هذا الصباح لمن يستحقه...
لا يوجد حب كموضوع عام، وإنما كشيء خاص، ولذلك فإن عيسى المسيح عليه السلام يتحدث في الإنجيل عن حب الأقارب، والقرآن يشير إلى «الأقربين الأولى بالمعروف»، ووحده ذلك الحب المحدد يعني شيئاً... وهو وحده المتوافر. أما حب الإنسانية جمعاء... ما هذا؟ كيف يمكن أن تحب الإنسانية؟ ما هي الإنسانية أصلاً إذا لم تكن الشخص الجالس بجانبك؟ ما هي الإنسانية أصلاً إذا لم تكن أخاك في الوطن والوافد الذي يعمل ويبني معك؟
ما فائدة الحب العام للإنسانية إذا كنا لا نستطيع أن نعبر عن هذا الحب لأقرب الناس إلينا؟!
عندما نعيش مع أم أو أب أو زوجة أو صديق أو نعمل مع زميل في العمل أو نتعامل مع مسؤول في الحكومة أو عضو مجلس أمة يعبر عن الأمة وليس عن نفسه، ونتلمس منهم الصلاح وحب الحقيقة والفكر العميق والسمو والنبل والإنصاف والنزاهة والكرامة ونكران الذات والإحساس بالواجب والمسؤولية والثقة بالآخر والإخلاص وبسالة النفس والتواضع والقدرة على الصفح والبهاء الداخلي والعفة... ثم لا نعبر عن مشاعرنا لهم ولا ننحني طوعاً وبملء حريتنا لصفاتهم الروحية، إجلالاً لكرم أخلاقهم الحقيقي، فهذا يعني أننا نساعد على نشر الفساد في الأرض.
فأرسلوا هذا الصباح لمن يستحقه.
قولوا لأم توصل عيالها إلى المدارس بهدوء وكل من حولها مسرع، ثم تذهب لعملها مسرعة وكل من حولها نائم، وتتمنى أن يمر اليوم بلا خسائر لأحد، وتحلم بالزيادة والبركة في الراتب من أجل حياة أفضل... صباح الخير.
قولوا صباح الخير إلى أب لا يضع يده في جيوب من حوله ويطعم أبناءه بالحلال، ويضحك مع أهل بيته ضحكة من القلب.
ادعوا من قلوبكم لزوجين جديدين، يسألان الله الستر وفضله... ويشعران بالسعادة من طلعة سينما وعشاء خفيف في زمن أصبحت السعادة في كل شيء عدا في تواجد الأزواج معا.
قولوا صباح الخير على أصدقاء ورفاق الطريق، وصباح الخير على الرفاق الذين يسلكون الطريق ذاته.
صباح الخير على كل الذين عرفتهم ولم يرددوا يوماً «أن البلد كله ماشي جذي - إذا إنت ما سويت غيرك يسوي - من صادها عشى عياله».
وصباح مليء بالأمل على الأرض التي تود أن تكون أرضاً أخرى، يعتليها من يحسنون إليها لا من يطعنون خواصرها حتى بدت وكأنها ستصاب بالشيخوخة.
قولوا صباح الخير لطبيب يقف ليسلم على امرأة كبيرة في العمر جاءت لتفحص ضغطها، ويحضر كرسياً لرجل في عمر أبيه جاء مع أم عياله ليطمئن عليها، وصباح الخير على ضابط الداخلية الذي يعرف معنى كلمة «ضابط» لنفسه ولمن حوله.
صباح الخير على الطلاب المشتركين في الإذاعة المدرسية الذين يحضرون قبل معلميهم، ومذيع في إذاعة محلية يتقن صناعة المحتوى الإيجابي، وعلى وزير يسمع للمظلومين ويطور إمكانية الموهوبين ومعه فريق عمل وليس وفود منافقة ومرافقة.
قولوا صباح الخير على عضو مجلس أمة يعلم أن أبناءنا الصغار يشاهدون مقاطع فيديو له وهو يعبر عن أخلاق الأمة، لذلك فهو حريص على التنشئة الاجتماعية وليس مصالحه الاقتصادية.
صباح الخير على رئيس مجلس إدارة جمعية تعاونية يفكر في سكان منطقته، وعلى موظف خدمة مواطن يخلص معاملاتهم، وعلى معلم مدرسة يتواصل معهم، وعلى دكتور مستشفى يركز في ملفاتهم، وعلى مهندس أشغال يهمه شوارعهم، وعلى إمام مسجد يعتقد أن علاقاته الاجتماعية بشباب القطعة السكنية أهم من القطعة المكتوبة من وزارة الأوقاف لخطبة الجمعة، وعلى جار يقول لجاره: صبحك الله بالخير يا بو فلان!
صباح الخير على مثقفة أو كاتبة أو فنانة إذا تكلمت بدا كلامها مرتباً بعناية ومتحرراً من التكلف وليس الأخلاق، قوياً ومحكماً ويعبر عن كل ما هو ضروري بتكثيف عال، بعيداً عن التصنع بحيث تقول ما عليها قوله ببساطة شديدة.
قولوا صباح الخير للعمالة المنزلية التي ترى في الأطفال أطفالاً فقط وليسوا أبناء الكفيل، وصباح الخير على الكفيل الذي يعلم أن الكافي والكفيل هو الله، وصباح الخير على الذين يعتقدون أننا جميعاً «وافدون» على باب الله.
صباح الخير على أساتذة الورق والكلمة المكتوبة والكلمة المطبوعة، كل العاملين في جريدة «الراي» الغراء التي يحبها القراء، وألف مبروك موقع الجريدة الجديد. وصباح الخير على الذين يكتبون الأخبار بحرفية ومهنية وموضوعية من دون أن يرصوا الكلام بجانب الكلام وفوق الكلام وتحت الكلام فقط... وصباح الخير على القراء الكرام، وأرجو أن يصل هذا الصباح لكل من يستحقه.
من الجهد الضائع أن تقص على الأصلع حكاية يقف لها شعر الرأس، لذلك فإن كل المقالات التي تتكلم عن الفساد لن تحرك شعرة في رؤوس الفاسدين، ولكن المقالات التي تعزز سلوك الصالحين ستجد من يشعر بها... وكل ما لم يذكر فيه اسم الله... أبتر.
@moh1alatwan