في محاولة لرصف نظرية القصة القصيرة جدا (2-2)

ضوء / قصة اللقطة... في الكويت

تصغير
تكبير
| بقلم محمد هشام المغربي |
يجدر التذكير بأن وضعنا للعناصر السابقة واللاحقة، بهذا الشكل الحدي لا يعني ضرورة وجودها، بقدر ما يطرح تصورا لقابلية هذا النوع الادبي، فالغرض ليس القول بوجوب الحد او عدمه بل عرض لامكانية هذا النوع لاحتواء قدر معين.
-5 الحبكة
إن القصة القصيرة جدا تمتاز بأسلوب المباغتة فهي تعتمد -في إيصال رسالتها- على عنصر المفارقة، ما بين العنوان والنص. فالكاتب يقدم عنوانا يوحي بدلالات رمزية، ليكسرها في النص التابع ما يحقق مفارقة مفاجئة للقارئ.
6 - العقدة والحل
تبدأ القصة بطرح العقدة في ذروتها منذ العنوان، ثم تقدم الحل في النص ما لا يترك للقارئ متسعا للتنامي الحدثي او لتعدد العقد.
فالعقدة هنا -على غير ما هو شائع- لا تجذب القارئ مطلقا، ولا تثير انتباهه بل تبدو عادية لا تندهه للبحث عن حل لها. فهي تعتمد على إعادة نقض المسلمات المركون إليها. فهي تعرضها كعقدة ثم تكسرها بالحل الذي يجيء بشكل مفاجئ. لذلك يعود القارئ غالبا للعنوان مرة أخرى ليعيد قراءته، فهو بعد انتهائه من النص يحس بأنه بوغت فيشك بعدم تنبهه للعقدة أو يشك بمروره عليها اساسا.
مثال:
«قسوة»
ألبسته أثمن وأجمل الثياب، فرح الطفل، طار كالعصفور نحو الباب، فتحه، صرخت أمه:
- أين ستذهب؟
ببراءة:
- سأخرج لألعب مع الأولاد.
أغلقت الباب وصوتها:
- لن تخرج. ستتسخ ملابسك الثمينة. (ليلى العثمان، قصص قصيرة جدا، صـ 29)
«قوت وحيد»
لمَ تحكم ربطها، ووضع واحد في بطن آخر؟
وهي تراه كل يوم، يترقب ساعات الصباح
لجمع قوت يومه...
حين تخرج أكياس القمامة (أفراح الهندال، قصة قوت وحيد)
7 - الموضوعة
وهو أن يختار الكاتب موضوعة معينة ينسج حولها مجموعة من النصوص، محاولا الالمام بها من أكثر من جانب. فمثلا نلاحظ هبة بوخمسين في كتابها الأول تقيم تسع قصص حول موضوعة التوقيت في مختلف مناحيها، كما فعلت أفراح الهندال عندما كتبت ست قصص أعطتها عنوانا شاملا هو «حصص دراسية» تناولت فيها التقاطات فنية من صميم الحياة المدرسية.
وتجدر الإشارة، بأننا نعني بقولنا الموضوعة «theme» لا الموضوع «subject».
8 - عدد الكلمات (الطول)
بقي أن نقول ان الحيز الورقي -على سطحيته وهامشيته- لعب دورا ضخما في التصنيف السردي، لذلك يظن بالرواية أن تكون أكبر حجما من القصة وبالقصة من القصة القصيرة، وعلى هذا المقياس تأتي القصة القصيرة جدا لتكون في آخر المجموعة بأقل عدد من الكلمات.
ولأن النقد القديم احتفى بموضوع الطول والزمن الذي تستغرقه القصة قراءة، كما هو التعريف الكلاسيكي للقصة القصيرة على لسان «Edgar Allan Poe» عام 1846، حيث يقول «أنها القصة التي تقرأ في جلسة واحدة».
فإننا سنحاول حصر المعطيات بالشكل التالي:
الطول المناسب لها يكون ما بين (250-1000) كلمة.
بينما هناك اتجاه لتحديد اكثر فظهرت أنواع مثل:
1 قصة الـ 55: التي أوجدتها «New Times» عام 1987.
2 قصة drabble: وتحوي 1000 كلمة وبدأت بها جامعة «Birmingham» البريطانية عام 1988.
3 قصة 69er: وتحوي 69 كلمة.
أما بالنظر إلى النص العربي فإنني أرى أن القصة القصيرة جدا لا تستوعب أكثر من 50 كلمة.
9 - مشكلة النص
إن المشكلة الوحيدة التي يواجهها هذا النوع الأدبي هو تماهيه مع القصيدة النثرية، نوع منها الممتاز باللقطة. حيت تتخلى الاخيرة عن ارثها في اللغة الشعرية وتستعين الاولى بشكل سردي يؤطر النص، مرتكزة على عنصر المفاجأة او المفارقة.
مثال:
«تلويح»
طائر يحلق
بعد حصاة أخطأته
راح ينأى عاليا
بعيدا
يقولون عنه: نجا
وينسون أننا بعينيه
نهوي. (صلاح دبشة، سيد الأجنحة، صـ 9).
مثال آخر:
«ثلاجة»
فتحتها
مرتبة أشياؤها:
زجاجات الحليب المحفوظ
علب الجبن
أكياس اللحم المجمد
تفاحات صفراء
أدوية وخبز
و... إلخ.
في ثلاجة روحي تتبعثر الأشياء
وتنتهي صلاحيتها
من دون أن يفتحها أحد. (سعدية مفرح، مجرد مرآة مستلقية، صـ 85).
مثال آخر:
«نظرية3»
الكل يدعونني لملء بيتي بالزهور،
بحجة أن النباتات أكثر ما يحبه الإنسان،
لكني أرفض ساخرة: «أحب الأطفال أيضا،
فهل أعلق رؤوسهم في بيتي». (منى كريم، غياب بأصابع مبتورة، صـ 128).
ان هذا الاتقاء الملتبس يحيل انتماء هذا النوع الادبي الى الفراغ، وقد يرى فيه الداعون الى تماهي الانساق خطوة متقدمة في هذا الجانب.
10 - التسمية أو الاصطلاح
نلاحظ أن إضافة (جدا) لم تتم إلا استنادا على وصف القصة بانها «قصيرة»، وهو الامر الخطأ منذ البداية فالحيز الورقي ليس أول العناصر ليتم التصنيف على اساسه. لا أعرف لماذا اختيرت (قصة قصيرة جدا) ترجمة لهذا النوع الادبي.
كان ظهور هذا الشكل أول الأمر بصورة رسمية عام 1992 على يد (Tom hazuka & James and Denis Thomas)، تحت اسم «flash fiction» وترجمته المناسبة قصة اللقطة. وكذلك تسمية «sudden fiction»: قصة الفجاءة، قصة المفاجأة.
وهناك أسماء أخرى مثل: «micro fiction - micro story - postcard story». بالاضافة لتلك المسميات التي تحدد بوضوح عدد الكلمات ( 55 - 69er drabble).
وعليه فإن التسمية المقترحة تتراوح ما بين ثلاثة مسميات: (القصة اللقطة - قصة الفجاءة )
كتـّاب النص في الكويت
تعد الروائية ليلى العثمان من أوائل الكتاب لهذا النوع الأدبي في الكويت، فقد نشرت أول نصوصها في مجلة البيان وبعدها بدأ يوسف خليفة بكتابة هذا النوع ونشره، فقد شارك فيها بأمسيات عدة منذ 2003. ولكنه تأخر في طرحه أو نشره. وكذلك ساهمت الكاتبة أفراح الهندال بنشر نصوصها القصيرة جدا في الصحف ومواقع الانترنت المتخصصة والأمسيات الأدبية منذ ذلك العام. إلا أن أول ظهور للقصة القصيرة جدا في مطبوع ورقي، كان مع الكاتبة هبة بوخمسين التي قدمت تسع قصص ضمن مجموعتها الأولى (في قعر أمنية) الصادرة عام 2003. ثم ألحقتها في مجموعتها الثانية (ذات سكرة) الصادرة عام 2006 بتضمين ثلاث قصص قصيرة جدا في آخرها.
ويعد كتاب (أفكار عارية) الصادر أوائل عام 2007 للكاتب يوسف خليفة الأول كويتيا وخليجيا من نوعه، فخصصه للقصص القصيرة جدا فقط. لتأتي بعده الأديبة الكبيرة ليلى العثمان في كتابها (قصص قصيرة جدا)، الصادر في نهاية عام 2007 الذي خصصته لهذا النوع أيضا.
* شاعر وناقد كويتي
[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي