نقاش واسع حول أسباب عدم لجوء الحكومة إلى الشركات المحلية؟
المستشار العالمي... مُجمّع بيانات وتوصياته تخلو من الابتكار


















- تساؤلات مشروعة تصل لحد الحيرة... لماذا الاستعانة بمستشار أجنبي لكل المهام؟
- نصائح «الأجنبي» لم تُنقذ شركات عالمية كـ«الخطوط السويسرية» و«جنرال موتورز» و«إنرون»
تفاعلت أوساط اقتصادية وشعبية، مع خبر «الراي»، أمس، حول طلب مجلس الوزراء من الجهات الرقابية الموافقة على الاستعانة بشركة ماكينزي للاستشارات لتقديم مقترحات ودراسات لتحفيز القطاعات الاقتصادية المختلفة.
وفتح الحديث عن التعاقد نقاشاً واسعاً حول أسباب لجوء الحكومة دائماً للمستشار الأجنبي، للدرجة التي أصبحت الاستعانة به تقليداً دارجاً لدى جميع الجهات الرسمية في الكويت، ما أثار حساسية المستشارين المحليين؟
ومن باب الموضوعية، كان لزاماً تحري القيمة المضافة التي حققها المستشار العالمي بجميع الدراسات التي قدمها للكويت خلال السنوات الماضية، ليتبين أن البلاد لا تزال تعاني من الخلل الهيكلي في ميزانياتها والحاجة الملحة للإصلاح الاقتصادي، وغيرها من التحديات المتجذرة من سنوات دون أن تعالج على أرض الواقع.
ويحلو للبعض وصف شركات الاستشارات العالمية بطباخ الحكومة في جميع أعراسها، بسبب اللجوء الحكومي الدائم لها، سواءً للدخول في مشاريع جديدة أو للتعامل مع معضلة اقتصادية ما، ما يزيد الحيرة حول أسباب التجاهل الحكومي لجميع المستشارين المحليين، رغم أن ذلك يناقض بديهيات العمل البحثي والاقتصادي والفني التي تميز كل قطاع.
كما أن هذا التوجه يعاكس جهود مؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص منذ بداية ظهور آثار أزمة «كورونا» على الاقتصاد الكويتي، وتحديداً في منتصف مارس الماضي، والتي أظهرتها خلال اجتماعاتها مع اللجنة الاقتصادية الوزارية، فالدمج بين ما طُرح من أفكار ومقترحات لخبرات كويتية كان يُمكن أن يشكل برنامجاً تحفيزياً ناجعاً، يُخرج الاقتصاد الوطني من أزمته.
وإلى ذلك، طرح تساؤل لماذا تتجدد الاستعانة الحكومية بشركات الاستشارات العالمية ولا يتم إسناد طلب الاستشارات، خصوصاً المهمة، إلى شركة وطنية، مثل المجموعة الثلاثية العالمية للاستشارات، التي أسستها الهيئة العامة للاستثمار بالتعاون مع الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية وشركة أوليفر وايمان العالمية المتخصصة في تقديم الاستشارات، منذ 7 سنوات، وتحديداً في أكتوبر 2013.
ولعل المفارقة أن العديد من الاستشارات التي قدّمتها شركات الاستشارات العالمية لم تشكل قيمة مضافة، بل قدّمت توصيات متشابهة لجهات متعددة حول العالم في مسائل معينة، دون أن تفرّق في اقتراحاتها بين دولة وأخرى، متجاهلة أن لكل دولة ومنطقة خصوصيتها، التي تجعل حلولاً مجدية في منطقة غير مفيدة في منطقة أخرى، وإجراءات يمكن الإقدام عليها في بلد، قد يستحيل تنفيذها في بلد آخر.
وبجردة بسيطة للأزمات، يمكن بسهولة ملاحظة أن تاريخ هذه الشركات في تقديم الاستشارات عالمياً تشوبه الكثير من الأخطاء، ونصائحها واقتراحاتها لم تُفلح في منع انهيار شركات كبيرة وإفلاسها، مثل الخطوط الجوية السويسرية و»جنرال موتورز» وعملاق الطاقة الأميركي «إنرون»، حتى أن البعض وصف شركات استشارات عالمية بـ«بائعة الوهم».
وإلى ذلك، يقول اقتصاديون لـ«الراي» إن هذه ليست المرة الأولى التي تستعين بها الحكومة بشركة استشارات عالمية، في ظل تعاقدات كثيرة لجهات حكومية معها، لتقديم استشارات اقتصادية متنوعة، رغم أن جميع التجارب السابقة أثبتت أن ما قُدّم من هذه الشركات لا يتعدى حلولاً معلّبة، تخلو من أي ابتكار، وتستند في معظمها إلى آراء ومقترحات مطبقة في دول أخرى، ما يجعلها أقرب من الناحية العملية إلى مُدخلات بيانات تنقل للدولة تجارب الآخرين دون تقديم حلول مالية مبتكرة تناسب الأوضاع المحلية ومعطياتها.
ويؤكد الاقتصاديون أن شركات الاستشارات العالمية تبيع دائماً توصياتها للحكومة، دون أن تنتبه الأخيرة أن دور هذه الشركات كان في كثير من التجارب أقرب لمُجمّع ومحلل للبيانات ليس إلا، ما يطرح تساؤلاً حول أسباب عدم استعانة الحكومة مباشرة باقتصاديين وأكاديميين كويتيين متخصصين، باستطاعتهم تقديم استشارات أفضل بحكم ملامستهم لواقع الاقتصاد المحلي وتحدياته، خصوصاً أنه يعد من نافل القول إن لكل اقتصاد طبيعته الخاصة وحلوله المالية التي قد يصعب سحبها على اقتصادات أخرى.
النصف: التعاقدات لم تنعكس إيجاباً
أوضح عضو غرفة التجارة والصناعة، أسامة النصف، أن الاستعانة بالمكاتب العالمية مثل «ماكينزي» وغيرها، لم تنعكس بأي نتيجة إيجابية فعلية على الاقتصاد الكويتي، لافتاً إلى أن الاستعانة بهذه الشركة مرة أخرى، وسط الأزمة الحالية، مجرد صرف للأموال للاستماع إلى الآراء فقط من دون تطبيق التوصيات على أرض الواقع.
وقال النصف إن الحكومة تعاقدت للحصول على العديد من الدراسات في السنوات الأخيرة، والتي بقيت حبراً على الورق من دون تطبيق، منتقداً الاستعانة بـ«ماكينزي» وتكليف الخزانة المزيد من الأعباء في ظل أزمة عميقة خلّفتها أزمة كورونا، والإقفال والشلل الذي يعيشه الاقتصاد بمختلف قطاعاته منذ فبراير الماضي وحتى اليوم.
الشطي: لماذا لم نستعن بـ«الثلاثية»؟
قال رئيس مجلس الإدارة الأسبق في البنك التجاري، عبدالمجيد الشطي، إن توجهات الحكومة بالتعاقد مع «ماكينزي» يفتح الباب أمام تساؤلات مهمة أبرزها حول عدم استعانة الدولة بالمجموعة الثلاثية للاستشارات، المملوكة للهيئة العامة للاستثمار والصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية، بالتعاون مع شركة أوليفر وايمان المتخصصة عالمياً في الاستشارات.
وأضاف أن المجموعة التي أسستها الدولة في عام 2013 لا تزال قائمة، وسبق أن قدمت استشارات مختلفة، وكان الأجدى أن يتم تفعيل دورها بشكل ملائم بدلاً من الاستعانة بشركة أجنبية، منوهاً إلى أن ذلك لا يُنقص «ماكينزي» شيئاً، فهي كيان متخصص له علاقاته حول العالم.
وعما إذا كانت الكويت تفتقر للخبرات لتقديم الدور المناسب في شأن تحفيز الاقتصاد، أفاد الشطي بأن الدولة بها آلاف المواطنين القادرين على العطاء وتقديم الرؤى الناجعة، مضيفاً أن هناك جهات كثيرة متخصصة، يمكن الاستعانة بها مثل معهد الأبحاث والكثير من اللجان، آخرها اللجنة التوجيهية العليا للتحفيز الاقتصادي برئاسة محافظ بنك الكويت المركزي الدكتور محمد الهاشل، التي اجتهدت في تقديم المقترحات الاقتصادية التحفيزية منذ بداية أزمة «كورونا».
وأوضح أنه يُفترض أن تكون الدراسات اللازمة لدعم الاقتصاد جاهزة، فهناك مراحل تستدعي الاهتمام، منها إعادة الثقة للناس، بعد فقدان الكثيرين لمداخيلهم، ثم العمل على التحفيز المالي والاقتصادي عبر إجراءات داعمة، وأخيراً الاهتمام بإجراءات الهيكلة، بما فيها التركيبة السكانية وغيرها.
الديين: أمس لبنان... وغداً الكويت
أفاد الأمين العام للحركة التقدمية الكويتية، أحمد الديين، بأن الحكومة اعتمدت «ماكينزي» جهة استشارية للتحفيز الاقتصادي، مشيراً إلى أن لـ«ماكينزي» وصفة جاهزة سبق أن قدمتها للحكومة اللبنانية العام الماضي، تشمل خفض الرواتب وتجميع التوظيف في القطاع العام وزيادة نسبة ضريبة القيمة المضافة. وقال: وصفة «ماكينزي»... أمس لبنان وغداً الكويت .
الصانع: تجاهل لجميع التوصيات
أبدى رئيس الجمعية الاقتصادية الكويتية مهند الصانع استغرابه من استعانة الحكومة بشركة ماكينزي للاستشارات، لتقديم مقترحات للتحفيز الاقتصادي، مؤكداً أن التعاقد مع «ماكينزي» وغيرها من الشركات العالمية يمثل تجاهلاً لدور الخبرات الوطنية.
وأشار إلى أن التوصيات التي قدمتها العديد من الجهات المتخصصة، من مؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص، منذ بداية الأزمة، وتحديداً في منتصف شهر مارس الماضي، للجنة الوزارية الاقتصادية، كفيلة بأن تشكل أفضل خطة تحفيز اقتصادية على المديين قصير وطويل الأجل، لو تم التعامل معها بمهنية وطُبقت في حينها.
وقال الصانع «يعتبر الملف الاقتصادي من أولويات المرحلة المقبلة، وهذا ما أشار اليه صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد في كلمتيه خلال شهر رمضان المبارك، وعلى هذا الأساس ويجب أن نعمل بشكل سريع على مواجهة التطورات والمتغيرات الاقتصادية»، مضيفاً «الحاجة الأساسية ليست لمستشار عالمي، بل لإنشاء المؤسسة العامة للاقتصاد، كهيئة مستقلة توكل إليها جميع المهام والملفات الاقتصادية، وتكون الجهة الرئيسية المسؤولة عن كل ما يتعلق بالإصلاح الاقتصادي، بدلاً من تشتت الأدوار بوجود أكثر من جهة اقتصادية».
ودعا الصانع إلى رسم السياسات الإصلاحية وإيجاد البدائل التمويلية المناسبة لمواجهة عجز ميزانية الدولة، ووضع الحلول لتنويع مصادر الدخل وتحقيق الاستدامة وتحفيز الاقتصاد من خلال تحديد القطاعات الأساسية المطلوب التركيز عليها للمرحلة المقبلة، ومعالجة الاختلالات الهيكلية في المالية العامة، والتدخل السريع لإدارة الأزمات الاقتصادية في حينها.
واستغرب الصانع التعاقد مع مستشار عالمي لتقديم توصيات للتحفيز الاقتصادي، في ظل وجود مؤسسات الدولة الاقتصادية واللجان المختلفة، ومنها وزارة الدولة للشؤون الاقتصادية واللجنة الوزارية الاقتصادية المنبثقة من مجلس الوزراء والمجلس الأعلى للتخطيط، وآخرها اللجنة العليا التوجيهية للتحفيز الاقتصادي، متسائلاً عن دور تلك الجهات في هذا الجانب.
الخالد: القلب ليس على الكويت
أشار رئيس لجنة التجارة والنقل في غرفة التجارة والصناعة، خالد الخالد، إلى أن الاستعانة بـ«ماكينزي» لإجراء دراسة جديدة حول الحلول المطلوبة للتحفيز ومناقشة آثار الحزمة الاقتصادية، قد تأتي نتيجة تخوف المسؤولين من الكشف عن وضع الملاءة المالية للدولة في الوقت الحالي، كما أنها تعكس عدم الثقة بقدرات الطاقات الكويتية الجاهزة للمساعدة فور طلب مساندتها من قبل الجهات المعنية.
واعتبر الخالد أن «ماكينزي» وغيرها من المكاتب الاستشارية تهدف إلى تحقيق الإيرادات، وأنها لا تهتم فعلياً بمستقبل وديمومة الدولة، قائلاً «قلبها لن يكون على البلد وحمايته، كما حال أبناء الكويت في كل القطاعات».
وطالب الخالد بالابتعاد عن الاستعانة بالمكاتب الخارجية لإجراء الدراسات، والاعتماد على الطاقات المحلية، مشيراً إلى أن الاستعانة بـ«ماكينزي» جاءت بعد الاجتماعات العديدة التي عقدتها الحكومة مع أكثر من 80 شخصية اقتصادية في الدولة، قبل الإعلان عن الحزمة الاقتصادية، والتي اتفقت جميعها على ضرورة إيجاد موارد مالية إضافية للدولة تساعدها على سد احتياجاتها لسداد المستحقات المتوجبة عليها.
وأكد أن المكتب الاستشاري الأجنبي سيقدم الرؤية نفسها، مشدداً على أن الاستعانة به قد تعكس تخوف أصحاب القرار من تفضيل دراسة على أخرى وُضعت بين أيديهم خلال المناقشات السابقة، ومعتبراً أن هذا الأمر يعد بمثابة خطأ في التشخيص وعدم وجود كفاءات تملك اتخاذ القرار الصائب، دون هدر للأموال في غير محلها الصحيح.
الغانم: عُقدة الخواجة لا تزال قائمة
أفاد رئيس مجلس الإدارة الأسبق لبورصة الكويت طلال الغانم بأن التعاقد مع شركة ماكينزي للاستشارات يؤكد أن «عُقدة الخواجة» ما زالت قائمة، في وقت ينادي الجميع بمنح الكفاءات الوطنية الفرصة كاملة.
وتساءل الغانم عن الأسباب التي ترسّخ قناعة الدولة بالشركات الأجنبية، في حين أن البلاد تزخر بالكفاءات والخبرات الكويتية المتنوعة، ومنها من أنفقت عليها الدولة للتعليم والتطوير من خلال الابتعاث للخارج، مشيراً إلى أن اللجوء إلى «ماكينزي» يعكس عدم الثقة في الشركات الكويتية واللجان المتخصصة.
وأضاف «أين ما قدمته لجنة المحافظ بعد عمل وجهد امتد 3 أشهر، إذ إنها قدمت رؤى جيدة، كان الأجدى أن تعمل الدولة على بلورتها بما يواكب تطلعات الشارع الاقتصادي بدلاً من اللجوء إلى الشركات الاستشارية الأجنبية».
وأكد أن «أهل مكة أدرى بشعابها، ولدينا من الشركات والخبراء ما يكفي لتقديم حزمة تحفيز اقتصادية واعدة، فهناك الجمعية الاقتصادية وجمعية المحاسبين ومركز الشال للاستشارات، و لدينا قطاع خاص زاخر بالكفاءات الوطنية، كان الأفضل أن تلجأ الحكومة لها».
الفوزان: «كوبي بيست» بأكبر مبلغ
وصف العضو المستقل في لجنة التجارة والنقل في غرفة التجارة والصناعة، فريد الفوزان، تجارب الكويت مع المكاتب الاستشارية العالمية التي كان لها حضور سابق لها بالسيئة، لافتاً إلى أنها أثبتت أن هذه المكاتب تعمد إلى استغلال من يطلب استشاراتها، وسحب أكبر قدر ممكن من المبالغ منها، عبر تقديم نموذج أولي يغري العميل للتعامل معها، ومن ثم القيام بنسخ العديد من الدراسات والإحصاءات القديمة، على طريقة «كوبي بيست» التي قد لا تكون مناسبة للإسقاط على وضعية الاقتصاد الكويتي.
ولفت إلى أن المكاتب الاستشارية العالمية تعمد إلى دراسة ومعرفة قدرات ممثلي الطرف الذي تتعامل معه قبل تقديم أي دراسات مطلوبة منها، منوهاً إلى أن الاستعانة بها في ظل أزمة كورونا لن تكون ذات جدوى، خصوصاً أن لا أحد في العالم يمكنه التكهن حول المدى الزمني الذي ستستغرقه الجائحة.
وبيّن أن شركات الاستشارات العالمية تستغل أيضاً التخبط الذي قد يظهر لدى بعض أصحاب القرار من أجل تقديم المزيد من الدراسات أو الإحصاءات، بغية تحصيل أعلى قدر ممكن من الإيرادات، مؤكداً وجود العديد من الأفراد والكفاءات الكويتية القادرة على القيام بعمل هذه المكاتب الاستشارية ومطالباً الجهات المعنية بتشجيع أصحاب الخبرة الاقتصادية، الذين يعرفون خبايا الاقتصاد لتقديم الحلول المناسبة لجميع المشاكل الاقتصادية التي تواجهها البلاد.