في انتظار الفتى الأسمر / الحلقة الثالثة

محمد عبدالسلام (خاص - «الراي»)





| القاهرة - «الراي» |
أيام وساعات ويخرج رئيس من مقر حكم الولايات المتحدة الأميركية، المعروف بالبيت الأبيض، ويدخله ساكن جديد. وما بين خروج جورج دبليو بوش، ودخول باراك حسين أوباما تقفز التساؤلات متوالية حول القادم الجديد، ماذا يمكن أن يضيف، ويغير، ويبدل، كيف سيحكم، وكيف سيتعامل مع القضايا والملفات الساخنة في العالم؟
ولعل التساؤلات التي تخصنا عربياً هي الأهم لدينا خاصة أننا نسكن بؤرة ساخنة، مرة لكون إسرائيل في قلبها محتلة أرضاً عزيزة وغالية، وأخرى كون أميركا، بقواعدها وقواتها وأساطيلها،
ترقد في بقاع عدة، وغيرها من قوات دولية ومن جنسيات عديدة، أيضاً تعيش بيننا.
وتقفز التساؤلات كذلك لأن لدينا ملفات على شاكلة، وسخونة، وصعوبة، ووعورة الملف الفلسطيني، وتشابكات الملف العراقي، وغرائب الملف اللبناني، ودسائس وحكاوي الملف السوداني، ناهيك عن ملفات أخرى... مثل الصومال، وخلافات المغرب العربي، ومع كل هذا ملفات الإرهاب، وأسعار الغذاء، وأهمية النفط، والثروات التعدينية العربية.
ولهذا تبقى تساؤلاتنا مهمة، وننتظر الإجابة عنها وخاصة إذا كانت في اتجاه: ماذا يحمل القادم الجديد معه، وكيف سيتعامل مع هذا الملف أو ذاك، وهل ينحاز ككل من سبقوه إلى الإسرائيليين، وهل ستبقى الولايات المتحدة متواجدة بتلك الكثافة في المنطقة، هل ستوجه ضربة إلى سورية، وهل ستوجه أيضا ضربة إلى إيران؟ وغير ذلك من اسئلة، وإضافة إلى ملفاتنا العربية، ماذا عن علاقات الولايات المتحدة والقوى الأخرى روسيا، والصين، والمجموعة الأوروبية، ودول لا تزال تعتنق الاشتراكية، وكذلك المجموعة الأفريقية... الإجابات بحثت عنها «الراي» لدى الخبراء، والمحللين، والمعنيين بشؤون أميركا، والشرق الأوسط في هذا الملف.
مدير برنامج دراسات الأمن القومي في «الأهرام» توقع أن يكون حوار بين واشنطن وطهران بعيداً عن الحل العسكري
عبدالسلام لـ «الراي»: أوباما سيتخلص تدريجياً من تركة بوش الثقيلة... ولن يتخلى عن مصالح بلاده في العراق
القاهرة - من حنان عبدالهادي
بدت رؤية مدير برنامج دراسات الأمن القومي بالأهرام الدكتور محمد عبدالسلام لسياسات أوباما أكثر تفاؤلاً من غيره: «الرئيس الأميركي الجديد ستساعده خلفياته الاسلامية على التفرقة بين الارهاب والاسلام، وجذوره الأفريقية ستصب في صالح القارة السمراء». كما أشار في حواره مع «الراي» الى أن اسرائيل وان كانت قضية أميركية، لكن التمسك بأن القدس عاصمة أبدية لاسرائيل لا يتعدى كونه شعاراً انتخابياً يرفعه المرشحون للرئاسة في الانتخابات الأميركية، أما في الواقع فان الأمر مختلف تماماً.
وهذا نص ما دار معه من حوار:
• هل حقاً يمكن القول ان التغيير مقبل مع دخول أوباما الى البيت الأبيض، وبداية توليه مهام الرئاسة؟
- بالتأكيد التغيير مقبل ولسبب واضح جداً أن الادارة الأميركية السابقة، ادارة بوش، وخاصة في فترتها الرئاسية الأولى كانت قد بدأت سياسات حادة جداً في منطقة الشرق الأوسط بعد أحداث 11 سبتمبر، وكانت أولوياتها غزو العراق، وبعد ذلك حدث اختلال رهيب في المعادلات الاستراتيجية في المنطقة، وبدأت تخرج حركات فاعلة مثل «حماس»، و«حزب الله» بسبب ايران، ثم تفاقمت الأزمات المذهبية بين السُنة والشيعة. وعلى هذا المنطقة تغيرت تماماً.
والأمر الثاني أنهم بدأوا يضغطون على منطقة الشرق الأوسط في عملية الاصلاح السياسي، أو ما أسموه بالاصلاح الديموقراطي، وذلك من خلال العمل على اعادة صياغة المنطقة كلها، وعدم التعاون مع الفرقاء الأساسيين لديهم، ورحبوا بالتعامل مع القضية الفلسطينية حتى آخر عام في عهد بوش، وهذه التوجهات بدأت تخفت خلال الفترة الثانية لادارة بوش لينتهي مشروع الشرق الأوسط الكبير دون الحديث عنه حتى أنهم أخيراً بدأوا يتحدثون عن الانسحاب من العراق فأوباما يأتي بعد ادارة «جمهورية» حاولت قلب العالم، وأدت لمشكلات جسيمة وهذا ما يدفعه لتبني توجهات جديدة مغايرة.
• هل يعني هذا أن التغيير سيشمل منطقة الشرق الأوسط؟
- الادارة «الديموقراطية» بدأت وأمامها ملف الانسحاب الأميركي من العراق، والتقليل من الاعتماد على النفط العربي، فبدا أوباما وكأن لديه حلاً لمشكلة الشرق الأوسط، وهم مقتنعون أن هناك دوراً أميركياً نشطاً في المنطقة وسيكون مختلفاً، وسحب القوات الأميركية من العراق سيكون بشكل أقل، أو تدريجي مع ترتيبات أمن مناسبة بصورة تؤدي الى تحقيق مصالح الولايات المتحدة، وأمن العراق، وهذا هو الأمر الأساسي على أجندة أوباما. كما أنه قال أيضاً انه سيكون هناك اهتمام بالقضية الفلسطينية، وستستمر المفاوضات الخاصة بوجود دولتين اسرائيلية وفلسطينية.
• أوباما أكد على وجود دولة فلسطينية الى جانب الدولة الاسرائيلية، لكنه أكد على أن القدس عاصمة لاسرائيل ألا يعني ذلك أن القضية يصعب حلها؟
- اسرائيل قضية أميركية، وهي قضية خاصة بقدرة اللوبيهات الاسرائيلية في أميركا على الضغط على صانع القرار، وبالتالي فان اسرائيل قضية أميركية خاصة يتحدث فيها جميع المرشحين للرئاسة. وأوباما تحدث عن قضية القدس وأخذ موقف «ايباك»، وهو القدس عاصمة اسرائيل. ولكن كل الناس تعرف أنه على مائدة المفاوضات تختلف الأمور. الشيء نفسه أكده المرشحون السابقون، وعندما جلس ايهود باراك وياسر عرفات في «كامب ديفيد 2» العام 2002 قيل ان هناك بعض الأحياء اليهودية تذهب لاسرائيل، والأحياء العربية للعرب، وفرقوا بين الحرم القدسي والقدس، واستطاعوا الوصول لبعض الصيغ التي ترضي الطرفين، أما أن تكون القدس كلها عاصمة لاسرائيل فهذا مجرد موقف انتخابي.
• أوباما أول رئيس أميركي تمتد جذوره الى الاسلام... فهل سيكون ذلك في صالح المفاوض الفلسطيني؟
- معرفة أوباما عن الاسلام هذا عنصر مساعد، وتوجهاته... أن لديه خلفية اسلامية، وعاش في أندونيسيا، وذهب الى كينيا، وأسرته اسلامية، وهو يعرف ما هو الاسلام، ويعرف الفرق بين الارهابيين والاسلاميين، يعرف أن أهله الذين عاش معهم ليسوا ارهابيين، كل ذلك مفيد في بعض الأمور مثل مزايدات وافتراءات بعض الاتجاهات ومحاولة ربطهم الاسلام بالارهاب، هو لن يقول كلاماً ضد الاسلام لأنه مدرك لحقيقة الأمر. انما في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية فلديه ميل «ديموقراطي»، مثل جميع الرؤساء «الديموقراطيين» بايجاد تسوية ما في هذه القضية، وفهم انساني وحلول وسط للقضية. فالرئيس الأسبق كارتر فعل ذلك، وأيضاً بيل كلينتون.
• هل ترى أن على الفلسطينيين اقتناص فرصة وجود أوباما على رأس البيت الأبيض؟
- الرئيس الأميركي ليست في يده جميع مجريات الحل فهناك الكونغرس، ووزارة الدفاع، ومراكز الدراسات والمخابرات، والرئيس ليس وحده هو الذي يحدد ملامح اتخاذ القرارات، لكن بشكل عام هناك فرصة. لكن المشكلة عند الفلسطينيين فالقضية لا تبدو قابلة للحل ببساطة أبداً، فلا توجد نوايا محددة لدى «حماس» لحل مشكلة سيطرتهم على قطاع غزة، وأيضا «فتح» بها تيارات مقلقة في ما يتعلق بالحوار أو عدمه مع «حماس»، وفرض شروط مسبقة عليهم، وبالتالي لدينا مشكلة فلسطينية شديدة الحدة، ربما ستؤدي لالحاق الضرر بالقضية الفلسطينية أكبر من أي ضرر صنعته أطراف خارجية في تاريخ القضية، لأنها تؤدي لطرح بعض الحلول التي لا يقبلها الطرفان. فنحن نتحدث عن طرح دولة فلسطينية موحدة قابلة للحياة، وبالتالي ستطرح أفكار الدولة المؤقتة في الضفة، وفي غزة أيضاً، وسنشاهد مشاكل كثيرة ستثيرها «حماس» في غزة بسبب توجهاتها لادخال القضية الفلسطينية في دور يضرّ بها جداً، والاضرار بعلاقتها مع الدول المجاورة، كما حدث مع مصر.
• عملية الانسحاب التدريجي من العراق هل تعني أنه سيتم عقد صفقات خاصة لتحقيق مكاسب للولايات المتحدة الأميركية؟
- فكرة الخروج الاستراتيجي من العراق غير مطروحة بالطريقة المتصورة، الحديث عن خروج القوات الأميركية من العراق، وما يقوله أوباما عن خروج القوات الأميركية من العراق لن ينهي علاقته معها، فالقوات الأميركية ستخرج بعد وجود قوة أمنية عراقية، والواقع أن الأميركيين هم الطرف الموجود حالياً في العراق، ومن بعدهم بدأت الدول العربية تذهب لافتتاح سفارات بها. فالطرف الموجود سياسياً، وعسكرياً، واستخباراتياً، واقتصادياً هو الطرف الأميركي، وبالتالي فالأميركيون لن يتخلوا عن العراق بسهولة.
• الملف الايراني بالنسبة لأوباما من الملفات الشائكة فهل سيستمر في سياسة التصعيد التي اتخذها بوش أم ستكون له توجهات أخرى؟
- حديث أوباما عن ايران واضح جداً فقد تحدث عن حوار مع ايران، والحوار في اطار أهداف محددة، ومن أهمها عدم قبول الملف النووي الايراني، أو دعم الارهاب وهو لديه أطراف محددة. لكن أيضا لديه أساليب مرنة جداً، وادارة بوش كانت لديها الأهداف الجامدة نفسها لكن أساليبها عنيفة، وبوش دخل صفقات في أفغانستان والعراق، وكان يطرح فكرة الحل العسكري طوال الوقت، لكن أوباما يقول أنه سيقوم بفتح قناة حقيقية للحوار، والبديل العسكري لن يتم الحديث عنه، على الأقل موقتاً، ويمكن أن يتحدث أوباما عن عقوبات، وليس تصعيداً عسكرياً.
• هل سيكون لمنطقة الخليج دور في خطط أوباما؟
- هناك مشكلة في التفكير العربي فهو يرى أن ما تفكر فيه أميركا هدف، وأنها ستحقق تلك الأهداف. لكن منطقة الخليج ليست ضعيفة سياسياً على الاطلاق، بل هي على وعي تام بملفها الأمني، والاقتصادي، وهناك تصور غربي منذ فترة أنه يمكن الاستفادة من الفوائض المالية في الخليج العربي لاستخدامها في التعامل مع الأزمة المالية العالمية، وأن هناك دوراً ما ستلعبه دول الخليج، وقد أدرك ذلك البريطانيون، عندما تحدث رئيس وزراء بريطانيا بشكل واضح في هذه المسألة، قال الخليج أنه على استعداد المشاركة لكن أين العائد؟ الكويت مثلاً أدركت ذلك وتحدثت عن ضرورة وجود عائد محدد، والامارات فعلت الشيء نفسه. اذن فدول الخليج مستعدة لأن تشارك لأن لديها مصلحة في استقرار الاقتصاد العالمي، لكن لأي مدى سيتم هذا في ضوء شروطها. وأوباما لديه ميل للتقليل من الاعتماد على نفط الخليج، وذلك يعطي انطباعات بالرغبة في تقليص الاعتماد الأميركي على منطقة الخليج بحيث يصبح أكثر حرية في التعامل مع القضايا الخاصة بالطاقة، لكن توجهات أوباما غير واضحة بجميع تفاصيلها حتى الآن فيما يخص دول الخليج.
• مازال الملف الأفغاني - الباكستاني من الملفات التي تحظى باهتمام كبير لدى الادارة الأميركية، فهل سيسير أوباما على خطى الادارة السابقة نفسها في التعامل مع ذلك الملف أم سيكون هناك اتجاه آخر؟
- الأمر واضح لدى أوباما منذ البداية، فالتركيز منذ البداية على وجود «القاعدة» في أفغانستان في المنطقة الحدودية الأفغانية - الباكستانية، وفي جميع حواراته يؤكد على اهتمامه الكبير بباكستان فهذه المنطقة لها، بالنسبة له، أولوية قصوى، ويبدو ذلك من توجهاته والالتزامات التي وضعها لنفسه أمام الشعب الأميركي، وتصريحاته المباشرة في هذا الشأن تؤكد أنه سيحاول اتمام مهمته بخصوص «القاعدة»، والقبض على بن لادن.
• في ما يخص الملف السوري كيف سيتعامل أوباما معه؟
- الأميركيون قاموا بغارة على قرية من القرى الحدودية، وقتلوا فيها أحد الذين لديهم علاقة بتهريب الأسلحة للعراق في «القاعدة»، والمبدأ العام الذي يحكم حركة أوباما مع سورية هو المبدأ الذي يحكمه مع ايران... الحوار، والرئيس السوري بشار الأسد، عندما أرسل لأوباما خطابا لتهنئته تحدث عن الحوار. فأوباما يستعد للتفاعل التحاوري مع سورية. وسورية في الفترة الأخيرة بالفعل بدأت تغيير سياستها في لبنان، وأصبحت أكثر مرونة، ولديها مفاوضات مع الاسرائيليين، كما بدأت احكام حدودها نسبياً في ما يخص موضوع تسرب الأسلحة، والعناصر الارهابية، وبالتالي هناك أساس للحوار بين الطرفين، وأعتقد أنه سيستمر.
• هل يعني ذلك أنه سيكون هناك تعاون أمني بين الدول التي تسمى راعية الارهاب والادارة الأميركية الجديدة برئاسة أوباما؟
- ذلك سيأخذ وقتاً، فتحول دول كانت تعتبر محور شر طوال الوقت، ودول طغيان، أو مارقة من وجهة نظرهم، من علاقة توتر، ومنافسة، وأحياناً خصومة، الى علاقة تعاون كاملة فان ذلك سيأخذ وقتاً. لكن المؤكد أنه سيحدث تنشيط وفتح قنوات للحوار، وذلك يتوقف على جماعات الضغط واللوبيهات، وهل تلك الدول مستعدة لخوض هذا التعاون الأمني الجاد من عدمه، وما يحدث هو تنسيق أمني طوال الوقت مع الأطراف بين السوريين، والأميركان، والايرانيين، انما أن تنقلب العلاقة الى صداقة وتحالف فذلك سيأخذ وقتاً، لكن يمكن أن يحدث، وليبيا فعلت ذلك.
• البعض يقول ان روسيا كانت تفضل شخصاً آخر غير أوباما للرئاسة الأميركية لأنها كانت ترغب في سياسة التصعيد لاثبات وجودها في العالم... فما رأيك؟
- على العكس روسيا لم تكن مستفزة لأطراف كثيرة بالمنطقة، فسياستها لم تكن سياسة هجومية لكن سياسة خاصة بالدفاع عن نفسها، وكل ما قامت به في الفترة الماضية كان لتأكيد أنها لن تقبل أن يتم المساس بأمنها، وقامت بتوتير علاقتها مع الولايات المتحدة عندما اقتربت الصواريخ من حدودها في بولندا.
وعندما شرعت جورجيا في احداث خلل في المعادلات المستقرة بالنسبة لها، وردت في مناطق أخرى في أميركا اللاتينية ومع كوبا، وأيضاً مع سورية تسليحياً، لكن في النهاية روسيا دولة عاقلة جداً، ولا تريد العودة الى الحرب الباردة، واثبات الوجود ليس هدفاً في حد ذاته، لكنهم يريدون الاهتمام باقتصادهم ودولتهم، ويمكن أن يصلوا لصيغة تفاهم مع أوباما، ويمكن أن يكون هو الأفضل بالنسبة لهم.
• وهل يمكن أن يحاكم بوش كمجرم حرب على ما اقترفه خلال فترة رئاسته؟
- لا أعتقد ذلك، بوش قام بتنفيذ سياسة المحافظين الجدد في أميركا، سياسة ربما تكون عدوانية ضاغطة على الأطراف الأخرى، وغير توافقية ولها علاقة بالضربات المبكرة، وعدم التنسيق مع الحلفاء، وخاصة في الادارة الأولى، لكن ثبت في الادارة الثانية أن هذه السياسة فاشلة بالنسبة له لذلك قام باستبعاد نصف مساعديه من الادارة الأولى، ولم يبق الا ديك تشيني في مجلس الأمن القومي، أي ما بقي من المحافظين كان عدداً قليلاً جداً. وفي الفترة الأخيرة هدد أحياناً لكنه لم يتهور بل نفذ سياسة أميركية تقليدية للمحافظين، وحدثت قبل ذلك مرة أو اثنتين أيام الرئيس رونالد ريجان، لكن بعض الأطراف الأميركية في الفترة الأخيرة بدأت تناقش ما فعله بوش، واذا ما كانت هناك أشياء جيدة قام بها أم لا، ولكن فكرة أن يكون مجرم حرب فهذا كلام عربي لا مردود له على الواقع، فهو رئيس دولة يقوم بتنفيذ سياسة، نعم هذه الساسة كان مفرداتها الضغط، واستخدام القوة، وعدم التشاور، لكنها في النهاية تظل سياسة دولة.
• ما أهم الأولويات التي ستوضع على طاولة أوباما مع توليه الرئاسة؟
- الاقتصاد الأميركي، والخروج من الأزمة المالية الطاحنة التي تعصف بأميركا في هذا الوقت هي أولوياته القصوى، ولن يتجاهل القضايا الخارجية بالطبع فهي ضاغطة جداً، لكن الادارة لديه كبيرة، ولديه نائب يمتلك خبرة عميقة في الشؤون الخارجية.
• هل يعني ذلك عقده لصفقات مع أوروبا لانعاش الاقتصاد الأميركي؟
- أوباما له موقف من اتفاقية التجارة الحرة فهو يريد تقييدها، وكان يتحدث عن اجراءات حماية وتدخل من الدولة، ففكرة الاتفاقيات قائمة على التعاون مع الأطراف الأخرى كلها مثل التعاون مع الأوروبيين والخليجيين، لكن خطته التي أعلنها والخاصة بالجزء الداخلي منها تعتمد على العلاقة مع الولايات المتحدة مباشرة.
• أول القرارات التي أعلنها أوباما اغلاق سجن غوانتانامو فهل ذلك يعني أنه رافض بشكل تام لسياسة بوش، وأنه سيتجه في طريق معاكس لها، أم تلك مجرد تصريحات؟
- من أهم الأمور التي أخذها الناس عن أوباما المصداقية فهو يقول ما يعتقده، وكل ما يقوله يريد تنفيذه، لكن عملية التنفيذ تكون فيها تعقيدات، فهناك خيارات تطرح الآن في موضوع غوانتانامو وسبل اغلاقه، وهو ينوي ذلك. وفي الفترة الأخيرة من عهد بوش كان هناك حديث عن الاغلاق، فأوباما لم يخرج ليقول شيئاً غريباً عن أميركا، هم لديهم فقط بعض المشكلات الفنية مثل المكان البديل الذي يضعون فيه معتقلي غوانتانامو، هل سيكون في أميركا، أم سيتم ارسالهم لبلادهم، وأوباما رئيس جديد وليس لديه ميراث عنيف.
• هل سينفذ أوباما مشروع الدرع الصاروخية مع أوروبا، خاصة وأن روسيا لا توافق عليه؟
- لا أحد يعرف ماذا سيحدث في هذا المضمار، فهناك مناقشات بين الطرفين الأميركي والأوروبي فيما يتعلق بالسياسة عبر الأطلنطي، وهناك اصرار أوروبي على تدعيم العلاقة مع أميركا، ولن يتم السماح بتكرار تجربة العراق مرة أخرى، وكل شيء سيتم بالتوافق، وهناك ترحيب كبير بأوباما، وفرنسا، وألمانيا، وبريطانيا، والرأي العام الأوروبي سعيد بذلك، وجميع الأمور مهيأة لعلاقة أطلسية جديدة مختلفة تماماً، وتعاونية تماماً بين الطرفين، أما موضوع الدرع الصاوخي فله علاقة ببعض الحلفاء الأوروبيين مثل بولندا، وأوكرانيا الذين قبلوا أن تكون هناك قواعد عندهم، لكنهم يختلفون عندما يأتون عند الأمور العسكرية، وروسيا ستقف ضد مشروع الدرع الصاروخية.
• اذا كان أوباما يعرف جيداً قارة أفريقيا فهل سيوجه اهتماماً كبيراً لهذه القارة التي أغفلها بعض الرؤساء الأميركيين السابقين؟
- أوباما لديه خلفية عن أفريقيا والأفارقة لديهم أمل في ذلك، وأوباما يتميز بفهمه للعالم من حوله، فهو ممن عاشوا خارج أميركا كثيراً، كما أنه لم يعش داخل المدن، ولكنه عاش في حواف المدن... فهناك جزء يعوّل عليه الأفارقة كثيراً، والمتوقع أنه سيقدم بعض المساعدات الانسانية، وعلاج الأمراض المستعصية وأبحاثها، ومساعدات خاصة بالقارة الأفريقية، لكنه لن يدخل بقوة فيها. وفي الفترة الأخيرة لوحظ أن الولايات المتحدة تهتم كثيراً بتشكيل القيادات الأفريقية، وهي كانت طول الوقت مهمة دول غرب أوروبا، لكن منذ دخول الصين، وروسيا لأفريقيا تصاعد الاهتمام الأميركي، خاصة مع احتمالات وجود بؤر ارهابية كبيرة في الصحراء الكبرى، أو القرن الأفريقي، اضافة للصراعات الناشئة في غرب أفريقيا، وأوباما سيستمر في هذا الاتجاه في محاولة لحل المشكلات الأمنية، ومن الجائز أن يضيف اليه البُعد الانساني، والاقتصادي.
أيام وساعات ويخرج رئيس من مقر حكم الولايات المتحدة الأميركية، المعروف بالبيت الأبيض، ويدخله ساكن جديد. وما بين خروج جورج دبليو بوش، ودخول باراك حسين أوباما تقفز التساؤلات متوالية حول القادم الجديد، ماذا يمكن أن يضيف، ويغير، ويبدل، كيف سيحكم، وكيف سيتعامل مع القضايا والملفات الساخنة في العالم؟
ولعل التساؤلات التي تخصنا عربياً هي الأهم لدينا خاصة أننا نسكن بؤرة ساخنة، مرة لكون إسرائيل في قلبها محتلة أرضاً عزيزة وغالية، وأخرى كون أميركا، بقواعدها وقواتها وأساطيلها،
ترقد في بقاع عدة، وغيرها من قوات دولية ومن جنسيات عديدة، أيضاً تعيش بيننا.
وتقفز التساؤلات كذلك لأن لدينا ملفات على شاكلة، وسخونة، وصعوبة، ووعورة الملف الفلسطيني، وتشابكات الملف العراقي، وغرائب الملف اللبناني، ودسائس وحكاوي الملف السوداني، ناهيك عن ملفات أخرى... مثل الصومال، وخلافات المغرب العربي، ومع كل هذا ملفات الإرهاب، وأسعار الغذاء، وأهمية النفط، والثروات التعدينية العربية.
ولهذا تبقى تساؤلاتنا مهمة، وننتظر الإجابة عنها وخاصة إذا كانت في اتجاه: ماذا يحمل القادم الجديد معه، وكيف سيتعامل مع هذا الملف أو ذاك، وهل ينحاز ككل من سبقوه إلى الإسرائيليين، وهل ستبقى الولايات المتحدة متواجدة بتلك الكثافة في المنطقة، هل ستوجه ضربة إلى سورية، وهل ستوجه أيضا ضربة إلى إيران؟ وغير ذلك من اسئلة، وإضافة إلى ملفاتنا العربية، ماذا عن علاقات الولايات المتحدة والقوى الأخرى روسيا، والصين، والمجموعة الأوروبية، ودول لا تزال تعتنق الاشتراكية، وكذلك المجموعة الأفريقية... الإجابات بحثت عنها «الراي» لدى الخبراء، والمحللين، والمعنيين بشؤون أميركا، والشرق الأوسط في هذا الملف.
مدير برنامج دراسات الأمن القومي في «الأهرام» توقع أن يكون حوار بين واشنطن وطهران بعيداً عن الحل العسكري
عبدالسلام لـ «الراي»: أوباما سيتخلص تدريجياً من تركة بوش الثقيلة... ولن يتخلى عن مصالح بلاده في العراق
القاهرة - من حنان عبدالهادي
بدت رؤية مدير برنامج دراسات الأمن القومي بالأهرام الدكتور محمد عبدالسلام لسياسات أوباما أكثر تفاؤلاً من غيره: «الرئيس الأميركي الجديد ستساعده خلفياته الاسلامية على التفرقة بين الارهاب والاسلام، وجذوره الأفريقية ستصب في صالح القارة السمراء». كما أشار في حواره مع «الراي» الى أن اسرائيل وان كانت قضية أميركية، لكن التمسك بأن القدس عاصمة أبدية لاسرائيل لا يتعدى كونه شعاراً انتخابياً يرفعه المرشحون للرئاسة في الانتخابات الأميركية، أما في الواقع فان الأمر مختلف تماماً.
وهذا نص ما دار معه من حوار:
• هل حقاً يمكن القول ان التغيير مقبل مع دخول أوباما الى البيت الأبيض، وبداية توليه مهام الرئاسة؟
- بالتأكيد التغيير مقبل ولسبب واضح جداً أن الادارة الأميركية السابقة، ادارة بوش، وخاصة في فترتها الرئاسية الأولى كانت قد بدأت سياسات حادة جداً في منطقة الشرق الأوسط بعد أحداث 11 سبتمبر، وكانت أولوياتها غزو العراق، وبعد ذلك حدث اختلال رهيب في المعادلات الاستراتيجية في المنطقة، وبدأت تخرج حركات فاعلة مثل «حماس»، و«حزب الله» بسبب ايران، ثم تفاقمت الأزمات المذهبية بين السُنة والشيعة. وعلى هذا المنطقة تغيرت تماماً.
والأمر الثاني أنهم بدأوا يضغطون على منطقة الشرق الأوسط في عملية الاصلاح السياسي، أو ما أسموه بالاصلاح الديموقراطي، وذلك من خلال العمل على اعادة صياغة المنطقة كلها، وعدم التعاون مع الفرقاء الأساسيين لديهم، ورحبوا بالتعامل مع القضية الفلسطينية حتى آخر عام في عهد بوش، وهذه التوجهات بدأت تخفت خلال الفترة الثانية لادارة بوش لينتهي مشروع الشرق الأوسط الكبير دون الحديث عنه حتى أنهم أخيراً بدأوا يتحدثون عن الانسحاب من العراق فأوباما يأتي بعد ادارة «جمهورية» حاولت قلب العالم، وأدت لمشكلات جسيمة وهذا ما يدفعه لتبني توجهات جديدة مغايرة.
• هل يعني هذا أن التغيير سيشمل منطقة الشرق الأوسط؟
- الادارة «الديموقراطية» بدأت وأمامها ملف الانسحاب الأميركي من العراق، والتقليل من الاعتماد على النفط العربي، فبدا أوباما وكأن لديه حلاً لمشكلة الشرق الأوسط، وهم مقتنعون أن هناك دوراً أميركياً نشطاً في المنطقة وسيكون مختلفاً، وسحب القوات الأميركية من العراق سيكون بشكل أقل، أو تدريجي مع ترتيبات أمن مناسبة بصورة تؤدي الى تحقيق مصالح الولايات المتحدة، وأمن العراق، وهذا هو الأمر الأساسي على أجندة أوباما. كما أنه قال أيضاً انه سيكون هناك اهتمام بالقضية الفلسطينية، وستستمر المفاوضات الخاصة بوجود دولتين اسرائيلية وفلسطينية.
• أوباما أكد على وجود دولة فلسطينية الى جانب الدولة الاسرائيلية، لكنه أكد على أن القدس عاصمة لاسرائيل ألا يعني ذلك أن القضية يصعب حلها؟
- اسرائيل قضية أميركية، وهي قضية خاصة بقدرة اللوبيهات الاسرائيلية في أميركا على الضغط على صانع القرار، وبالتالي فان اسرائيل قضية أميركية خاصة يتحدث فيها جميع المرشحين للرئاسة. وأوباما تحدث عن قضية القدس وأخذ موقف «ايباك»، وهو القدس عاصمة اسرائيل. ولكن كل الناس تعرف أنه على مائدة المفاوضات تختلف الأمور. الشيء نفسه أكده المرشحون السابقون، وعندما جلس ايهود باراك وياسر عرفات في «كامب ديفيد 2» العام 2002 قيل ان هناك بعض الأحياء اليهودية تذهب لاسرائيل، والأحياء العربية للعرب، وفرقوا بين الحرم القدسي والقدس، واستطاعوا الوصول لبعض الصيغ التي ترضي الطرفين، أما أن تكون القدس كلها عاصمة لاسرائيل فهذا مجرد موقف انتخابي.
• أوباما أول رئيس أميركي تمتد جذوره الى الاسلام... فهل سيكون ذلك في صالح المفاوض الفلسطيني؟
- معرفة أوباما عن الاسلام هذا عنصر مساعد، وتوجهاته... أن لديه خلفية اسلامية، وعاش في أندونيسيا، وذهب الى كينيا، وأسرته اسلامية، وهو يعرف ما هو الاسلام، ويعرف الفرق بين الارهابيين والاسلاميين، يعرف أن أهله الذين عاش معهم ليسوا ارهابيين، كل ذلك مفيد في بعض الأمور مثل مزايدات وافتراءات بعض الاتجاهات ومحاولة ربطهم الاسلام بالارهاب، هو لن يقول كلاماً ضد الاسلام لأنه مدرك لحقيقة الأمر. انما في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية فلديه ميل «ديموقراطي»، مثل جميع الرؤساء «الديموقراطيين» بايجاد تسوية ما في هذه القضية، وفهم انساني وحلول وسط للقضية. فالرئيس الأسبق كارتر فعل ذلك، وأيضاً بيل كلينتون.
• هل ترى أن على الفلسطينيين اقتناص فرصة وجود أوباما على رأس البيت الأبيض؟
- الرئيس الأميركي ليست في يده جميع مجريات الحل فهناك الكونغرس، ووزارة الدفاع، ومراكز الدراسات والمخابرات، والرئيس ليس وحده هو الذي يحدد ملامح اتخاذ القرارات، لكن بشكل عام هناك فرصة. لكن المشكلة عند الفلسطينيين فالقضية لا تبدو قابلة للحل ببساطة أبداً، فلا توجد نوايا محددة لدى «حماس» لحل مشكلة سيطرتهم على قطاع غزة، وأيضا «فتح» بها تيارات مقلقة في ما يتعلق بالحوار أو عدمه مع «حماس»، وفرض شروط مسبقة عليهم، وبالتالي لدينا مشكلة فلسطينية شديدة الحدة، ربما ستؤدي لالحاق الضرر بالقضية الفلسطينية أكبر من أي ضرر صنعته أطراف خارجية في تاريخ القضية، لأنها تؤدي لطرح بعض الحلول التي لا يقبلها الطرفان. فنحن نتحدث عن طرح دولة فلسطينية موحدة قابلة للحياة، وبالتالي ستطرح أفكار الدولة المؤقتة في الضفة، وفي غزة أيضاً، وسنشاهد مشاكل كثيرة ستثيرها «حماس» في غزة بسبب توجهاتها لادخال القضية الفلسطينية في دور يضرّ بها جداً، والاضرار بعلاقتها مع الدول المجاورة، كما حدث مع مصر.
• عملية الانسحاب التدريجي من العراق هل تعني أنه سيتم عقد صفقات خاصة لتحقيق مكاسب للولايات المتحدة الأميركية؟
- فكرة الخروج الاستراتيجي من العراق غير مطروحة بالطريقة المتصورة، الحديث عن خروج القوات الأميركية من العراق، وما يقوله أوباما عن خروج القوات الأميركية من العراق لن ينهي علاقته معها، فالقوات الأميركية ستخرج بعد وجود قوة أمنية عراقية، والواقع أن الأميركيين هم الطرف الموجود حالياً في العراق، ومن بعدهم بدأت الدول العربية تذهب لافتتاح سفارات بها. فالطرف الموجود سياسياً، وعسكرياً، واستخباراتياً، واقتصادياً هو الطرف الأميركي، وبالتالي فالأميركيون لن يتخلوا عن العراق بسهولة.
• الملف الايراني بالنسبة لأوباما من الملفات الشائكة فهل سيستمر في سياسة التصعيد التي اتخذها بوش أم ستكون له توجهات أخرى؟
- حديث أوباما عن ايران واضح جداً فقد تحدث عن حوار مع ايران، والحوار في اطار أهداف محددة، ومن أهمها عدم قبول الملف النووي الايراني، أو دعم الارهاب وهو لديه أطراف محددة. لكن أيضا لديه أساليب مرنة جداً، وادارة بوش كانت لديها الأهداف الجامدة نفسها لكن أساليبها عنيفة، وبوش دخل صفقات في أفغانستان والعراق، وكان يطرح فكرة الحل العسكري طوال الوقت، لكن أوباما يقول أنه سيقوم بفتح قناة حقيقية للحوار، والبديل العسكري لن يتم الحديث عنه، على الأقل موقتاً، ويمكن أن يتحدث أوباما عن عقوبات، وليس تصعيداً عسكرياً.
• هل سيكون لمنطقة الخليج دور في خطط أوباما؟
- هناك مشكلة في التفكير العربي فهو يرى أن ما تفكر فيه أميركا هدف، وأنها ستحقق تلك الأهداف. لكن منطقة الخليج ليست ضعيفة سياسياً على الاطلاق، بل هي على وعي تام بملفها الأمني، والاقتصادي، وهناك تصور غربي منذ فترة أنه يمكن الاستفادة من الفوائض المالية في الخليج العربي لاستخدامها في التعامل مع الأزمة المالية العالمية، وأن هناك دوراً ما ستلعبه دول الخليج، وقد أدرك ذلك البريطانيون، عندما تحدث رئيس وزراء بريطانيا بشكل واضح في هذه المسألة، قال الخليج أنه على استعداد المشاركة لكن أين العائد؟ الكويت مثلاً أدركت ذلك وتحدثت عن ضرورة وجود عائد محدد، والامارات فعلت الشيء نفسه. اذن فدول الخليج مستعدة لأن تشارك لأن لديها مصلحة في استقرار الاقتصاد العالمي، لكن لأي مدى سيتم هذا في ضوء شروطها. وأوباما لديه ميل للتقليل من الاعتماد على نفط الخليج، وذلك يعطي انطباعات بالرغبة في تقليص الاعتماد الأميركي على منطقة الخليج بحيث يصبح أكثر حرية في التعامل مع القضايا الخاصة بالطاقة، لكن توجهات أوباما غير واضحة بجميع تفاصيلها حتى الآن فيما يخص دول الخليج.
• مازال الملف الأفغاني - الباكستاني من الملفات التي تحظى باهتمام كبير لدى الادارة الأميركية، فهل سيسير أوباما على خطى الادارة السابقة نفسها في التعامل مع ذلك الملف أم سيكون هناك اتجاه آخر؟
- الأمر واضح لدى أوباما منذ البداية، فالتركيز منذ البداية على وجود «القاعدة» في أفغانستان في المنطقة الحدودية الأفغانية - الباكستانية، وفي جميع حواراته يؤكد على اهتمامه الكبير بباكستان فهذه المنطقة لها، بالنسبة له، أولوية قصوى، ويبدو ذلك من توجهاته والالتزامات التي وضعها لنفسه أمام الشعب الأميركي، وتصريحاته المباشرة في هذا الشأن تؤكد أنه سيحاول اتمام مهمته بخصوص «القاعدة»، والقبض على بن لادن.
• في ما يخص الملف السوري كيف سيتعامل أوباما معه؟
- الأميركيون قاموا بغارة على قرية من القرى الحدودية، وقتلوا فيها أحد الذين لديهم علاقة بتهريب الأسلحة للعراق في «القاعدة»، والمبدأ العام الذي يحكم حركة أوباما مع سورية هو المبدأ الذي يحكمه مع ايران... الحوار، والرئيس السوري بشار الأسد، عندما أرسل لأوباما خطابا لتهنئته تحدث عن الحوار. فأوباما يستعد للتفاعل التحاوري مع سورية. وسورية في الفترة الأخيرة بالفعل بدأت تغيير سياستها في لبنان، وأصبحت أكثر مرونة، ولديها مفاوضات مع الاسرائيليين، كما بدأت احكام حدودها نسبياً في ما يخص موضوع تسرب الأسلحة، والعناصر الارهابية، وبالتالي هناك أساس للحوار بين الطرفين، وأعتقد أنه سيستمر.
• هل يعني ذلك أنه سيكون هناك تعاون أمني بين الدول التي تسمى راعية الارهاب والادارة الأميركية الجديدة برئاسة أوباما؟
- ذلك سيأخذ وقتاً، فتحول دول كانت تعتبر محور شر طوال الوقت، ودول طغيان، أو مارقة من وجهة نظرهم، من علاقة توتر، ومنافسة، وأحياناً خصومة، الى علاقة تعاون كاملة فان ذلك سيأخذ وقتاً. لكن المؤكد أنه سيحدث تنشيط وفتح قنوات للحوار، وذلك يتوقف على جماعات الضغط واللوبيهات، وهل تلك الدول مستعدة لخوض هذا التعاون الأمني الجاد من عدمه، وما يحدث هو تنسيق أمني طوال الوقت مع الأطراف بين السوريين، والأميركان، والايرانيين، انما أن تنقلب العلاقة الى صداقة وتحالف فذلك سيأخذ وقتاً، لكن يمكن أن يحدث، وليبيا فعلت ذلك.
• البعض يقول ان روسيا كانت تفضل شخصاً آخر غير أوباما للرئاسة الأميركية لأنها كانت ترغب في سياسة التصعيد لاثبات وجودها في العالم... فما رأيك؟
- على العكس روسيا لم تكن مستفزة لأطراف كثيرة بالمنطقة، فسياستها لم تكن سياسة هجومية لكن سياسة خاصة بالدفاع عن نفسها، وكل ما قامت به في الفترة الماضية كان لتأكيد أنها لن تقبل أن يتم المساس بأمنها، وقامت بتوتير علاقتها مع الولايات المتحدة عندما اقتربت الصواريخ من حدودها في بولندا.
وعندما شرعت جورجيا في احداث خلل في المعادلات المستقرة بالنسبة لها، وردت في مناطق أخرى في أميركا اللاتينية ومع كوبا، وأيضاً مع سورية تسليحياً، لكن في النهاية روسيا دولة عاقلة جداً، ولا تريد العودة الى الحرب الباردة، واثبات الوجود ليس هدفاً في حد ذاته، لكنهم يريدون الاهتمام باقتصادهم ودولتهم، ويمكن أن يصلوا لصيغة تفاهم مع أوباما، ويمكن أن يكون هو الأفضل بالنسبة لهم.
• وهل يمكن أن يحاكم بوش كمجرم حرب على ما اقترفه خلال فترة رئاسته؟
- لا أعتقد ذلك، بوش قام بتنفيذ سياسة المحافظين الجدد في أميركا، سياسة ربما تكون عدوانية ضاغطة على الأطراف الأخرى، وغير توافقية ولها علاقة بالضربات المبكرة، وعدم التنسيق مع الحلفاء، وخاصة في الادارة الأولى، لكن ثبت في الادارة الثانية أن هذه السياسة فاشلة بالنسبة له لذلك قام باستبعاد نصف مساعديه من الادارة الأولى، ولم يبق الا ديك تشيني في مجلس الأمن القومي، أي ما بقي من المحافظين كان عدداً قليلاً جداً. وفي الفترة الأخيرة هدد أحياناً لكنه لم يتهور بل نفذ سياسة أميركية تقليدية للمحافظين، وحدثت قبل ذلك مرة أو اثنتين أيام الرئيس رونالد ريجان، لكن بعض الأطراف الأميركية في الفترة الأخيرة بدأت تناقش ما فعله بوش، واذا ما كانت هناك أشياء جيدة قام بها أم لا، ولكن فكرة أن يكون مجرم حرب فهذا كلام عربي لا مردود له على الواقع، فهو رئيس دولة يقوم بتنفيذ سياسة، نعم هذه الساسة كان مفرداتها الضغط، واستخدام القوة، وعدم التشاور، لكنها في النهاية تظل سياسة دولة.
• ما أهم الأولويات التي ستوضع على طاولة أوباما مع توليه الرئاسة؟
- الاقتصاد الأميركي، والخروج من الأزمة المالية الطاحنة التي تعصف بأميركا في هذا الوقت هي أولوياته القصوى، ولن يتجاهل القضايا الخارجية بالطبع فهي ضاغطة جداً، لكن الادارة لديه كبيرة، ولديه نائب يمتلك خبرة عميقة في الشؤون الخارجية.
• هل يعني ذلك عقده لصفقات مع أوروبا لانعاش الاقتصاد الأميركي؟
- أوباما له موقف من اتفاقية التجارة الحرة فهو يريد تقييدها، وكان يتحدث عن اجراءات حماية وتدخل من الدولة، ففكرة الاتفاقيات قائمة على التعاون مع الأطراف الأخرى كلها مثل التعاون مع الأوروبيين والخليجيين، لكن خطته التي أعلنها والخاصة بالجزء الداخلي منها تعتمد على العلاقة مع الولايات المتحدة مباشرة.
• أول القرارات التي أعلنها أوباما اغلاق سجن غوانتانامو فهل ذلك يعني أنه رافض بشكل تام لسياسة بوش، وأنه سيتجه في طريق معاكس لها، أم تلك مجرد تصريحات؟
- من أهم الأمور التي أخذها الناس عن أوباما المصداقية فهو يقول ما يعتقده، وكل ما يقوله يريد تنفيذه، لكن عملية التنفيذ تكون فيها تعقيدات، فهناك خيارات تطرح الآن في موضوع غوانتانامو وسبل اغلاقه، وهو ينوي ذلك. وفي الفترة الأخيرة من عهد بوش كان هناك حديث عن الاغلاق، فأوباما لم يخرج ليقول شيئاً غريباً عن أميركا، هم لديهم فقط بعض المشكلات الفنية مثل المكان البديل الذي يضعون فيه معتقلي غوانتانامو، هل سيكون في أميركا، أم سيتم ارسالهم لبلادهم، وأوباما رئيس جديد وليس لديه ميراث عنيف.
• هل سينفذ أوباما مشروع الدرع الصاروخية مع أوروبا، خاصة وأن روسيا لا توافق عليه؟
- لا أحد يعرف ماذا سيحدث في هذا المضمار، فهناك مناقشات بين الطرفين الأميركي والأوروبي فيما يتعلق بالسياسة عبر الأطلنطي، وهناك اصرار أوروبي على تدعيم العلاقة مع أميركا، ولن يتم السماح بتكرار تجربة العراق مرة أخرى، وكل شيء سيتم بالتوافق، وهناك ترحيب كبير بأوباما، وفرنسا، وألمانيا، وبريطانيا، والرأي العام الأوروبي سعيد بذلك، وجميع الأمور مهيأة لعلاقة أطلسية جديدة مختلفة تماماً، وتعاونية تماماً بين الطرفين، أما موضوع الدرع الصاوخي فله علاقة ببعض الحلفاء الأوروبيين مثل بولندا، وأوكرانيا الذين قبلوا أن تكون هناك قواعد عندهم، لكنهم يختلفون عندما يأتون عند الأمور العسكرية، وروسيا ستقف ضد مشروع الدرع الصاروخية.
• اذا كان أوباما يعرف جيداً قارة أفريقيا فهل سيوجه اهتماماً كبيراً لهذه القارة التي أغفلها بعض الرؤساء الأميركيين السابقين؟
- أوباما لديه خلفية عن أفريقيا والأفارقة لديهم أمل في ذلك، وأوباما يتميز بفهمه للعالم من حوله، فهو ممن عاشوا خارج أميركا كثيراً، كما أنه لم يعش داخل المدن، ولكنه عاش في حواف المدن... فهناك جزء يعوّل عليه الأفارقة كثيراً، والمتوقع أنه سيقدم بعض المساعدات الانسانية، وعلاج الأمراض المستعصية وأبحاثها، ومساعدات خاصة بالقارة الأفريقية، لكنه لن يدخل بقوة فيها. وفي الفترة الأخيرة لوحظ أن الولايات المتحدة تهتم كثيراً بتشكيل القيادات الأفريقية، وهي كانت طول الوقت مهمة دول غرب أوروبا، لكن منذ دخول الصين، وروسيا لأفريقيا تصاعد الاهتمام الأميركي، خاصة مع احتمالات وجود بؤر ارهابية كبيرة في الصحراء الكبرى، أو القرن الأفريقي، اضافة للصراعات الناشئة في غرب أفريقيا، وأوباما سيستمر في هذا الاتجاه في محاولة لحل المشكلات الأمنية، ومن الجائز أن يضيف اليه البُعد الانساني، والاقتصادي.