لكي تصبح الدولة مدنية بمعنى الكلمة، هي لا تكتفي فقط بوضع النظم والقوانين، فالقوانين لا تطبق نفسها تلقائياً، وتظل غير ملزمة طالما ظلت حبراً على ورق، ولا يمكن وصفها بالدولة المدنية، إذا لم يكن الدستور والقوانين هما ما ينظمان الدولة والمجتمع ويسيرانهما، بل يمكن وصفها بنظام ما قبل الدولة، أي تدار بالبركة أو بالواسطات ونفوذ الأفراد والجماعات.
وقد مرت الدولة والإدارة الحكومية في الكويت، بعقود من الهدر وغياب الاستراتيجيات والخطط، ولم تفرض سلطتها المدنية الحديثة، أي فرض النظام والمواطنة الدستورية، والالتزام بتطبيق مواد الدستور، لا إفراغه من محتواه عن طريق تشريع قوانين تناقض مقاصده أو جوهره.
ولذا يرى الكثيرون أن الدولة الآن لا تشبهها عند بدايات الاستقلال والتأسيس، وبدء مشروع بناء الدولة المدنية الحديثة، فالفوضى هي عنوان المرور، والتعليم فرض مناهجه تيار معين في المجتمع، والإدارات الحكومية متخمة بموظفين لا ينتجون، والمعاملات في جميع الإدارات لا تواكب العصر، والفساد يزداد تفشياً حتى أصبح منهجاً وظاهرة، ولم تعد الثقافة جزءاً مما يميز الكويت، وشابها الإهمال والتهميش، وقس على ذلك كل شيء تقريباً.
في الأزمة الصحية التي تمر بها البلاد والعالم، أظهرت الحكومة بعضاً من سلوك الدولة المدنية في هذا الجانب، وأجبرت من تقرر أن يطبق عليهم الحجر الصحي، على الالتزام بإجراءات الحكومة للاحتراز من المرض ومحاصرته وعلاجه، رغم أنها كادت في البداية أن تسير على نهج الرضوخ للضغوط والتهديد، ولم يفلت من الإجراءات الحكومية الحازمة إلا القليل، وحالما لاحظ أبناء الشعب هذه الجدية في التعامل مع الأزمة، حتى التزموا تلقائياً بالتعليمات، وكأن السلوك والثقافة المجتمعية، تغيرتا في يوم وليلة، وكل ما يطلبه الأمر هو فرض الإرادة الحكومية.
ولو كانت الحكومة مستمرة منذ عقود بفرض إرادتها، لكنا في حال أفضل في جوانب حياتنا، إذ كما يقال في المثل الشعبي: «المال السايب يعلم السرقة»، أما لو كان هناك تطبيق حازم ومتابعة ومراقبة، لكانت الشوارع في بلدنا آمنة ومنظمة، والإدارات والمعاملات الحكومية ميسرة، والثقافة مزدهرة وفي أوجها، فالدستور والقوانين موجودان، فقط المطلوب فرض الإرادة الحكومية، وليس الانصياع للأصوات العالية والنشاز، أو ترك الحبل على الغارب، تديره الواسطات الطائفية والقبلية والفئوية.
osbohatw@gmail.com