لفت انتباهي سؤال المحقق لعالم الرياضيات العبقري الآن تورينغ في فيلم The Imitation game، الذي رشح فيه لأوسكار أفضل ممثل:
«هل تستطيع الآلات التفكير؟»
فكان جوابه:
«بالتأكيد لا...
الآلات لا تستطيع التفكير كالبشر. لكنها تستطيع التفكير بطريقة أخرى».
والسؤال الذي يفرض نفسه هو:
هل تستطيع الآلة تبني سلوك أخلاقي، كالطيبة وفعل الخير، هل يمكن أن تستنبط الإحساس بالندم أو تستحدث نوعاً من الضمير، ليس بالضرورة كالبشر لكن ضمير ما.
وإن صح ذلك في سبيل النقاش، هل ستكون حينها الأخلاق مختلفة، وهل سيتعارض ذلك مع مقولة: إن الأخلاق واحدة لا تتجزأ أو تتبدل عبر الأزمنة؟.
أليس صحيحاً أن الآلة بعد حين تطور نفسها بنفسها، عبر دمج وربط احداثات نواتها الأساسية... ورمزيات مخزنة بها قابلة للتطور من تلقاء نفسها، أليس صحيحاً أن للآلة عقلاً خاصاً بها يتبلور عبر الزمان ويتخلق نفسه بنفسه، وبذلك تستكمل قدراتها وتعيد اكتشاف نفسها ونسخة متطورة، يمكن استحداث أخلاق خاصة بها، ذلك احتمال لا بد منه.
لأننا لا نستطيع التنبؤ كليا بقدرات الآلة كما لا يمكننا استيعاب قدراتها المستقبلية.
وبالمنطق نفسه، فإننا كبشر مهما أبدعنا وابتكرنا، لسنا على بينة بقدرات كل كيان نتعامل معه سواء آلة أو معادلة أو غيرها، اللغة مثلاً...
أليس صحيحاً أن معنى اللغة لا ينحصر في دلائلها المباشرة المنكشفة لنا، بل في حجم الفضاء المحيط بها في النص أو الكتاب، وقوة جناحيها على التحليق والنمو والطيران والتشقلب والتدحرج والتحول والتطور...
وكذلك فالجمال والصور البلاغية غير مقيدة باللغة التي تتضمنها وتشكلها، بل بحجم المساحة الممتدة حولها، ومدى امتداد الأفق فوقها وتحتها ومن حولها، خارجها وداخلها، فلكل جملة، مفردات كحراس لها، بينما بيئتها ومحتويات بيتها تتكون من انفعالات وتجارب وأحداث.
ثم نأتي إلى تفاعل المتلقي الذي بدوره يتيح للغة التطور والنمو والتشكل والتبدل عبر التفاعل معها ورعايتها ومحاولة فهمها، وبذلك منحها الرعاية والحب والاهتمام الذي تحتاجه - كطفل - للنمو والتغير والنضوج.