سؤال بدأ يتكرر الآن ويُثار من جديد عن الرابح والخاسر في المعركة الدائرة في غزة، وهو السؤال نفسه الذي طُرح في حرب يوليو 2006. بعيداً عن أخلاقية هذه الحرب المشتعلة ومن على حق ومن على باطل، سؤال مجرد وهو هل صواريخ «حماس» وتحرشها بالإسرائيليين عمل صحيح؟ أو وكما يدعي محمود عباس بأننا لا نريد المقاومة إن كانت تودي بحياة هذا العدد الضخم من الضحايا، فهل قوله مقبول؟
قد ينطلق الجواب من محور أساسي، وهو: هل يمكن اعتبار «حماس» ومن ورائهم الغزاويون، أنهم حققوا بمقاوتهم هذه نصراً رغم دخولنا الآن الأسبوع الثالث ورغم سقوط هذا العدد الكبير من الضحايا؟ يمكن النظر للمسألة من جانبيها المُعتدي والمُعتدى عليه. فالإسرائيليون يقفون على قوة عسكرية هائلة لطالما زعموا أنها لا تُقهر وبدعم سياسي دولي لم يشهد التاريخ نظيراً له. فإسرائيل، وكما هو معروف، أكثر دول العالم انتهاكاً لقوانين مجلس الأمن وتراها مع ذلك تحظى بدعم المجتمع الدولي. المهم هنا أن هذه الآلة العسكرية التي لم يستطع العرب مقارعتها لأكثر من أيام ثلاثة، مازالت تُعاني الأمرين بعد مرور أكثر من أسبوعين ولم تُنجز مهمتها. بل والأسوأ من ذلك أن الجيش الإسرائيلي ومع دخول المعركة أسبوعها الثالث زج بالآلاف من جنود الاحتياط، إلى جانب الاستعانة بمخزون أسلحة مُحرمة دولياً، كالقنابل الفسفورية لقمع وإجهاض «حماس» ومن ورائها شعب أعزل. ومع تكرار المسؤولين الإسرائيليين هذه الأيام بقُرب الانتهاء من المهمة القتالية، إلا أن الهدف الذي من أجله أُشعلت شرارة الحرب لم يتحقق بعد ومازالت الصواريخ «العبثية» تسقط وبالعشرات على إسرائيل. فهل هذا نجاح إسرائيلي؟
في المقابل نرى أن الشعب الغزاوي فُرض عليه الحصار منذ أكثر من عام ونصف العام، فهو يعيش في سجن كبير على مساحة أرض لا تزيد على كيلومترات عشرة في 40 كيلومتراً مربعاً، حتى أصبح السكان يسترزقون على أكل البهائم والطيور. فالشعب الغزاوي خسر حريته وخسر أرضه وخسر، بالتالي، كل شيء بما فيها كرامته. فما الذي سيخسره بعد هذا، أو قل ما الذي يستحق لأجله البقاء مع فقدانه لكل شيء؟ فهل يظن أحد أن الحياة مستحقة بعد ضياع كرامة الإنسان المسلم والأمة؟ لهذا يرى الإنسان الفلسطيني أنه يقدم نفسه قرباناً لهذه الكرامة وحقه بالعيش، وهي قيمة أخلاقية عالية تستحق لأجلها أن يفتديها المرء بروحه. لذا لا يظهر أن الإنسان الفلسطيني يخسر شيئاً إذا ما قدم دمه وماله لأجل هذه الأرض والكرامة المفقودة، وإلا فالعيش من دونها ذل يأباه الرجال. فهل في هذا عيب ومنقصة أم هو درس يسطره رجال غزة «لأشباه الرجال ولا رجال»؟
د. حسن عبدالله عباس
كاتب كويتي
[email protected]