاه الشرق الأوسط والآراء الأميركية غير متطابقة. في حين، أن الجزء الخامس والأخير «التطلع قدماً» أعده الباحث الأميركي بي إدوارد هالي وركز فيه على مستقبل العلاقات الأميركية الإسرائيلية، مركزاً على أساليب التعاطي إيران في ظل اقترابها من امتلاك السلاح النووي.
الأجندة الاستراتيجية المتشابكة
يرى مدير «مركز بيغن - السادات للدراسات الاستراتيجية» إفرايم إنبار أن «الشراكة الاستراتيجية بين إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية لم تنعكس في شكل اتفاقية دفاع رسمية. وإسرائيل - تحديداً - كانت ومازالت تمانع في الدخول في تحالف رسمي من أجل الحفاظ على حريتها في التحرك العسكري وللإبقاء على ترسانتها النووية بعيدة عن التدخل الأجنبي. وفي حين أظهر قادة اسرائيل اهتماماً واضحاً بتوقيع اتفاقيات رسمية ثنائية لتطوير التعاون في مجالات معينة، إلا أنهم أكدوا أكثر من مرة بأنه لا حاجة لأن يدافع الجنود الأميركيون عن إسرائيل مرددين مقولة ونستون تشرشل أثناء الحرب العالمية الثانية: (أعطونا الوسائل ونحن سننهي المهمة). والعلاقة الاستراتيجية الحالية المزدهرة تعتمد على أجندة استراتيجية مشتركة حافظت على سياسات الحرب الباردة».
ويلفت إنبار إلى أنه «بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، شكّلت الولايات المتحدة نمطاً استراتيجياً جديداً، وهو الحرب على الإرهاب، وهذا الإطار الاستراتيجي للتحليل اعتبر الإرهاب والراديكالية الإسلامية على أنها التهديدات الرئيسية للغرب، وهذا ما أدى إلى تقوية الشراكة الاستراتيجية مع اسرائيل. أكثر من ذلك فإن إدارة الرئيس بوش شخّصت بشكل صحيح التهديدات على أنها ناجمة من فشل الدول العربية في الاندماج بشكل ناجح مع حركة التجديد وليس بسبب أمراض مجتمعات الشرق الأوسط الناجمة عن الإرث الاستعماري أو بسبب ازدياد الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني. وفي حين لا تشارك القيادة الإسرائيلية، إلى حد كبير، التكهنات الأميركية التي ترى أن هناك حاجة لوجود هندسة سياسية على نطاق واسع للمجتمعات التي تفرز الراديكالية الإسلامية والإرهاب الدولي، لكنه فُهم منه أن ذلك قد يلعب دوراً إيجابياً في الإطار الاستراتيجي الجديد. فإسرائيل كانت تواجه الأعداء أنفسهم وكانت ومازالت في مقدمة المعركة التي اندلعت في الشرق الأوسط الكبير».
ويضيف إنبار: «لكن اللافت هنا أن جمهورية إيران الإسلامية المتنامية تجسد جميع التهديدات المشار إليها. فهي دولة مصدرة للنفط ولها موقع استراتيجي بطول بحر قزوين الغني بالنفط ومنطقة الخليج العربي أيضاً وتتحكم في مدخله الوحيد، وهو مضيق هرمز. وهاتان المنطقتان المتجاورتان تمثلان (تكتلات الطاقة)، لأنهما تحويان أكثر من 70 في المئة من نفط العالم ونحو أكثر من 40 في المئة من احتياطي الغاز الطبيعي. إيران أيضاً تدرّب وتجهز وتموّل منظمات إسلامية إرهابية حول العالم. وفوق ذلك كله فإن إيران خرجت عن الإجماع الدولي وسعت إلى تأسيس برنامج نووي بهدف الحصول على قدرات على قنابل نووية. وعندما تصبح إيران دولة نووية فإن هذا سيعزز السيطرة الإيرانية على قطاع الطاقة الاستراتيجية، كما سيعزز من مكانة إيران على الساحة العالمية. وهذا التطور سوف يجعل مسألة احتواء إيران مسألة أكثر صعوبة، كما سيقوي من عزم الحركات الراديكالية الإسلامية في كل مكان».
ويشير إنبار إلى أن «سلوك ايران هذا جعلها تصطدم بالمسار الأميركي. أضف على ذلك فإن السياسة الخارجية للنظام الإسلامي الحاكم في طهران المعادية، عموماً، الولايات المتحدة قد دفعت الرئيس جورج بوش لإدراج إيران في قائمة (محور الشر) في يناير من عام 2003. (وتقرير الاستخبارات القومية الأميركية) المحدّث في شأن البرنامج النووي الإيراني، والذي صدر في ديسمبر من عام 2007، بدا وكأنه يشير إلى أنه مازال هناك وقت لحشد ضغط ديبلوماسي واقتصادي على طهران لتنسجم مع مطالب المجتمع الدولي بخصوص الموضوع النووي. وفيما يخف الجدل الأميركي إلى أدنى درجة على وجود ضرورة لاتخاذ رد فعل عسكري تجاه التحدي الإيراني حتى بعد صدور تقرير الاستخبارات، لكن مازال التكهن مفتوحاً على قدرة الولايات المتحدة فى إجبار إيران على الامتثال لمطالب المجتمع الدولي في التخلي عن البرنامج النووي من جانبها».
مستقبل العلاقات الأميركية - الإسرائيلية
يقول بي إدوارد هالي: «من اللافت للنظر أن إسرائيل والأردن ومصر وسورية ولبنان ودول الخليج لديها علاقات مع الولايات المتحدة أكثر ارتباطاً من علاقاتها بينها وبين بعضها. إيران من جهتها طورت علاقات وثيقة مع سورية و(حزب الله) ومع الفصائل السياسية العراقية منذ الإطاحة بصدام، لكنها حافظت على بناء علاقات مع روسيا والصين، وإلى درجة محدودة دول الاتحاد الأوروبي، بشكل أقوى من علاقاتها بالدول العربية الخليجية، رغم أن الدول الأوروبية - سواء منفردة أو مجتمعة - لا يمكن القول إنها تملك استراتيجية أو القوى اللازمة لتطبيقها. وهذا النمط نفسه موجود بالفعل بين بريطانيا وفرنسا والدول التي كانت جزءاً من إمبراطوريتها الاستعمارية في الشرق الأوسط وأفريقيا في القرنين التاسع عشر والعشرين، ولو لم يكن المرء على علم بما حدث خلال المئة عام الماضية لقال إن العلاقات الخارجية لدول الشرق الأوسط تبدو علاقات استعمارية بارزة، وتقدم هيمنة الصراع، والحاجة المترافقة إلى وجود مصادر إضافية، وفرض نفوذ من خارج المنطقة، أحد التفسيرات لذلك الوضع، لكن إجراءات بناء الثقة والمؤسسات المعتدلة قد تم وضع لبناتها بين دول في مناطق أخرى من العالم، تلك الدول كانت معادية لبعضها البعض. ورغم الحروب المتكررة والكفاح المدني الطويل والإرهاب، فإن الشرق الأوسط مازال يفتقد حتى لأهم المؤسسات ذات العلاقات المتعددة، مثل مؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا، أو مفاوضات الحد من التسلح التي ميزت العلاقات بين الشرق والغرب خلال فترة الحرب البادرة. والشرق الأوسط ليست فيه محادثات إقليمية لنزع التسلح، وليس فيه ما يوازي أجندة هلسنكي، وليست فيه تحالفات إقليمية داخلية، مثل اتحاد أوروبا الغربية، وما فيه يقل كثيراً عن تحالف الاتحاد الأوروبي، كما أنه يفتقد أيضاً إلى وجود اجتماعات منتظمة بين قادة دول المنطقة الذين قد يكونون أنفسهم خصوماً لبعض، كما أنه يفتقد للتعاون الاقتصادي الإقليمي، وحتى التجارة البيئية في ما بينهم ضئيلة للغاية.
وبالنظر إلى هذه الأمور الشاذة، فإن هدف هذا الباب طرح سؤال: ما الذي سيحدث للعلاقات الأميركية - الإسرائيلية فيما لو أصبحت السياسات الدولية للشرق الأوسط (أمراً اعتيادياً) في المستقبل؟ وما الذي سيحدث للعلاقات الأميركية - الإسرائيلية فيما لو دخلت دول المنطقة في علاقة تقارب بين بعضها البعض؟».
التسوية الموقتة مع إيران مستحيلة
ويضيف هالي: «ان الذي سيحدث، فيما لو استمرت حال العداء الحالية بين إيران وإسرائيل في المستقبل، وفيما لو فشلت الولايات المتحدة في احتواء ايران وقللت تدريجياً من قواتها في العراق وحاولت العودة إلى استراتيجية (اقتصاد القوة) في المنطقة المبني على أساس قواتها الجوية والبحرية في الخليج، أن خيارات إسرائيل حينها ستكون محصورة بين تبني استراتيجية متوازنة مع الدول العربية والعناصر الصديقة لها في لبنان، أو تحويل المسؤولية إلى الولايات المتحدة، وبالطبع فقد تحاول إسرائيل أحد الخيارين أو كليهما في الوقت نفسه.
والمنطق والخبرة يوحيان بأنه لو حاولت إسرائيل أن تتبنى هدفاً مشتركاً مع الدول العربية ومع الفصائل الصديقة في لبنان فسيتعين عليها دفع الثمن لكل من سورية والفلسطينيين: لسورية بإعادة مرتفعات الجولان - وربما - لإيجاد شرعية لوجودها في لبنان، أما بالنسبة إلى الفلسطينيين فإن الاستيطان سيكون مبنياً على شروط تشبه تلك التي وردت في مقترحات كلينتون عام 2000 ببنوده الأساسية كلها من ناحية الحدود واللاجئين والأمن والمياه والوجود الفلسطيني في القدس وعودة معظم مناطق الضفة الغربية».
ويتابع: «لقد قدّم شمعون بيريز عرضين رئيسيين في مقابل تخليهم عن استراتيجيتهم الخارجية في المنطقة. فإيران كانت، ومازالت، تحاول الحصول على الأسلحة النووية، وأيديولوجيتها الإسلامية الراديكالية تجعل مسألة التعايش معها أمراً مستحيلاً. وعندما أصبح بيريز رئيساً للوزراء انضم إلى الأميركيين المؤيدين لإسرائيل لإقناع إدارة الرئيس كلينتون وكذلك الكونغرس الأميركي لعزل إيران ومعاقبتها اقتصادياً وديبلوماسياً. وقد أخذ العقاب الاقتصادي شكل قرارين تنفيذيين أصدرهما كلينتون عام 1995 بوقف تعامل الشركات الأميركية بالتجارة والاستثمار في إيران، والقرار الثاني كان قرار فرض العقوبات ضد إيران وليبيا، والذي تجاهل اعتراضات الإدارة في أغسطس من عام 1996 والذي فرض عقوبات ضد الشركات (أجنبية وأميركية) التي استثمرت أكثر من 40 مليون دولار في القطاع النفطي في إيران. ان الجانب الديبلوماسي للتوجه المناهض لإيران أظهر سياسة جديدة للإدارة تتسم بـ(الاحتواء المزدوج) تجاه منطقة الخليج، بغية عزل كل من العراق وإيران».
ويشير هالي إلى أنه «كان هناك عديدون - سواء في واشنطن أو في القدس - غير مرتاحين لمسألة العداء مع إيران، ويرون أن هذه النظرة غير ناضجة، وربما كانت متعمدة في أوائل عقد التسعينات لرسم صورة لإيران على أنها دولة خطرة جداً. لكن إيران لم تظهر سوى تهديد ضئيل للولايات المتحدة، والحرب بينها وبين العراق أنهكت الشعب الإيراني، وكذلك اقتصاد البلد وأيضاً المؤسسة العسكرية الإيرانية بشدة أثناء وقت الحرب، كما أنها لم تطوّر (وقتها) الأسلحة الكيمياوية والنووية ولا الصواريخ التي قد تهدد دولة إسرائيل. وقد فتحت المجال أمام إمكانية إحلال تسوية بين إسرائيل والدول العربية التي شعرت بأنها مهددة من قبل إيران. ولأن واشنطن أعجبتها الفكرة جداً فقد جارتها، وهذه أعادت إسرائيل وواشنطن معاً في الخلف بعد انزوائهما خلال إدارة بوش الأولى. وهكذا تمكنت اسرائيل من المضي قدماً نحو تسوية مع الفلسطينيين، وهو مسار انتهجته من خلال (اتفاق أوسلو). ورغم أن الاحتواء المزدوج اختفى مع إطاحة الأميركيين بصدام حسين واحتلال العراق، إلا أن إيران استمرت في وضع استراتيجية ربط إسرائيل بالولايات المتحدة. وهكذا فإن استكشاف بعض مضامين التسوية الموقتة مع إيران يتحدى ما كان يوماً عنصراً مركزياً في علاقات الدولتين لأكثر من عقد من الزمن».
ويؤكد هالي أنه «بإمكان التسوية الموقتة مع إيران أن تتيح لإسرائيل قطع أشواط أصعب في المفاوضات مع الفلسطينيين بسبب انزواء التهديد الوجودي الرئيسي الذي يهدد إسرائيل إلى حد ما، وستكون العلاقات الجيدة مع الدول العربية - بشكل متوازٍ - ذات أهمية أقل. ومع تخفيف التوتر تجاه إيران والدول العربية، ربما تجد إسرائيل نفسها قادرة على لعب دور حفظ التوازن بين الطرفين. وفي حال تحركت إسرائيل والولايات المتحدة باتجاه بناء علاقات جيدة مع إيران في الوقت نفسه، فإن علاقات إسرائيل بأقوى مؤيديها لم تتأثر بشيء.
ولكن ماذا لو اتجهت أنظار الرأي العام الأميركي نحو حرب العراق حتى بشكل أكثر تصميماً في المستقبل، أو في حال قرر الرئيس الأميركي الجديد إنهاء التورط الأميركي في العراق، عندها يُرجح أن تسعى واشنطن نحو تحقيق نوع من الاحتواء تجاه إيران، حتى لو كان ذلك يعني مجرد توقيع اتفاقات ضمنية تنظم قواعد اللعبة في منطقة الخليج».