تحتاج اليوم إلى معجزة... أو قيادة أفضل
بريطانيا تخسر أصدقاءها وتبقى... وحيدة



مهّد قرار «بريكست» بإخراج بريطانيا من المجموعة الأوروبية إلى وصول رئيس الوزراء بوريس جونسون إلى رئاسة الحكومة، إلا أنه من الممكن ان يمهّد وباء «كوفيد - 19» لإخراجه من الحكومة بسبب سوء إدارته وحكومته للأزمة.
فقد أعلنت الحكومة مراراً وتكراراً أن قراراتها في ما خص «كورونا» نابعة من التوصيات التي يقدّمها المجلس الاستشاري العالمي البريطاني. إلا أن انتقادات واسعة لهذه القرارات دفعت بالإعلام البريطاني للمطالبة - ليضمّوا صوتهم إلى صوت السياسيين - بالكشف عن جميع هذه التوصيات وإذا كانت فعلاً فاشلة في تقديراتها.
وعلى الرغم من التوصيات التي يختبئ خلفها جونسون، إلا أن دور الحكومة هو الاستماع إلى قرارات الخبراء، ولكن اتخاذ القرار يعود دائماً إلى السياسيين، وهذا يعني أن رئيس الوزراء وحكومته، هم المسؤولون.
ويقول الخبراء إن دول الشرق الأوسط تحرّكت بسرعة وبحزم أكبر بكثير من دول أوروبا التي تلكأت عن بناء مستشفيات خاصة لمرضى «كورونا» وعن إحضار الكمّامات اللازمة وتخزينها وصنْع أو شراء أجهزة التنفس.
فعندما أصيبت الصين وبعدها كوريا الجنوبية لتلحق بهما إيران وبعدها إيطاليا، اعتقد العالم أن «كورونا» سيضرب هذه الدول الأربعة فقط ولن يجتاز الحدود.
ولكن بعدما أثبتت هذه النظرية خطأها، تعاملتْ فرنسا وإنكلترا وأميركا وكأن شيئاً لم يكن لأسابيع طويلة، قبل أن يكتشف هؤلاء أن الفيروس الخفي يصيب العالم بأجمعه. وعندما أدركتْ أوروبا أنها تخلّت عن إيطاليا وتركتْها تُصارِعُ لوحدها الفيروس ونتائجه، وبعدما تقدّمت روسيا والصين وكوبا للمساعدة، أعادت أوروبا التفكير بموقفها وتقدّمت للمساعدة لتعيد اللحمة الأوروبية.
إلا أن جونسون لن يستطيع الاستفادة من التضامن الأوروبي لأنه خرج قبل شهر واحد من المجموعة الأوروبية وراهن على العلاقة مع أميركا التي لم تساعد أي دولة على مدى الشهرين الأولين اللذين وصلت فيهما الإصابات إلى ذروتها.
وتعتقد بريطانيا أن أميركا تملك الاقتصاد الأقوى في العالم، وتالياً فإن البقاء في حضن الرئيس دونالد ترامب أفضل من البقاء داخل المجموعة الأوروبية. إلا أن العالم قد يتبدّل مع اجتياح «تسونامي كورونا»، لأن هذه الأزمة الدولية تحتاج إلى عامل تضامُن دولي مشترك مغاير كلياً لطريقة ترامب في إدارة الأمور وشعاره «أميركا ولا أحد».
وقد حَصَدَ الرئيس الأميركي عداءَ أكثر الدول، مثل الصين وروسيا وبلدان كثيرة في أوروبا والشرق الأوسط، تعتبر أن التعاملَ مع أميركا ضروري للابتعاد عن الشرور التي يمكن أن يُظْهِرَها ترامب تجاهها.
إلا أن واشنطن فقدتْ الكثير وأجبرتْ الدول على إيجاد الطرق الأخرى للتخلّص من الهيمنة الإدارية الأميركية التي تضع أو تهدّد بأن تضع على لائحة العقوبات التجارية كل مَن لا يؤمن مداخيل لها أو مَن ينافسها في أسواق العالم المالية والاقتصادية والتكنولوجية.
وهذه الشراكة الأميركية - البريطانية في زمن «كورونا»، لها تبعات سيئة جداً على مستقبل جونسون حتى ولو أن حزب المحافظين لن يدعو إلى انتخابات مبكّرة لأن النصر الذي حصده في الانتخابات الأخيرة كان تاريخياً ولن تعاد نتائجه اليوم، خصوصاً بعد إدارة رئيس الوزراء غير الحكيمة لأزمة كورونا التي تجاوزتْ 260 ألف إصابة و37 ألفاً من الوفيات. ويمثّل هذا العدد من الوفيات وحده أكثر من 10 في المئة من مجموع الوفيات حول العالم الذي ناهز 340 ألفاً ليومنا هذا.
لم يأخذ ترامب برأي جونسون حول العلاقة مع روسيا أو الاتفاق النووي مع إيران، أو حقوق الإنسان ومجلسه أو حول منظمة الصحة العالمية، والأزمة المَناخية وحول علاقة إسرائيل مع الفلسطينيين و«صفقة القرن» بضم أراضٍ من الضفة الغربية، وحول الحدّ من الأسلحة النووية.
ولا يَعتبر ترامب أنه بحاجة لرأي بريطانيا، اذ ارتمى جونسون في أحضانه وسلّمه رقبته بعدما كان لبريطانيا دور مهمّ في المجموعة الأوروبية التي انسحب منها.
ما لا يجرؤ رئيس الوزراء البريطاني على قوله إن أميركا أصبحتْ مشكلة عالمية غير محبوبة ولا مرغوب بها وهي تستصغر بلاده ودورَها. لم يكن لبريطانيا يوماً، منذ امبراطوريتها، موقف دولي ضعيف مثل اليوم لا اعتبار له ولا احترام.
نعم، في الحرب العالمية الثانية، وقفتْ المملكة المتحدة لمدة طويلة لوحدها، بعيدة عن أصدقاء لها. ولكن كان هذا قبل 80 عاماً، أما اليوم، فتحتاج إلى معجزة أخرى أو لقيادة أفضل.