كلمات / لا تخافوا على الديموقراطية

تصغير
تكبير
| د. سعاد الصباح |
الكويتية كانت صادقة، وأن «حلاق أشبيلية»، الذي حلق ذقن بيروت في أواسط السبعينات... هو الذي حلق ذقن الكويت في التسعينات.
إنني لا أدعي أن الكويتيين هم جنس الملائكة.
ولا أزعم أنهم بلا أخطاء ولا ذنوب.
نحن العرب جميعاً من طينة واحدة، وأم واحدة، ورثنا عنها الانفعال السريع، والغضب السريع، والرضا السريع.
نحن كرغوة الحليب نفور في لحظة، ونهدأ في لحظة، والترمومتر النفسي والعاطفي في داخلنا، يتحرك بشكل عشوائي بين درجة الأربعين تحت الصفر، ودرجة الأربعين فوق الصفر.
لذلك فإن محاكمة الكويتيين على أساس حرارتهم أثناء وبعد الغزو لا قيمة طبية لها، لأنهم في هذه المرحلة في درجة الغليان.
وأتصور أن التـــقارير الطـــبية التي كتبها الأطباء عن الكويت لم تكن دقيقة ولا إنسانية، لأنها كانت تتعامل مع مريض خارج لتوه من زنزانة انفرادية، أو من مصح للأمراض النفسية.
إن سبعة أشهر من القهر، والقتل، والتخريب، والاغتصاب، والإبادة الجماعية، كانت كافية لتحطيم النفس الكويتية، وإحداث مئات العاهات والتشويهات فيها.
لذلك فإن محاكمة الكويت «بالنظارات» وإصدار الأحكام «بالنظارات» أيضاً، دون دراســـة الجـــانب السيــــــكولوجي للقـــضـــية، ودون الأخذ بالأســـباب المخـــفـــفة، هـــي محـــاكمة باطلة.
إن العاصفة الاستثـــنائية التي ضـــربت الشـــعب الكويتي، أفرزت بعض ردود الفـــعل الاستثنائية، ومثل هذه الانفعالات العشوائية والشخصية لا يمكن لأحد أن يلجمها في زمن الفوضى.
والثورة الفرنسية، التي هي أم الثورات ورائعتها، لم تستطع أن تفعل شيئاً لحاملي السكاكين، والبلطات، الذين حولوا شوارع باريس إلى بحر من الدماء.
الكويت بحاجة إلى فترة نقاهة تسترد بها أنفاسها، بعد سبعة أشهر في سراديب النظام العراقي.
إن بحرنا لا يزال ملوثاً، وشمسنا لا تزال تلبس العباءة السوداء.
فاصبروا أيها السادة علينا قليلاً، حتى نطرد الربو من رئتينا والدموع من عيون أطفالنا... والعفاريت التي لا تزال ترقص أمام شبابيك بيوتنا.
لا تطلبوا منا أن نعمر لكم «جمهورية أفلاطون» في خمس دقائق، ولا أن نؤسس «المدينة الفاضلة»، التي تجري من تحتها أنهار العدل، والحب، والحرية.
انتظرونا أيها السادة حتى نخرج من غرفة العناية الفائقة، وبعدها، اطلبوا منا أن نحمل لكم حليب العصافير، وفاكهة الجنة، وموائد المن والسلوى.
لا تخافوا على الحياة البرلمانية في الكويت، فنحن أول من وضع حجر الأساس للحياة البرلمانية في منطقة الخليج.
لا تخافوا على شجرة الديموقراطية من اليباس، لأننا ديموقراطيون بفطرتنا وطبيعتنا، وعراقة تراثنا.
ولا تخافوا على العدالة الاجتماعية لدينا، لأن الكويت ستبقى - برغم من عضوا يدها، وتنكروا لعطائها - بيتاً مفتوحاً لكل من يقصدها من الإخوة العرب، بحثاً عن الخبز والحرية والسلام.
ولا تخافوا على عروبة الكويت، لأن الظفر لا يخرج من اللحم، والدم لا يمكن أن يتحول إلى ماء.
أيها السادة: خذونا بحلمكم، واصبروا علينا قليلاً... فإن اللّه مع الصابرين.
* من كتاب «كلمات... خارج حدود الزمن» صدر حديثا.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي