No Script

رؤية ورأي

قانون مخاصمة القضاة

تصغير
تكبير

وافق مجلس الأمة بالإجماع قبل أربعة أشهر في المداولة الأولى على قانون بشأن تعديل بعض أحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية بما يشمل استحداث نظام مخاصمة القضاة وأعضاء النيابة العامة. ثم وافق عليه بالإجماع أيضاً في المداولة الثانية قبل أسبوع. الإجماع في الموافقة على القانون في المداولتين مؤشر قوي على أن هذا القانون مطلب شعبي ذو أولوية قصوى، وحرص مجلس إدارة جمعية المحامين الكويتية على دعم القانون ومتابعة خطوات إقراره دليل على ضرورة تشريعه.
بشكل مفاجئ، تعالت التصريحات المعادية للقانون وتعدّدت المطالبات بردّه لأسباب مختلفة. ولوحظ أن منشأ الكثير منها هو النقد والإدانة (قبل اكتمال المعلومات الكاملة). وإلى جانب المطالبين بردّه، نجد أن بعض النشطاء السياسيين البارزين غابوا عن هذه القضية المحورية بشعبيتها والحساسة لارتباطها بالعلاقة بين السلطات الثلاث. وفسّر المراقبون غيابهم بكونهم بين مطرقة الشعب الذي ينشد إقرار القانون وبين سندان تسجيل نقاط انتخابية لصالح نوّاب اقترنت أسماؤهم بالقانون.
بعد مراجعة الوثائق البرلمانية المرتبطة بالقانون، تبيّن هشاشة جل السلبيات المثارة حوله. ولبيان ذلك، سأكتفي باستعراض بعض المقتطفات من التقرير (111) للجنة الشؤون التشريعية والقانونية بشأن مخاصمة القضاة.
تضمن هذا التقرير مشروع قانون (مُعد من الحكومة) واقتراحين بقانونين (مقدّمين من نوّاب). بالنسبة لمشروع القانون، فإنه يتضمن (18) مادة متعلقة بمخاصمة القضاة وأعضاء النيابة العامة، مما يؤكد قناعة الحكومة بمبدأ المخاصمة. وكذلك النيابة العامة لم تعترض على المبدأ، وأبدت بعض الملاحظات والمقترحات حول القانون. وأما المجلس الأعلى للقضاء، فلم يوافق على المبدأ، ولكن يبقى على السلطات احترام سلطات نظيرتيها كما تجسّد مرتين في 2012.
بالنسبة للمقترحين بقانونين، الأول قدّم من الشطي والفضل بشأن «مسؤولية الدولة المدنية عن أعمال القضاء»، والثاني من البابطين والسبيعي والطبطبائي والظفيري والحجرف بشأن «مخاصمة القضاة وأعضاء النيابة». والقانون الذي أقر من اللجنة ثم المجلس ينص على إضافة «كتاب رابع» إلى قانون المرافعات المدنية والتجارية، عنوانه «مخاصمة القضاة وأعضاء النيابة العامة» ولكن جوهره «مسؤولية الدولة المدنية عن أعمال القضاء». والفارق الرئيس بينهما في من يتحمل التعويضات، ففي الأول القاضي وفي الثاني خزانة الدولة مع حقها في الرجوع على القاضي. المراد أن البعض انتقد القانون بناء على عنوانه من دون التدقيق في مواده.
التقرير (111) للجنة التشريعية، تضمن دراسة مقارنة مختصرة أعدها المكتب الفني للجنة، حول «مسؤولية الدولة عن أعمال القضاء في بعض القوانين المقارنة». وجاء في هذا التقرير، أن المشرّع الفرنسي تخلّى في 1972 عن النظام السابق لمخاصمة القضاء وتبنى نظاماً جديداً أطلق عليه «دعوى الرجوع» الذي ترفع المخاصمة فيه على الدولة وليس على القاضي، وفق المادة (L781-1) من قانون تنظيم القضاء الفرنسي. الشاهد أن نظام المخاصمة الكويتي متسق مع النظام الفرنسي الجديد.
كما أوضحت الدراسة أن المادة (133) من القانون الجنائي البريطاني (1988) تنص على مبدأ مسؤولية الدولة عن أعمال القضاء على أن يتم تحديد قيمة التعويض من خلال خبير يعينه الوزير المختص. وأيضاً أشارت الدراسة إلى أن الحكومة الفيدرالية الأميركية مسؤولة عن أخطاء المحكمة الفيدرالية، وكل ولاية مسؤولة عن أخطاء محاكمها. وكذلك تضمنت الدراسة نصوصاً من تشريعات دولية تؤكد على مبدأ تعويض المتضررين من حالات إنكار العدالة والخطأ القضائي أثناء المحاكمة، كالعهد الدولي في شأن الحقوق المدنية والسياسية (1966) الذي انضمت إليه الكويت في 1996. المراد أن مخاصمة القضاء مظهر حضاري وحق أممي.
مثلما هناك ضرورة لنظام مخاصمة القضاة، هناك ضرورة مماثلة لثقافة مخاصمة النشطاء السياسيين، خصوصاً المتعجّلين في استنتاجاتهم وتصريحاتهم، لعلها ترشّد منهجيتهم السياسية... «اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه».

abdnakhi@yahoo.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي