في اطلالتها التلفزيونية التي قد تكون الاولى منذ تشكيل حكومة حسّان دياب قبل خمسة اشهر، لم تكن السيّدة زينة عكر عدرا، نائبة رئيس الوزراء وزيرة الدفاع في لبنان سيئة في ظهورها. استطاعت الدفاع بجدارة عن إنجازات وهمية لحكومة حسّان دياب التي تعبّد الطريق امام الإعلان الرسمي عن افلاس لبنان، في حين هناك وسائل لاخراج البلد من حال الانهيار التي يعاني منها في ظلّ فقدان الدولار من جهة والجوع الذي بدأ يعاني منه الفقراء من جهة أخرى.
كان يمكن للسيدة عكر عدرا، وهي ذات خلفية سياسية معيّنة، ان تعمل على نفسها من اجل قول الأشياء كما هي بدل السعي الى التذاكي على اللبنانيين في مرحلة لا مجال فيها للتذاكي.
يمكن وضع جانباً كلامها عن إعادة الخدمة العسكرية في بلد صار الجندي محروماً فيه من اكل اللحم. كذلك، كان في الإمكان تمرير كلامها عن الخدمة العسكرية للشباب اللبناني لو تمكّنت من تحديد كلفة مثل هذا المشروع الفاشل أصلا.
كان يمكن أيضاً تمرير دفاعها عن شخص دياب الذي يثبت كلّ يوم ان ليس لديه أي مشروع من ايّ نوع كان في أي مجال من المجالات. لم يستح حتّى من القول انّ حكومته نفذت نسبة 97 في المئة مما وعدت به، اللهم اذا كانت هذه النسبة تتضمن بنداً يدعو اللبنانيين الى البحث عن رغيف الخبز... او الانتحار.
ما لا يمكن للبناني وضعه جانبا تجاهل وزيرة الدفاع ان في أساس الازمة وجود «حزب الله» كلواء في «الحرس الثوري» الإيراني، عناصره لبنانية. تتجاهل على وجه الخصوص وجود سلاح غير شرعي لدى ميليشيا مذهبية صار لديها نوّاب وصارت في الحكومة وتقرّر من هو رئيس الجمهورية المسيحي في لبنان ومن هو رئيس مجلس الوزراء السنّي.
تتجاهل أيضاً تدخل «حزب الله» في سورية في سياق الحرب التي يشنّها النظام على شعبه، إضافة بالطبع الى الكارثة الاقتصادية التي حلت بلبنان بسبب عزلته العربية والعقوبات الأميركية التي تسبب بها الحزب الذي لا هدف له سوى الحاق لبنان بـ«محور الممانعة» الذي تقوده ايران.
في الحديث التلفزيوني الذي أجرته السيّدة عكر عدرا مع الزميل جورج صليبي عبر فضائية «الجديد»، يمكن التوقّف عند نقاط كثيرة، من بينها دفاعها عن المتحف الذي شاركت مع زوجها ومع آخرين في اقامته في احدى المناطق الشمالية. يمكن لهذا المتحف ان تكون له قيمة كبيرة في بلد مثل لبنان يحتاج الى مثل هذا النوع من الأماكن الحضارية. كما يمكن الدفاع عن كيفية الحصول على مقتنيات المتحف على الرغم من الاخذ والرد في هذا الشأن. تظل هذه النقطة المتعلّقة بالمتحف في مصلحة نائبة رئيس الوزراء وان في حدود معيّنة...
ما يهم اللبنانيين في نهاية المطاف امران، الأوّل ان يكون المسؤول اللبناني، خصوصاً من في موقع وزير الدفاع، قادرا على التحدث الى المواطنين بشفافية بعيداً عن ايّ نوع من استغباء الآخر في مرحلة لا مكان فيها لمثل هذا النوع من الممارسات.
الاهمّ من ذلك كلّه، وجود مسؤول يمتلك حدّاً ادنى من الصراحة يستطيع مصارحة للبنانيين بأن ليس لدى حكومة دياب ما تقدّمه للبلد وان افضل ما تستطيع عمله هو تقديم استقالتها اليوم قبل غد.
فالكلام، في المطلق، عن المحافظة على أموال المودعين في المصارف شيء والقول ما الذي يمكن عمله من اجل إعادة الثقة الى المصارف شيء آخر.
لا يوجد في لبنان مسؤول واحد يستطيع القول ما الذي حلّ باموال المودعين من لبنانيين وعرب وأجانب، وهل من امل لشخص عمل في الخليج 30 او 40 سنة، على سبيل المثال، باستعادة جنى عمره وتمضية أيامه الأخيرة في وضع مريح بعيدا عن الفقر والعوز؟
امّا الامر الثاني الذي يهمّ اللبنانيين، فهو الابتعاد عن الكلام المضحك المبكي من النوع الذي صدر عن نائبة رئيس الوزراء وزير الدفاع. تحدّثت السيدة عكر عدرا عن مزارع شبعا ومزارع كفرشوبا.
حسنا، لنضع تلال كفرشوبا جانبا. هذه قضيّة مرتبطة في نهاية المطاف بترسيم الحدود بشكل نهائي بين لبنان وإسرائيل، اللهمّ الّا اذا كان لدى لبنان القوة العسكرية الكافية لجعل إسرائيل تنسحب من تلك التلال.
لكنّ ما يشير الى غياب ايّ نوع من المعرفة بالحقائق لدى وزيرة الدفاع، فهو مسألة مزارع شبعا الواقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي منذ العام 1967.
يستطيع لبنان استعادة المزارع في حال اعترف النظام السوري بانّها لبنانية. الموضوع متعلّق بالنظام السوري الذي رفض ان يبعث الى الأمم المتحدة برسالة تؤكّد ان هذه المزارع لبنانية وليست سورية.
اختُلقت قضيّة مزارع شبعا من اجل تبرير احتفاظ «حزب الله» بسلاحه بعد انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان في مايو من العام 2000 تنفيذا للقرار 425 الصادر في مارس 1978.
اكّد مجلس الامن حصول الانسحاب الإسرائيلي بموجب القرار 425. مؤسف انّه وُجد في لبنان من يعيد يكتشف مزارع شبعا فجأة كي يبقى لبنان وجنوبه رهينة لدى النظام السوري ولدى ايران ايضاً.
رفض النظام السوري، الذي كان مستاء الى ابعد حدود من انسحاب اسرائيل، الاعتراف بلبنانية مزارع شبعا التي ينطبق عليها القرار 242 للعام 1967. كان الجيش السوري في مزارع شبعا لدى وقوعها تحت الاحتلال.
دخل الى مزارع شبعا في 1956 بحجة اخذ مواقع دفاعية في المواجهة مع إسرائيل. وفي 1974، شمل اتفاق فصل القوات بين سورية وإسرائيل مزارع شبعا. جرى ترسيم خط وقف النار بين الجانبين من منطلق ان مزارع شبعا سورية، علما ان مالكي الارض لبنانيون.
هل تعرف وزيرة الدفاع هذه الوقائع ام كلّ همّها إيجاد مبررات كي تستمرّ حكومة دياب المدعومة من «حزب الله» وكي يستمرّ سير لبنان في اتجاه الهاوية؟
لم تكن السيّدة عكر عدرا سيئة في ظهورها التلفزيوني. لكن ليس ما يمنع القول انّ ليس في استطاعة عاقل يريد بالفعل مصلحة لبنان والعمل من اجلها تبرير سلاح «حزب الله»... لا بتلال كفرشوبا ولا بمزارع شبعا.
الواقع هو الواقع والحقيقة تبقى الحقيقة واللبنانيون ليسوا اغبياء، الى الحد الذي تتصوّرها السيّدة عكر عدرا، رغم انّه مغلوب على امرهم.