في ثالث عروض «المسرح الأكاديمي 9»

«سبيليات إسماعيل»... معاناة الإنسان في زمن الحروب

تصغير
تكبير

في ثالث العروض الرسمية لمهرجان «المسرح الأكاديمي 9»، احتضنت خشبة الفنان حمد الرجيب في المعهد العالي للفنون الموسيقية، أول من أمس، مسرحية «سبيليات إسماعيل»، وهي مأخوذة عن رواية للأديب الراحل إسماعيل فهد إسماعيل، ومن إعداد فارعة السقاف، وإخراج رسول الصغير، في حين تولت بطولتها شيرين حجي.
تدور أحداث المسرحية حول شخصيه «أم قاسم» التي تشكل تأريخاً لأحداث واقعية، خلال الحرب الضروس بين العراق وإيران. كما تحاكي أيضا قضايا عدة، على المستويين الإنساني العام والمجتمعي الخاص.
على المستوى العام، والذي يتمحور حول الإنسان، وكيفية مواجهته لعوائق الحياة حتى يتغلب عليها، طرحت المسرحية جوانب إنسانيه مهمة، تجلى فيها دور الإنسان في بناء الحياة والقتال من أجل العيش، لذا يمكننا القول إن الصراع القائم في المسرحية قد يتشكل بأكثر من صورة، ويمكن أن يكون الصراع نفسياً بين شخصية أم قاسم وذاتها.
أما على المستوى الخاص، فإن المسرحية ألقت أضواء مكثفة على القضية الوطنية وأثر الحروب على المجتمع، سواء كانت آثاراً مادية مثل دمار المؤسسات والمباني والبنى التحتية أو أثرها على حياة الإنسان، وهذا يؤثر بشكل سلبي على اقتصاد ونمو البلد، فلا حياة لمجتمع من دون وجود الإنسان.
وبخصوص الأداء التمثيلي، نجد أن المسرحية قد اعتمدت كلياً على شخصية واحدة، وهي «أم قاسم»، التي تعتبر المحور في سلسلة تطور الأحداث، كما أن تواجدها قبل بداية العرض ضمن الحاضرين خارج المسرح، أعطى إيحاءً بأن شخصية «أم قاسم» هي جزء منا جميعاً وجزء من المجتمع، ومن الممكن أن تمثل مجتمعاً كاملاً. وهذا بكل تأكيد كان أمراً مقصوداً من المخرج، لا سيما أن اختياره للشخصية النسائية لم يكن عبثياً، بل له دلالات رمزية عميقة، فالمرأة من صفاتها الصبر، كما أنها تحاكي الوطن والمجتمع الذي عانى من كثرة الحروب.
ونجح المخرج في تقديم أحداث مسرحيته على طريقة «المونودراما» بأسلوب غير تقليدي، محافظاً على إيقاع المسرحية بقدر الإمكان. كذلك، أبدع عند الرقصات التي أدتها الشخصية كنوع من التعبير عن الحالة النفسية التي مزج فيها ما بين الخوف والحزن والفرح معاً، ما خلق أجواء الكوميديا السوادء، حيث عبّرت شخصية «أم قاسم» عن مآسيها ومعاناتها بأسلوب شبه كوميدي، ولم تكن هناك أي مبالغة في الأداء بحسب تطور الأحداث.
ولعل الأزياء أضفت هي الأخرى جمالية بصرية على العرض المسرحي، إذ انقسمت إلى جزأين. ففي البداية، كانت الأزياء باللون الأبيض ممزوجة بملابس شعبية، وهنا تدل على الزفاف، والبراءة والطهارة. ثم، ومع تطور الأحداث، يتضح أن الشخصيه ترتدي عباءة سوداء تحت اللباس الشعبي، وكأن المخرج هنا يدلل على أن الشخصية شعبية.
وبالنسبة إلى الديكور، فقد كان ثابتاً خلال الأحداث، وهو يمثل الفوضى بسبب آثار الحرب، لكن اختلفت وظيفته بحسب مجريات الأحداث، حيث تخللته بعض التصورات مثل «الفلاش باك» واستخدام الخيال، بالإضافة إلى استخدام بعض الأدوات كنوع من وسائل التعبير. فعند استخدام أم قاسم لـ«مطحنة الحبوب»، بدا الأمر كما لو أنه خطوات الجنود في الحرب.
وبخصوص المؤثرات الصوتية والموسيقى المستخدمة، فقد اعتمد المخرج على استخدام الأغاني الشعبية، حتى يتم تقريب الصورة أكثر للمشاهد والتعبير عن حالة الشخصية، بالإضافة إلى استخدام بعض الأغاني من الفولكلور.

الندوة التطبيقية
أعقبت العرض المسرحي ندوة تطبيقية، في قاعة الندوات للحديث عنه، أدار الحوار فيها الطالب في قسم النقد والأدب جراح الهيفي، بينما عقبت على العرض الدكتورة إيمان شعبان، بحضور المخرج رسول الصغير.
من جهتها، تحدثت المعقبة الدكتورة إيمان شعبان قائلة: «هذه المسرحية من النوع المونودرامي، وهي رغم محدودية الزمان والمكان إبان فترة الثمانينات من الحرب العراقية - الإيرانية في قرية صغيرة محاذية لحدود البلدين، إلا أن النص استطاع أن يقدم رسالة عميقة تمس الإنسانية».
وأضافت أن المسرحية طرحت قضية إدارة الإنسان وقوة الفرد في مواجهة التحديات من أجل إبقاء السلام والإصلاح مقابل الحرب والدمار، ومناقشة قضية التعلق بالمكان الذي ينتمي إليه الإنسان، وتتجسد كل هذه القيم بشخصية (أم قاسم) التي أعطت طرقاً بديلة للحرب والدمار نحو الإصلاح والإعمار، وكانت رمز الأمل والمقاومة والاستمرار.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي