لماذا بكى اهل الجهراء على رحيل الفلسطيني عماد المنصور؟ انا لم اكن أدري إلا قبل ايام عن هذا الرجل وقصة جهاده ضد البعثيين الذين غزوا الكويت 1990، وجاءتني القصة استجابة وتفاعلا لما كتبته من سلسلة مقالات توضيحا وردا لما يشاع من تعميم وخلط اوراق حول موقف الفلسطينيين من غزو العراق للكويت اذ امتهن البعض هواية تلويث عقول الناس في تحميل الفلسطينيين المقاومين والمكروبين في غزة جريرة منظمة التحرير الفلسطينية وجماعة ابو العباس الذين وقفوا مع الغزاة؟
الاثنين الماضي كنت في صالة افراح احمد الفهد تلبية لدعوة الشيخ القارئ خالد السعيدي - الجهراوي - وأحد أئمة المسجد الكبير في العشر الاواخر من رمضان وهناك كلمني اكثر من شخص جهراوي ممن تابع مقالاتي السابقة وقالوا اين انت من عماد الفلسطيني، وقد سمعت عنه قبل اسبوع ايضا من الزميل د. فرحان العنزي استاذ كلية الدراسات التجارية، فلنأخذ الحكاية من افواه من عرفه واعتقل معه على ايدي الغزاة البعثيين.
يقول عقاب السعدون (بوعبدالله) ناظر دار القرآن الكريم بالجهراء عندما سألته عن عماد الفلسطيني، قال هو امام وخطيب مسجد المطوطح في منطقة قسائم العيون - محافظة الجهراء - فلسطيني من مواليد الكويت، وابوه في هذا البلد قبل الخمسينات، درس في مدارس الجهراء وعاش بين اهلها معروفا بصفاء النفس والشجاعة البالغة، وحب مساعدة الناس في اثناء الغزو العراقي للبلد، رشحنا عماد لما عرف من امانته وشجاعته ان ينوب عنا في ادارة جمعية الجهراء - فرع الواحة وكان عنده شعلة من النشاط وقدرة على التمويه ضد الغزاة وتوفير الاغذية للسكان وفي احد الايام طلعت بعد العصر من البيت متجها إلى الجمعية للمساهمة في المقاومة السلمية مع بعض الاخوة فصلينا المغرب داخل فرع الجمعية انا (عقاب) مع عماد الفلسطيني وصالح راضي ودخيل نايف الشمري، ولم نعلم ان هناك كمينا بعثيا ينتظرنا فقبضوا علينا وغضب دخيل فلاسنهم بعنف فطرحوه ارضا وركلوه على موضع السجود (الجبهة) وكذا فعلوا بعماد ثم كتفونا وربطوا اعيننا ورمونا في السيارة ثم الى مخفر الواحة، وكان الذي يضرب دخيل وعماد ضابطا اسمه (حازم التكريتي) وفي المخفر ضربوا عماد بعصا غليظة لأنه اعترف كما اعترفنا بأنه هو المسؤول ورئيس فرع الجمعية فأغاظهم ذلك اكثر كيف يخدم غير كويتي الكويتيين بهذا الاخلاص والمغامرة، يقول عقاب: (فعلا كان عماد (دينمو) ويوزع المؤونة بالعدل والحلال.
ثم نقلونا من المخفر معصوبي الاعين إلى الروضة المقابلة لإدارة مساجد الجهراء ومنزل السيد شلاش الحجرف وروضة القصر وبعد ان فرزونا انا وصالح راضي في جهة ودخيل وعماد في جهة اخرى واستقبلونا اولا بالصفع ثم اللكمات ثم الضرب بكابل الكهرباء على الظهر ثم سلّطوا علينا شابا عشرينيا يأمرنا بالركض بسرعة ونحن معصوبو الاعين فأخذنا نصطدم بالجدار والجنود يضحكون، ثم اخذوا عقال احدنا وجمعونا الاربعة ووضعوا رؤوسنا في العقال! ثم كشفوا عن اعيننا واذا بجنود يأكلون العشاء وقالوا كلوا معنا فلم نأكل ويبدو انهم ليسوا بعثيين، الذي اخافنا سماع اصوات تعذيب وانين من الغرف واصوات اطلاق نار وهنا تشهدّنا وكنا نكرر كلمة واحدة هي (حسبنا الله ونعم الوكيل) كما يكررها اهل غزة في محنتهم مع الصهاينة هذه الايام، طلبنا ماء فشربت انا وصالح ورفض عماد شرب الماء، ثم بدأ معنا التحقيق إلى قبل الفجر وخرجنا خالصين (مستويين) بعد ان سجنوا دخيل وعماد بالحمامات.
ولكن ما التهم الموجهة لنا وما قصة ذهاب عماد إلى الموصل وجهاده في توصيل الاموال والرسائل الى اسرى الكويت في الموصل؟ كيف كان يتنقل بدراجته النارية اثناء القصف الجوي واطلاق الرصاص عليه؟ وكيف مات؟ ولماذا بكى عليه الجهراويون سيحكي لنا التفاصيل الاستاذ دخيل نايف الشمري - باحث اجتماعي اول في بيت الزكاة - في المقال المقبل.
محمد العوضي