أحمدي نجاد في الدوحة لطمأنة الخليجيين... أم لتخويفهم؟

تصغير
تكبير
| الدوحة - من خيرالله خيرالله |

هل جاء الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد أمس إلى الدوحة ضيفا على القمة الخليجية لطمأنة جيرانه الخليجيين أم لتخويفهم؟ لا مفر من طرح السؤال في ضوء ما شهدته جلسة افتتاح القمة من تطورات جعلت الحضور يخرج من الجلسة الافتتاحية تحت الصدمة التي تسببت بها كلمة الرئيس الايراني الذي طرح برنامجا متكاملا على دول مجلس التعاون يستفاد منه أن ايران تعتبر نفسها العضو السابع في المجلس الذي تطل دوله على «الخليج الفارسي» حسب تعبيره.

كانت جلسة افتتاح القمة الخليجية صورة بثلاثة وجوه تختصر المشهد الخليجي الحالي الى حد كبير. تمثل الوجه الأول من الصورة في خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز يدخل القاعة التي انعقدت فيها الجلسة ممسكا بيد السلطان قابوس، الذي كان إلى يمينه، فيما أمسك بيده الأخرى الرئيس الايراني. عكس هذا الوجه من الصورة سعيا بدا حقيقيا، أقله ظاهرا، لايجاد تقارب بين المملكة العربية السعودية من جهة وايران من جهة أخرى. وعزز هذا الانطباع تبادل القبل والعناق والحديث بالانكليزية بين وزير الخارجية الايراني منوشهر متكي من جهة وكل من الأمير مقرن بن عبدالعزيز مدير الاستخبارات السعودية والأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي من جهة أخرى، وقد أخذ متكي مبادرة الاقتراب من المقاعد المخصصة للوفد السعودي.



تمثل الوجه الثاني من الصورة في خطاب ألقاه أمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني ركز فيه على التحديات التي تواجه المنطقة عموما داعيا الى تفادي المواجهة، مؤكدا ان المطلوب اللجوء الى الوسائل السياسية للخروج من الوضع الراهن. وقال في هذا المجال في اشارة واضحة الى الازمة بين ايران والمجتمع الدولي بسبب برنامجها النووي: «علينا أن ندرك ان الأدوات الجديدة للسياسة الدولية ومواثيقها ومؤسساتها منها الوكالات المتخصصة في الأمم المتحدة، اضافة الى وسائل الحوار الحر غير المقيد وغير المشروط وحسن التبصر في العواقب قبل الانسياق وراء الغرائز، كلها الآن عوامل تساعد على المراجعة وتجنب شرور لا مصلحة فيها لأحد - بل ان ضررها واقع على الجميع».

كانت كلمة أمير قطر واضحة من زاوية خشيته على الاستقرار في المنطقة والعالم اذ قال صراحة: «اننا نجتمع اليوم في أجواء مخاطر شديدة تتهدد أوطاننا والمنطقة والعالم وهي مخاطر لا تمس الأمن فقط ولكنها تمس سبل التقدم ومستويات الانتاج والعيش والرخاء وكل مناحي الحياة في العالم اليوم. فالأمن والتنمية وجهان لعملة واحدة. ونريد ان يتفهم كل أطراف الأزمة المستحكمة في المنطقة وقد تعددت أسبابها من البرنامج النووي الايراني ومن حشد الجيوش والاساطيل نذرا في مياه الخليج ومن الأوضاع في العراق وخطرها على هذا الوطن العربي ومن مظاهر القلق المتزايد في باكستان ومن البؤر الكامنة للارهاب، هذا عدا الازمات المزمنة الناشئة عن انكار الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وما ترتب على قضيته من تداعيات بينها هذا الظلم الفادح في الضفة وغزة واحتلال الجولان ومزارع شبعا - ان تلك الأحوال جميعا لا تتحمل اشتداد الضغوط وإلا أفلت زمام الأمور». وأضاف: «نريد ان يتفهم الجميع ولصالح الجميع ان هذه المنطقة تستحق المحافظة عليها أمنا وسلاما ورخاء يهم الانسانية جمعاء».

تلك كانت رسالة الشيخ حمد الذي بدا أنه قلق من الأوضاع في المنطقة وينصح باللجوء الى الوسائل الديبلوماسية والى الحلول المتوافرة عبر الحوار والسياسة والمؤسسات التابعة للأمم المتحدة كي «لا يفلت زمام الأمور». في هذا السياق جاءت دعوة الرئيس الإيراني الى القمة المنعقدة في الدوحة والتي تختتم أعمالها اليوم بالاعلان عن قيام السوق المشتركة الخليجية التي تضم الدول الست في مجلس التعاون.

تمثل الوجه الثالث من الصورة في كلمة الرئيس الايراني التي شكلت برنامج عمل من اثنتي عشرة نقطة يجعل من ايران الدولة السابعة في مجلس التعاون. لم يخل البرنامج من شبه «استدعاء» لعقد قمة سباعية في طهران ومن تأكيد لوجود مشروع ايراني متكامل يضع الاسس لنظام اقليمي جديد. بالنسبة إلى أحمدي نجاد الذي غلف المشروع بكلام عن «التآزر والتعاون» و«العلاقات المتكافئة على كل الصعد»، لا بد من إلغاء التأشيرات بما يسمح بـ «التنقل الحر» لمواطني دول مجلس التعاون وايران و«حرية التملك» للايرانيين في دول الخليج ولمواطني دول مجلس التعاون في ايران، مشيرا الى أهمية «تنمية الساحة النزيهة والعائلية» بين الدول السبع. ولم ينس بالطبع ضرورة اقامة مؤسسات أمنية مشتركة، وخلص الى دعوة دول الخليج الى الاستفادة مما لدى ايران من تكنولوجيا في كل المجالات بما في ذلك الزراعة والى «التعاون للمحافظة على البيئة». كان لافتاً في كلمة الرئيس الايراني اعتباره ان هناك «أعداء مشتركين» لايران ودول مجلس التعاون. لم يذكر اميركا بالاسم. ولكن بدا واضحا انه يشير اليها بشكل خاص. وربما كان أهم ما في الكلمة تجاهل احمدي نجاد لموضوع البرنامج النووي الايراني والوضع في العراق واصراره على تسمية الخليج بـ «الفارسي».

امتلك الرئيس الايراني ما يكفي من الجرأة لطرح صيغة تكشف ما الذي تريده ايران من دول مجلس التعاون تحديدا وما هي نظرتها الى أي نوع من التعاون بين دول المنطقة. رفع سقف التحدي وأراد بكل بساطة القول ان ايران قوة اقليمية كبيرة وان هناك فراغا اقليميا تستطيع ملأه. هذا الفراغ ناشئ عما آل اليه العراق. لم يعد هناك عراق، اختلت الموازنة الاقليمية. لم يعد معروفا هل جاء محمود احمدي نجاد الى الدوحة لطمأنة الخليجيين العرب أم لتخويفهم؟

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي