يقول برتراد رسل: تحكمت في حياتي ثلاثة مشاعر بسيطة محدودة في قوتها الطاغية:
1 - توق جارف للحب.
2 - بحث لا يهدأ عن الحقيقة و المعرفة.
3 - وإشفاق عظيم تجاه الذين يقاسون ويتعذبون.
نرى في الحياة توزع الناس بين هذه العناصر الثلاثة. فيتعلق البعض بالمال والماركات والمجوهرات. ويدمن البعض الآخر العقار والسيارات. ويتاجر البعض بالناس والذمم والوعود الكاذبة. بينما يتعلق البعض بمتع الحياة البسيطة. كحب ورعاية البيئة والحيوانات والمحتاجين وقليلي الحظ، فتلك متع دائمة لا عابرة. تثري الإنسانية وتنبش درر الطيبة والجمال الكامنة فينا. وتزودنا بحالة إشباع واكتفاء ورضا عظيمة.
ثم إن المواقف تصنعنا أحياناً. ونحن من نصنع المواقف ونحصد ثمرها بإرادتنا واختيارنا أحياناً أخرى. سأذكر موقفين مررت بهما، لكل منهما دلالة وعلامة فارقة في حياتي ومسيرتي:
1 - أذكر مناقشة الدكتوراه عام 1994. وقاعة فيها 7 أساتذة لامتحاني. استغرقت المناقشة 5 ساعات مع استراحة نصف ساعة فقط.
كانت الأستاذة فاطمة المرنيسي أحد المناقشين كون الأطروحة تتضمن بعض كتبها كمراجع. وكانت قاسية في بعض الأسئلة والملاحظات، لكنني سعدت برؤيتها والتعرف عليها يومها. كان موقفاً صعباً وعليّ إخفاء توتري وإظهار شجاعة لا أملكها وقتئذ. ثم طلبوا مني الانتظار في الخارج. مرت ساعة كالدهر. كنت أقف مرعوبة بينما ينتظر أصحابي في آخر الممر النتيجة معي. كدت أنهار حين ظهر أستاذي مبتسماً. صافحني بقوة قائلاً: أنت الآن زميلتي لا طالبتي. فبكيت.
2 - الموقف الثاني هو أنني ولدت في منزل لم يكن فيه سوى المصحف الشريف. ما زلت أحتفظ باثنين منهما. مصحف أحمر صغير أقرأ فيه ما تيسر من وقت ومحبة، محاولة عدم تجاوز بصمات أبي فيه. ومصحف عتيق ممزق. أحتفظ به في حافظة كي لا تهرب منه رائحته الغالية... ثم بدأت أتعلم، أشكل عقلي وأجمع كتبي ومكتبتي الخاصة. أنت تصنع قدرك. لا مولدك أو البيئة. ليس بالضرورة أن تنشأ في بيت فيه مكتبة أو تنشأ لأبوين مثقفين متعلمين... الحقيقة أنك تغير تاريخك وتصنع مستقبلك بعيداً عن نشأتك وظروف أهلك.