ماذا حصل مع الإعلاميين العرب في أنابوليس؟



كتب غالبية الصحافيين ممن غطوا مؤتمر أنابوليس معلقين على خطاب الرئيس عباس أو كلمات رئيس الوزراء الاسرائيلي أولمرت او عن نوايا الرئيس بوش أو مجهودات كوندوليزا رايس!
وكانت الكلمات الافتتاحية لمؤتمر أنابوليس التي ألقاها الرئيس جورج دبليو بوش الذي قرأ ما سماه بياناً مشتركاً فلسطينياً - اسرائيلياً، ثم تلاه على المنصة أبو مازن، ثم أولمرت هي محور معظم ما كتب عن المؤتمر في الصحافة العربية. الكثير كتب عما دار في الصالة الكبيرة «ميموريال هول» في الأكاديمية البحرية الأميركية التي جمعت الوفود الرسمية من دون أن يتواجدوا أبداً داخل الصالة. والبعض كتب عن مدينة أنابوليس نفسها، والبعض كتب عن الأكاديمية التي استضافت الحدث. الا أننا لم نقرأ عما حدث داخل صالة الاعلام التي جمعت أكثر من 1500 صحافي من مختلف دول العالم.
منذ معرفة الصحافيين في واشنطن بموعد المؤتمر، تناثرت الاشاعات عمن سيسمح له بحضور المؤتمر، وعدد الصحافيين الذين سيسمح لهم بحضور المؤتمر؟ وهل ستتم دعوة بعض الصحافيين العرب من داخل الولايات المتحدة ومن خارجها، وهل سيكون هناك نظام «كوتا» صحافية لكل دولة، وهل سيسمح بالاقتراب من ممثلي كل الوفود، وهل سيسمح باقتراب صحافيين اسرائيليين من الوفدين السوري والسعودي؟ كما كان السؤال الأهم عند البعض كان كيف سنذهب الى أنابوليس؟
طريقنا الى أنابوليس
الكثيرون من الصحافيين «خصوصاً ممن أتوا من خارج الولايات المتحدة» اختاروا الذهاب مبكراً يوماً أو يومين قبل يوم انعقاد المؤتمر، وأقاموا بمدينة أنابوليس نفسها. البعض الأخر اختار الذهاب مبكراً يوم المؤتمر، وانشغلت تلفونات العديد من الصحافيين في تنسيق من سيذهب مع من؟ ومن لديه مقعد خال في السيارة؟ ومن يعرف كيف يصل الى الأكاديمية البحرية في أنابوليس خصوصاً أن الكثيرين من صحافيي واشنطن نادراً ما يغادرها!
ذهبت الى أنابوليس سائقاً سيارة خاصة بمكتبي من فئة ميني فان تتسع لسبعة أشخاص، جلست عن يميني مراسلة صحيفة «الحياة» اللندنية في واشنطن جويس كرم وهي لبنانية، وجلس خلفنا مجموعة من الصحافيين الأصدقاء: مراسلة الـ «بي بي سي» الخدمة العربية وهي لبنانية أيضاً، ومراسل الـ «بي بي سي» الخدمة البرازيلية شاركت البرازيل بوفد ترأسه وزير خارجيتها. كذلك ضمت رحلتنا لأنابوليس مراسلة صحيفة «جيروزلم بوست» الاسرائيلية في واشنطن، هيلاري كريغر، وهي أميركية يهودية (أعلنت منذ البداية أن هدفها فقط من الحضور هو رصد رد فعل الاعلاميين السعوديين والخليجيين على المؤتمر)، وكان معنا أحد مراسلي وكالة الأنباء الكويتية(كونا) في واشنطن وهو لبناني، ومحررة من صحيفة «الحياة» اللندنية، وهي فلسطينية من القدس جاءت خصيصاً من لندن لتغطية المؤتمر.
استغرقت الرحلة الى مقر الاكاديمية البحرية ما يقرب من 45 دقيقية فقط بسبب سهولة المرور، لأن زحمة المرور في ساعات الذروة الصباحية (غادرنا واشنطن قبل الساعة السادسة صباحاً) تكون غالباً في اتجاه المدن الكبيرة (واشنطن في هذه الحالة) وليس للخارجين منها لمدينة صغيرة أو للضواحي (مثلنا في هذه الحالة). واستمتع الجميع بألوان أوراق الشجر الخريفية وما تبقى منها، ودار الحوار عن تداخل اللونين الأخضر والأحمر، وكثرة اللون الأصفر ولماذا يطغي اللون البرتقالي على أوراق الشجر في هذا الوقت من العام.
أكثر ما أثار انتباهنا في الطريق لأنابوليس كان كثرة سيارات النقل الكبيرة التي يتم توقيفها وتفتيشها والتحقق من أوراقها وأوراق سائقيها على طول الطريق المؤدي لمدينة أنابوليس، وكان ذلك منظراً غير مألوف لمن يعيش في الولايات المتحدة، مصدر الغرابة تمثل في أن السيارات التي رفع عليها «سرينة الشرطة» كانت سيارات مدنية وقام بعمل رجال الشرطة رجال في ثياب مدنية!
كذلك ظهرت الكثير من الاعلانات على جانبي الطريق تذكر الجميع بضرورة الابلاغ عما يثير الاشتباه في الطريق وتوافر الاعلانات رقم تلفون مجاني للاتصال به. أعتقد أن هذا الخط لم يتصل به أحد في هذا اليوم.
عند وصولنا قبل الساعة السابعة صباحاً اتجهنا الى المدخل الرئيسي للأكاديمية حيث استقبلنا أفراد أمن البوابة شاهرين أسلحة اتوماتيكية، وجمعوا منا بطاقات الهوية. وظهرت على الضابط المسؤول علامات التعجب ممزوجة بسخرية ظاهرة (قد تكون نتاج تجمع جنسيات كثيرة في سيارة واحدة)، ذلك رغم طغيان طبيعته العسكرية الصارمة على طريقة تعامله معنا، قال لنا في لهجة حازمة اتجهوا الى استاد الأكاديمية، هناك يتم التعامل مع الصحافيين. ووصف لنا طريقة الوصول الى هناك. بعد دقائق قليلة ذهبنا الى استاد الأكاديمية، ودخل الجميع من أجل الحصول أولاً على الكارنيهات الجديدة التي أصدرتها وزارة الخارجية الأميركية للاعلاميين خصيصاً لتغطية مؤتمر أنابوليس. ولم يتم تجهيز كارنيهات الغالبية العظمى من الصحافيين لأسباب لا نعرفها، الا أنه تم اصدار هذه البطاقات في فترة لم تتجاوز عشر دقائق. بعد ذلك اصطف الجميع في طابور طويل يقود الى بوابة الكترونية حيث تم اخضاع الصحافيين وأدواتهم ومعداتهم وحقائبهم لعمليات تفتيش مكثفة على ثلاث مراحل: يدوية، وبالأجهزة الحديثة، والكلاب المدربة على اكتشاف المفرقعات، ولم يسمح مسؤولو الأمن بدخول أجهزة الكمبيوتر المحمولة الا بعد أن يتم تشغيلها وليس فحصها فقط من قبل خبراء الكشف عن المتفجرات. واستغرق هذا الطابور عشر دقائق أخرى بعد ذلك كانت تتجه أتوبيسات تحمل من أنهى اجراءاته من الصحافيين الى مقر المركز الاعلامي للمؤتمر في رحلة لم تستغرق سوى أربع دقائق.
مقر المركز الاعلامي عبارة عن ملعب كرة سلة مغلق، وهنا كانت صدمتنا عندما أدركنا انفصالنا عن قاعة المؤتمر الرئيسية التي بعدت أقل من كيلومتر عن المركز الاعلامي. صالة الملعب جهزت بالكثير من الطاولات الموصولة كهربائياً بما يمكن الصحافي من توصيل أجهزته بالكهرباء، وتم توفير شبكة انترنت لاسلكية سمحت للجميع أن يحصل على خدمة الانترنت ان أراد، كذلك وجدت شاشة عرض عملاقة لمتابعة الحدث تلفزيونياً. وتم تجهير أماكن لبيع المأكولات والمشروبات بأسعار السوق العادية. وكان أول ما وحد كل الصحافيين هو البحث والسؤال عن امكانية الحصول على القهوة، اذ غابت أي اشارات دالة على مكان بيع مشروب الصباح المفضل عالمياً.
غياب التمثيل الرسمي العربي في قاعة الاعلاميين
أول ما استرعى الاهتمام كان تقسيم أماكن الجلوس للصحافيين الذين تجاوز عددهم 1500 صحافي. طاولات الاعلام الاسرائيلي كانت في بداية الجزء الأيمن من الصالة، والتزم الاسرائيليون بشغل الجزء المخصص لهم، ومقابل ذلك مباشرة وعلى بعد مترين فقط كانت طاولات الاعلام الفلسطيني. ونظراً الى قلة عدد الاعلاميين الفلسطينيين، شاركنا نحن وغيرنا أماكن جلوس الفلسطينيين، وكان أمامنا فريق أحد التلفزيونات الألمانية وخلفنا فريق تلفزيون سكاي البريطاني.
ووزع أعضاء من الوفد الاسرائيلي على الصحافيين دليلاً من ثلاث صفحات عنوانه «خبراء عملية السلام العربي - الاسرائيلي» وعلى رأس القائمة التي تضمنت أرقام التلفونات والبريد الالكتروني والمنصب الرسمي أو غير الرسمي جاء فيه سفير اسرائيل في الولايات المتحدة دانيل آيالون، ومسؤولو الاعلام في مكتب رئيس الوزراء الاسرائيلي، والملحق الاعلامي الاسرائيلي في واشنطن، وبعض المسؤوليين الأميركيين السابقيين وكلهم من اليهود. كذلك ضمت القائمة السيدة نوني درويش الأميركية والمصرية الأصل والمعروفة بدعمها لاسرائيل.
هكذا كان في مقدور أي صحافي من مختلف دول العالم الوصول بسهولة الى من يمثل وجهة النظر الاسرائيلية الرسمية أو من يؤيد الجانب الاسرائيلي. في حين غاب الوجود العربي الرسمي داخل قاعة الاعلاميين! وسألني ما يقرب من 35 صحافياً اذا ما كنت أنا المتحدث الرسمي لأي من الدول العربية (لأنني كنت أراقب فقط ما يحدث وأجلس وسط صحافيين عرب، ولم يظهر علي الانشغال الذي بدا على الصحافيين في هذا اليوم) وكان الجميع يسأل عن ممثلي الوفود الفلسطينية والسعودية والسورية. وظهرت فقط ديبلوماسية أردنية شابة اختارت أن تراقب ما يحدث في صالة الاعلام.
وجلست بجوارنا مبعوثة صحيفة «المصري اليوم» للمؤتمر أميرة عبد الرحمن التي سألت مراسلتي صحيفة «الحياة» اللندنية (لبنانية وفلسطينية) عن امكانية التحدث مع أحد من أعضاء الوفد الاسرائيلي المنتشرين في الصالة، وجاء الرد ناهراً وعنيفاً من الزميلتين العربيتين. ذهبت مع أميرة وتحدثنا مع أميرة آرون، مديرة دائرة الاعلام العربي بوزارة الخارجية الاسرائيلية. أميرة امرأة جميلة تبدو في نهاية الثلاثينات وتتحدث العربية بطلاقة. رحبت أميرة بنا كمصريين أشد الترحيب، وذكرتنا بالرئيس الراحل أنور السادات وزيارته للقدس، وكيف أن لمصر وللمصريين مكانة خاصة في قلوب الاسرائيليين، وهنا مزحت معها ورسمت قلباً على ورقة بيضاء وطلبت منها تحديد موقع مصر في القلب الاسرائيلي، زميلتي من «المصري اليوم» أميرة أيضاً ردت على أميرة بطريقة حازمة وسألتها: هل يوجد مكان في القلب الاسرائيلي للفلسطينيين أيضاً؟ وردت أميرة آرون مبتسمة «طبعاً ان أرادوا هم ذلك». وسألتها عن رأيها في ما قاله رئيس وزرائها عن كون اسرائيل «دولة يهودية، رغم وجود ما يقرب من و1.5 مليون من العرب يحملون الجنسية الاسرئيلية يمثلو بنسبة 20 في المئة من الاسرائليين. ولم تجد أميرة الا اجابة ديبلوماسية فضفاضة عن ديموقراطية دولة اسرائيل.
رفض التحدث مع الاسرائيليين
رغم مشاهدة الجميع المصافحة بين الرئيس الفلسطيني ورئيس الوزراء الاسرائيلي رفض غالبية الصحافيين الفلسطينيين ممن يعملون مع وسائل اعلامية عربية التحدث مع الاعلاميين الاسرائيليين، وطلب بعضهم التحقق من هويات من يريد التحدث معهم للتأكد من كونهم غير اسرائيليين. وسألتني صحافية اسبانية من جريدة «الموندو» عن أي صحافي فلسطيني يمكن أن يعقب على كلمات الرئيس الفلسطيني ورئيس الوزراء الاسرائيلي، صحبتها لصديق فلسطيني يعمل مع مكتب أحد الفضائيات العربية الشهيرة بواشنطن، وسألني اذا ما كانت اسرائيلية وطلب التحقق من هويتها، وتحدث معها بعد ذلك بكل ود.
الوفد السعودي عقد مؤتمراً صحافياً في احدى الصالات الملحقة بالملعب، وسمح بدخول عدد محدد من الصحافيين المختارين بعناية، وعندما احتج العديد من الصحافيين المستبعدين، كان الرد السعودي هو عدم الرغبة في التحدث مع اعلاميين اسرائيليين.
تواجد مراكز الأبحاث الأميركية وسط الاعلاميين
وأثار انتباهي بشدة وجود ممثلي بعض المراكز البحثية الكبيرة في الولايات المتحدة بين الصحافيين. خبير شؤون الشرق الاوسط بمعهد السلام الأميركي سكوت لاسينسكي كان يعتقد أنه سيكون الممثل الوحيد لمراكز الأبحاث الأميركية، وسيكون طلب الصحافيين عليه عال جداً!
الا أنه وبمرور الوقت ظهر خبراء آخرون من المراكز البحثية كان أهمهم مارتن انديك، مدير مركز سابان لدراسات الشرق الأوسط بمعهد بروكينغز، وهو خبير سياسي محنك بمنطقة الشرق الأوسط، عمل سفيراً للولايات المتحدة في اسرائيل في الفترة من 1995 الى 1997، ومساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى من 1997 الى 2000.
انتهى اليوم وغادرت الصالة قبل بدء المؤتمر الصحافي لـ كوندوليزا رايس في صالة الاعلاميين، ولم ينس صحافي عربي مرموق تذكيري بأهمية حضور جلسة مهمة مع سكرتير عام جامعة الدول العربية عمرو موسى في مقر اقامته «فندق ويلارد» في صباح اليوم التالي!
* عن «تقرير واشنطن»