واقع جديد

تصغير
تكبير

 

«الاجماع الاستخباري هو مسألة يصعب التشكيك فيها مع معلومات جديدة»، قال القاضي الأميركي المعروف ريتشارد فوزنر في كتابه «منع الهجمة الفجائية» الذي يدور عن الاصلاح المطلوب لأجهزة الاستخبارات الأميركية اثر أحداث الحادي عشر من سبتمبر. العاملون في الاستخبارات مثل كل الناس «يخافون من تغيير مواقفهم» والاعتراف بأنهم قد اخطأوا أو فوجئوا. لذلك يجدر اعطاء الاستخبارات الأميركية ثناء ولو مع بعض الشك لقدرتها على اصلاح الخطأ. وفي المقياس نفسه يتوجب أن نذكر: اذا كانت قد أصلحت الخطأ بخطأ آخر سيكون تغيير موقفها مرة اخرى مسألة أشد صعوبة.

سفير اسرائيل في واشنطن، سالي مريدور، أنهى منذ يومين نهاية أسبوع حافلة بالتحذيرات من الذرة الايرانية. هو قام بذلك في فلوريدا في المؤتمر الذي يعقد كل عامين للحركة اليهودية المحافظة. في يوم الأحد مساء في احتفال منظمة «المشروع الاسرائيلي» البهيج قام مريدور بذلك مرة اخرى. اسرائيل عرفت بأمر التقرير الذي سيصدر منذ الأسبوع الماضي، الا أن مريدور حذر بكلمات حادة من ان «الوقت ينفد». في الأحوال كلها غرق مريدور بالنشر الرسمي وضعف أمامه: الوقت لا ينفد والايرانيون لا يتقدمون باتجاه الذرة واسرائيل قد تبدو كأرنب يتقافز ويركض رعباً لسماعه صوت تفاحة، وهي تسقط من الأعلى في الغابة. سيكون هناك جدل كبير على استخلاصات هذا التقرير، والكثيرون سيفترضون أن من صاغوه لم يقوموا بعمل سليم، سواء في التحليل أو في جمع المعلومات. كما أن تفسيرا نفسيا سيضاف لهذا التقرير في محاولة لرفض استخلاصاته: الاستخبارات التي كانت مصابة بالتقدير المفرط قبل حرب العراق، اذ افترضت ان صدام يمتلك اسلحة كيماوية وبيولوجية، انتقلت الآن الى التقديرات الناقصة القاتلة بصدد ايران. هذا التقدير المنقوص الذي ستترتب عليه مفاجأة اخرى مثل تلك التي تسنت للأميركيين عند الكشف عن القنبلة النووية الهندية والباكستانية.

من الناحية المهنية سيجري الآن جدل عاصف سيكون امتداداً للجدل الذي نشب قبل ذلك بين اجهزة الاستخبارات الاسرائيلية (القنبلة ستكون جاهزة في 2009 - 2010) وبين الأميركيين (2012 - 2013). الأميركيون لم يوضحوا منذ يومين كيف توصلوا الى استنتاجهم الجديد، هذه تفاصيل بعضها مكشوف والآخر سري، وسيكون من الصعب على الجمهور العريض أن يصدر حكماً عادلاً: ولكن ربما في المستقبل - عندما تظهر القنبلة في ساحة اللعب أو لا تظهر - سيكون من الممكن الحكم على الامور وحسمها. في هذه الأثناء تقوم الاستخبارات الاسرائيلية باتباع منهجية «أكثر تشدداً»، ولكن صانع القرار الأميركي يتأثر بالاستخبارات الأميركية وليس غيرها. عموماً، يمكن القول ان قضية الطرف المحق في المسألة ليست هي المهمة. هذا التقرير مهما كانت صفته يفرض واقعا جديدا دراماتيكيا في كل ما يتعلق بالكفاح ضد القنبلة الايرانية: الخيار العسكري أميركيا واسرائيليا يزول عن جدول الاعمال على ما يظهر لفترة غير محددة. على الاقل الى أن تتم صياغة تقرير أو وثيقة معاكسة أو اكتشاف دليل راسخ، اذا ظهر في وقت من الاوقات.

لا يمكن لأي رئيس أميركي بما في ذلك بوش، أن يهاجم ايران في ظل مثل هذا التقرير - في مكتب ديك تشيني بدأوا يتهامسون ضد التقرير - الذي يعتبر أساسا للمعطيات التي تفرض مسار ونهج ادارته رسميا. اسرائيل ايضا ستكتشف ان التقرير يكبل أياديها، الولايات المتحدة لن تكون مستعدة لدفع ثمن هجوم حليفتها المقربة، ومن المشكوك فيه أن تتمكن اسرائيل من الهجوم في ظل المعارضة الأميركية. رئيس الوزراء ايهود أولمرت قال لبوش في لقائهما في الأسبوع الماضي ان اسرائيل ستدافع عن نفسها، ورئيس استخبارات دولة عربية قدر قبل مدة غير بعيدة ان اسرائيل ستهاجم المنشآت الايرانية في الاشهر القريبة، الا ان الظروف تغيرت الآن رغم ذلك.

هذه الظروف تغيرت في الساحة العالمية وفي الساحة الداخلية الأميركية على حد سواء. مهمة المنظمات اليهودية التي تمحورت في الأعوام الاخيرة على حشد الاصوات ضد ايران ستصبح اكثر تعقيدا بدرجة لا تقارن. ايضا حماسة المشرعين الذين يكرسون وقتهم لشد الحبل حول عنق الاقتصاد الايراني قد يتلاشى هو الاخر أو يبرد على الاقل. هذا الأسبوع سيكون اسبوعاً ناجحاً بالنسبة الى أولئك الذين يحذرون من عدوانية بوش، وليس بالنسبة الى أولئك الذين يحذرون من عدوانية ايران. سيكون من اللافت ان نرى اذا كان اقتراح القانون الذي تقدم به السيناتور جيم ويب (عن منع الرئيس من استخدام أي قوة ضد ايران من دون مصادقة الكونغرس) سيحصل على مؤيدين جدد الى جانب أنصاره الحاليين. مرشحو الاحزاب للانتخابات سيضطرون الى اعادة التفكير في شأن تسبب المسألة الايرانية باثارة قلق الناخبين اكثر من اقناعها لهم.

عموماً ما سيتبقى للمحذرين هو الادعاء الذي يتعلق بالاعمال الاخرى - غير العسكرية - التي تمتلكها الأسرة الدولية. نائب وزيرة الخارجية الأميركية، نيك بيرنز، يدعي أنه قد نجح في اقناع الصينيين بالموافقة على جولة عقوبات ثالثة. اذا لم يغير الصينيون أيضاً رأيهم بعد قراءة الصحف الأميركية، فلن يبقى أمام الأميركيين الا اقناع الروس، وعندها يمكن تشديد العقوبات بواسطة مجلس الأمن. مستشار الأمن القومي لدى بوش، ستيفن هادلي، اتبع نهجاً سيقلب شعار المعركة الجديد ضد ايران: العقوبات تفعل فعلها اذ ان الايرانيين قرروا بسببها تجميد المشروع في عام 2003، وما هو مطلوب الآن هو مواصلة الضغوط. هذا الادعاء يبدو أقل قوة عندما تهب على ظهره رياح «التقدير الاستخباري الأميركي» الباردة.


شموئيل روزنر وألوف بن


«هآرتس»


 

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي