أصبوحة

كورونا والمالتوسية الجديدة

تصغير
تكبير

توماس روبرت مالتوس باحث سكاني واقتصادي وسياسي إنكليزي، عاش في القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر، ينتمي إلى أسرة ثرية تملك أراضي زراعية، وهو صاحب نظرية التكاثر السكاني، التي أثارت جدلاً واسعاً في القرنين الماضيين.
وتستند نظرية مالتوس إلى أن سكان العالم يتكاثرون وفق متوالية هندسية، بينما تزداد الموارد الغذائية وفق متوالية عددية، مما سيؤدي إلى نقص الغذاء، أي إلى اختلال التوازن بين عدد السكان من جهة وإنتاج الغذاء اللازم من جهة أخرى، مما ينتج عنه مشاكل اقتصادية واجتماعية مثل الفقر والجوع والتسول والتشرد والسرقة.
ورأى مالتوس أن المجتمع إذا لم يتدارك نفسه، ويضع للفقراء تحديداً قيوداً أخلاقية، من خلال تحديد أو إيقاف النسل، فإن «قوانين الطبيعة» ستقوم بإعادة التوازن، عبر تفشي الأمراض والأوبئة والمجاعات والحروب، من أجل السيطرة على موارد الغذاء، وكذلك على الدولة أن تحجم عن تقديم المساعدات الاجتماعية للفقراء، الكفيلة بجعلهم غير مدركين أنهم السبب الرئيسي في المأساة.
بالطبع لن نعيد النقاشات الكثيرة حول هذه النظرية العنصرية، فمالتوس ينتمي للفكر الرأسمالي الليبرالي، المنحاز للأغنياء ويحمل الفقراء والفئات الشعبية المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، والتي تشجع الحروب وترى أن الأوبئة هي من الأمور الطبيعية، الناتجة عن التكاثر السكاني الذي يسبب نقص الغذاء، رغم أن ابن خلدون أكد في القرن الرابع عشر، أن التكاثر السكاني عامل مهم في تقسيم العمل وفي النمو، كما انتقد ماركس والماركسيون مالتوس ونظريته العنصرية، واعتبروه اقتصادياً رجعياً وعنصرياً.
مناسبة هذا المقال أن بعض الليبراليين الرأسماليين، من خلال تحليلاتهم السطحية وإفلاسهم، يحاولون إحياء النظرية المالتوسية، فمثل ما يحاول المتدينون المتشددون، إثبات أن سبب المرض وانتشاره هو البعد عن الدين، فإن المالتوسيين الجدد يريدون أن يعزوا السبب إلى المهاجرين الذين شكلوا فائضاً سكانياً في دول أوروبا والولايات المتحدة، وإلى الدول الفقيرة بالعالم.
بيد أن المطلوب من الاقتصاديين أن يقلبوا النظرية، فسبب المجاعات والحروب والمشكلات الاجتماعية ليس الانتقاء الطبيعي، بل بانعدام العدالة بين ما تسميه العولمة الاقتصادية بلدان المركز وبلدان الأطراف، وبسبب نهب الدول الرأسمالية لثروات الشعوب، وتطبيق وصفات صندوق النقد الدولي، التي ساهمت بزيادة البطالة والفقر، والتي عمقت الهوة بين مستويات المعيشة في العالم، وإن الحروب في واقع الحال هي لتقاسم النفوذ بين الدول الرأسمالية.
فالعولمة التي ساهمت بنشر فيروس كورونا، فشلت في واقع الحال بمواجهته، بل تسعى في حال اكتشاف علاج أو مصل له، لاحتكاره وبيعه للدول الفقيرة بأسعار باهظة، ومثلما هناك جهود تبذل من أجل محاصرة والقضاء على المرض، هناك دول تشمت بدول منافسة لها اقتصاديا، علماً بأن شعوب العالم أجمع وبالأخص الفئات الفقيرة هي المتضرر الأول.

osbohatw@gmail.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي