نادين البدير / أربعة منهم لكل أربعمئة فلسطيني...

تصغير
تكبير
نادين البدير
عام سعيد...
مع الأسف أضحية العام الجديد كانت دسمة.

حتى اللحظة أزهقت أرواح حوالي أربعة إسرائيليين مقابل أكثر من أربعمئة وأربع عشرة روحاً فلسطينية...
القيمة تقارب شخصا من إسرائيل لكل مئة فرد عربي.
والعربي رخيص. أرخص ما تملك الحكومات والأوطان العربية هو العربي. الفرد الإنسان.
أعدادنا كبيرة. نأكل بشراهة. نحب سوية ونشترك في كراهية نفس الرموز. لا نقرأ. لا نفكر. نشنق المتهم قبل محاكمته. لا نفعل سوى نقد الأنظمة والحكام.
رخيصون.
أربعة إسرائيليين مقابل أربعمئة وأربعة عشر فلسطينيا.
حسب وكالة غوث اللاجئين (أونروا) فإن ما لا يقل عن ربع القتلى والجرحى هم من المدنيين.
من اختار للأهالي المذبوحين حمل راية الموت؟
طفل الرابعة، الأرملة، الطالب، الأب المعيل... من قرر لهم لحظة النهاية؟
كل أطراف المعركة كانوا أعداء للإنسانية، اتفقوا على ذات المصير، لا فرق بين أن تكون ظالماً فتصوب السلاح نحو المظلوم وبين أن تنصره وتختبئ وراءه جاعلا منه درع وقاية...
هل من فرق بين أدوات الوحشية التي تستخدمها إسرائيل وبين أدوات التضحية بدماء الآخرين التي استخدمتها حماس...
حماس صوبت وقتلت عسكرياً مصرياً على معبر رفح...
ضد مَنْ معركتها بالتحديد؟
قبلها، وعلى أرض كانت ساحة لمعارك الفلسطينيين وإسرائيل، تقاتلت حماس وفتح...
نتج عن قتالهما قتلى وجرحى من الطرفين، كانوا شهداء المصالح والأطماع السياسية لأبناء جلدتهم.
وحين يكون القاتل ابن الغريب الإسرائيلي يكون القتلى شهداء الوطن والواجب.
المحصلة أعداد وأعداد من القتلى لا نهاية لعددها... هذا شهيد شرف، وذاك شهيد حرية، وآخر شهيد كتائب... يخدرون الأم ويطفئون حرقتها، يخبرونها أنه شهيد وأن عليها رفع الزغاريد...
هذا هو ثمن الإنسان هنا. فرح وأهازيج وزغاريد. احتفالا بانقطاعه عن الدنيا.
لأجل الأرض يهون دمه.
من الذي أشبعنا بتلك الثقافة؟ إما الأرض أو الإنسان.
إذا ما مات الإسرائيلي ترتفع أصوات الآلات السياسية والعسكرية. يزمجر الجميع بوعيد وتهديد لكل عربي من المحيط للخليج.
هذا هو ثمن الإنسان هناك. لا شيء أغلى من الإنسان.
عموماً، الأثر على الفلسطينيين واحد في كل الأحوال. لا فرق بين عقل عدوهم البارع سياسياً وعسكرياً وبين تفكير نده القاصر سياسياً واجتماعياً.
كتفكير حرب لبنان كان ذات التفكير يسيطر قبل مذبحة غزة...
الخراب نصر... الموت نصر... دخول المعركة بحد ذاته نصر يشفي غليل العرب... مفهومنا عن الحرب والانتصار مختلف عن الشعوب الأخرى.
فيما كنا نحتفل بالحذاء الذي فوقنا على أقوى الدول، كان البرود يأتي عبر الإعلام من وزارة الخارجية الأميركية تطالب بمنع أي عنف ضد منتظر الزيدي.
حتى الحذاء الذي أوهم العرب بأنهم قادوا العالم اعتبر نصراً... نصر لم تكتمل فرحته فقد جاءت لطمة إسرائيل بعدها بأيام.
في حرب تموز كنت في مجلس جمع عدة أجناس عربية، تجادلنا حول نتيجة الحرب ومن المستفيد بعد الخراب... تجادلنا حول أهمية الإنسان وما إذا كانت المكاسب تستحق المخاطرة بكل أولئك الموتى...
كانت معنا أم فلسطينية لم تر الضفة يوماً ومعها ابنها الشاب...
تكلما بفخر عن الأرواح التي تضيع يومياً طالما أن العدو مغلوب.
قلت للشاب: لماذا تعيش خارج بلدك المطحون والمساكين هناك في الداخل يعانون. صرخت أمه: لا تكوليله هيك. ما سدكت امتن يكبر...
- والأخريات أيضا ما صدقنّ متى أولادهن يكبرون.
ما أسهل الصراخ. في ثقافتنا وتنشئتنا التعليمية هناك استشعار بحلاوة الدماء وعذوبة الاستماع لصوت السلاح.
الشعوب اليوم متعطشة للدماء. وتتهم الحكام بأنهم لا يسمحون لدمها بأن يراق على الطرقات وفي الساحات...
اسرائيل تقتل من جهة ونحن نريد المزيد من القتل من جهة.
سيأتي يوم قد لا نتمكن فيه من التمييز بين الرغبة في إرجاع الأرض وبين النشوة لرؤية الدم.
منذ سنوات والمشهد هو المشهد لا يتغير، بعد المجزرة، بعد المحزنة، تخرج الشعوب للشوارع، تطبل تزغرد للقتلى وتندد، حال تجمعاتها كحال اجتماعات حكامها تماماً... تفضي إلى اللانتيجة دائماً.
الشعوب المشغولة باختراع عقود نكاح حديثة لتبيح فوضى الجنس قانونياً، تجد وقتاً لتخرج للشوارع وتصرخ من أجل غزة وهي ترفع على أكتافها صورا لأنظمتها السياسية الديكتاتورية. مفارقات الشعوب عجيبة...
ماذا فعلت . لا شيء. تتعلق بمسألة فتح الحدود دون أدنى تخطيط ليموت أضعاف من يموت بفلسطين.
سيبقى المفكرون الذين يقدسون الإنسان، يخسرون أقل القليل من البشر.
ما فائدة أن تعود الأرض ونخسر البشر.
مَنْ يعمر الأرض غير البشر...
أحلم أن يبرد حزن أهالي غزة...
أتيقن بأن لحظات فرح تنتظرنا وتنتظرهم...
عام سعيد... وكل سنة وأنتم بخير...
كاتبة واعلامية سعودية
[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي