قمة «التعقل» اختتمت في الدوحة بإطلاق السوق الخليجية المشتركة






يمكن وصف قمة الدوحة، التي اعلن أمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة اختتام اعمالها امس، بأنها كانت واحدة من اهم القمم الخليجية على الاطلاق وذلك منذ تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية في مايو من العام 1981. لم تكن قمة الدوحة مهمة لانها شهدت الاعلان عن انطلاق السوق الخليجية المشتركة فحسب، بل لانها اظهرت ان هناك ايضا وعيا خليجيا لخطورة المرحلة التي تمر فيها المنطقة عموما والخليج خصوصا. وكان الدليل على هذا الوعي عدم انجرار القادة الخليجيين الى الرد بعنف على طرح الرئيس الايراني احمدي نجاد الذي كاد ان يقول في الدوحة ان مجلس التعاون يجب ان يتخذ شكلا جديدا بموجب صيغة 6+1 على ان تنعقد القمة المقبلة في طهران وليس في اي مكان آخر. على العكس من ذلك اكد بيان منفصل صادر عن المجلس الاعلى، اي رؤساء الدول الست، «ان تلك المقترحات ستحظى بالدراسة من قبل مجلس التعاون لدول الخليج العربية، بما يعزز علاقات حسن الجوار والاحترام المتبادل بين دول المجلس والجمهورية الاسلامية الايرانية ويساهم في دعم الامن والاستقرار في المنطقة».
وجاء «البيان الرئاسي» الذي «رحب بالمقترحات التي طرحها فخامة الرئيس محمود احمدي نجاد في الجلسة الافتتاحية للقمة» منفصلا عن البيان الختامي للقمة الذي اكد «المواقف الثابتة والمعروفة» لدول مجلس التعاون «في ما يتعلق باستمرار احتلال جمهورية ايران الاسلامية للجزر الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وابو موسى التابعة لدولة الامارات العربية المتحدة». وهذا يعني في طبيعة الحال ان مجلس التعاون يدعو ايران الى اظهار حسن نياتها قبل طرح مشاريع ومقترحات تتعلق بمستقبل العلاقات بين الجانبين. وقال وزير خارجية احدى الدول الخليجية لـ «الراي» ان ما ورد في البيان الختامي في شأن الجزر الاماراتية يؤكد ان الرئيس الايراني «لم يخفنا بما يجعلنا نتراجع او ننسى الثوابت الخليجية».
وكان واضحا من لهجة البيان الختامي للقمة ان ايران مدعوة ايضا الى اظهار حسن نياتها في العراق وذلك بتأكيده ضرورة «حل الميليشيات المسلحة وانهاء كل المظاهر المسلحة غير القانونية» في بلد تعتبر الميليشيات فيه تابعة في معظمها للاجهزة الايرانية.
كشفت قمة الدوحة ان الهم الايراني كبير جدا وان هناك رغبة خليجية في تفادي اي مواجهة مع الجار القابع على الضفة الاخرى للخليج. على العكس من ذلك هناك رغبة في اقناع ايران باعتماد التعقل والابتعاد عن كل ما من شأنه ان يؤدي الى صدام بينها وبين الاسرة الدولية لا يفيد احدا. تلك كانت رسالة قمة الدوحة. انها دعوة الى التعقل، ربما كان افضل من عبر عنها في ختام القمة الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الذي شدد في مؤتمر صحافي على اهمية لغة الحوار في مجال التعاطي مع ايران. وقال رئيس الوزراء القطري لدى سؤاله عن استخدام احمدي نجاد عبارة «الخليج الفارسي» في خطابه امام القمة ان «مصطلح الخليج الفارسي عليه خلافات. كل واحد يتمسك برأيه. لا اعتقد انه الخلاف الاهم او المهم. كان هناك حسن نيات. يجب تحكيم العقل ومصلحة دول مجلس التعاون. على الايرانيين التجاوب مع دول تمد لهم يد الصداقة». وحذر في الوقت نفسه من «خطورة» الانجرار الى استراتيجيات لا تعرف دول الخليج النتائج التي يمكن ان تترتب عليها. وبدت تلك اشارة واضحة الى اهمية تفادي السير في ركاب من ينادون بالحرب على ايران في الولايات المتحدة وغيرها.ووصف خطاب الرئيس الايراني بأنه «خطاب نوايا طيبة وافكار جيّدة».
لم تكن الدعوة الصادرة عن قمة الدوحة، دعوة الى التعقل في التعاطي مع ايران ومن جانب ايران فحسب، بل ان الكلام الصادر عن حمد بن جاسم اكد في الوقت ذاته ضرورة ان تكون هناك علاقات وثيقة بين قطر والمملكة العربية السعودية، مشيرا الى ان السعودية «العمود الفقري لدول مجلس التعاون، ومن المهم ان تكون العلاقات كما كانت دائما، علاقات ود ومحبة وصداقة. العلاقات السعودية- القطرية كما ذكرت دائما وفي مناسبات عدة هي علاقات تاريخية راسخة شابها بعض سوء الفهم. نحمد الله ان التقارب دائم وليس موسميا. نحن لا نعمل اشياء تكتيكية بل نعتبر علاقتنا مع السعودية تاريخية ومصيرية».
وكشف اخيرا ان ايران هي التي طلبت حضور القمة وقد ارسلت وزير خارجيتها الى الدوحة لنقل الطلب وقال: «كانت رغبة ايرانية رحبنا بها. ان كل دول مجلس التعاون رحبت بهذا التوجه وكان هناك توافق على هذه النقطة».
كانت قمة الدوحة قمة العقلانية. ارادت ايران طرح مشروعها المتكامل للمنطقة، فاستمع رؤساء الدول الست إليها وردوا بهدوء. لن تتغير التحالفات في المنطقة بين ليلة وضحاها. وكما قال رئيس الوزراء القطري: «هناك تحالف وثيق مع اميركا. كل دول مجلس التعاون صريحة في هذا المجال، لكن ذلك لا يمنع اقامة علاقات مع ايران حين تمد ايران يدها بصدق. ايران جارة. اذا كنا نستطيع تطوير العلاقة معها فهذا يصب في مصلحة الاستقرار في الخليج. يجب الا تكون علاقتنا مع طرف على حساب العلاقة مع طرف آخر».
القمة المقبلة ستنعقد في سلطنة عمان. لم يبخل السلطان قابوس وهو قليل الكلام في الاطراء على ما تحقق في الدوحة، بل اكد في الجلسة الختامية للقمة ان مجلس التعاون حقق خطوات الى امام. ما الذي ينتظر الخليج بعد سنة من الآن؟ كل شيء سيعتمد على ما اذا كانت القوى المهتمة بالاستقرار في منطقة تحوي نسبة كبيرة من احتياطيات النفط والغاز ستستمع الى صوت العقل والتعقل... الى رسالة قمة الدوحة، ام لا.
وفي الكويت، نقل سمو رئيس الوزراء الشيخ ناصر المحمد عن سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد سعادته بالنتائج التي انتهت اليها قمة قادة دول مجلس التعاون الخليجي في الدوحة.
وقال الشيخ ناصر لـ «الراي» ان سمو الأمير أحاط الوزراء لدى ترؤسه أمس اجتماعاً استثنائياً لمجلس الوزراء في دار سلوى بأجواء القمة والقرارات التي اتخذتها، «خصوصاً في ما يتعلق بإنشاء السوق الخليجية المشتركة، حيث رأى سمو الأمير في هذه السوق دافعاً لاستراتيجية الاستثمار في دول المجلس بشكل عام، ومعززاً لتطلعات تحويل الكويت الى مركز مالي وتجاري على وجه الخصوص».